لم يكن طلب الحكومة مدّ قانون الطوارئ والاستجابة السريعة له من مجلس الشعب دون مناقشة، أمرا غير متوقع. ففى ساعات قليلة كانت الإجراءات التشريعية قد اتخذت، وشهد الناس جلسة تاريخية «مبرمجة» وضعت نهاية لآمال السُّذج الذين ظنوا أن شيئا يمكن أن يتغير فى مصر، حتى ولو بعد 29 سنة.. بينما كانت كل الأمور تشير إلى أن نظم الحكم التى تولد فى ظل قوانين استثنائية، لا يمكنها أن تتنفس أو تعيش إلا فى أوضاع استثنائية!
وقد كان من أكثر ما يلفت النظر أن تستند الحكومة فى طلب المد إلى أن إسرائيل تطبق نظام الطوارئ منذ إنشائها. وسواء صح هذا القول أم لا، فإن الاستشهاد بإسرائيل نموذجا للحكم الصالح وما ترتكبه من جرائم ضد الإنسانية، دليل على مدى ما وصلت إليه طموحات النظام فى تحقيق الديمقراطية والحفاظ على كرامة الإنسان المصرى. وكان الأحرى أن تقتدى مصر ببريطانيا أو أمريكا أو فرنسا التى تعرضت لهجمات إرهابية أشد قسوة، فأضافت أو عدلت بعض القوانين لمكافحة الإرهاب، تسمح باعتقال المشتبه بهم لمدد محدودة وتخضع لرقابة القضاء دون حاجة لإعلان الطوارئ.
أما فى مصر فقد حرصت الحكومة فى تعديل قانون الطوارئ على استبعاد الإجراءات التى كانت معطلة وغير معمول بها فعلا، مثل مراقبة وسائل الإعلام والبريد وإغلاق دور النشر.. بينما أبقت على الإجراءات التى تنتهك حقوق الإنسان فى الصميم، مثل الاعتقال والتفتيش وما يتبع ذلك من وسائل التعذيب والاحتجاز القسرى والتحايل على أحكام القضاء بإعادة اعتقال الأشخاص الذين تصدر أحكام قضائية بالإفراج عنهم.. مما جعل من العدالة وسيادة القانون لعبة فى يد الأمن، أساءت إلى سمعة مصر وأدانتها من جماعات حقوق الإنسان.
وهناك من يدافع عن مدّ قانون الطوارئ بأن هذه التعديلات ليست خيال مآتة ولكنها خطوة إلى منتصف الطريق نحو إلغاء حالة الطوارئ تماما، واستبدال قانون مكافحة الإرهاب بها. مع أن المبررات التى أدت إلى الطوارئ قبل 29 سنة لم توقف تهريب المخدرات، كما أن تنوع عمليات الإرهاب لم يعد يقاوم بإعلان الطوارئ وفرض الأحكام العرفية، ولكن باستخدام تقنيات متقدمة فى مكافحة الجريمة واكتشافها قبل وقوعها، وليس فى استخدام العنف وفرق مكافحة الشغب.
غير أن الأمر المريب والمثير للدهشة هو أن يفشل خبراء القانون والأمن، فى الاتفاق على قانون لمكافحة الإرهاب طوال خمس سنوات، منذ أعلن الرئيس مبارك فى برنامجه الانتخابى عام 2005 تعهده بإلغاء الطورائ. ولعل السبب فى ذلك يرجع إلى غياب القدرة والرغبة فى تحقيق التوازن بين الأمن والحرية، بين المحافظة على النظام والمحافظة على كرامة وحقوق الإنسان. وهو ما يدعو إلى الشك فى قدرة الحكومة على الوفاء بتعهدها هذه المرة أيضا.
لقد توقع البعض أن تشهد الفترة المقبلة بعد إقرار القانون الجديد، انفراجة كبيرة فى المناخ السياسى، تفتح أبواب الحرية لآلاف المعتقلين المحتجزين بالسجون فى ظل قانون الطوارئ. أو هذا على الأقل ما أعلنه د. فتحى سرور رئيس مجلس الشعب. وهناك من يراهن على أن تنفيذ هذا البند من القانون لن يكون بالسهولة التى يعتقدها حسنو النية.. ولو حدث ذلك فسوف يكون لكل حادث حديث!!