فى أكثر من تصريح صحفى، ردد الدكتور حمدى زقزوق وزير الأوقاف دعوة المسلمين إلى زيارة المسجد الأقصى. وأبدى حماسا شخصيا لذلك، دفعه إلى القول إنه من جانبه لا يمانع فى القيام بتلك الزيارة، حتى إن تمت بتأشيرة دخول إسرائيلية.
وحجته فى ذلك أن زيارة الأقصى تثبت حق المسلمين فيه، وتمثل دعما لفلسطينيى عام 1948، وتعبيرا عن التضامن معهم. وهو بهذا الموقف تبنى رأيا مغايرا لما عبر عنه الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، الذى رفض فى تصريح علنى زيارة المسجد الأقصى وهو تحت الاحتلال.
كما أنه انحاز إلى رأى يعارضه البابا شنودة الذى لم يسمح للأقباط المصريين بزيارة المدينة المقدسة، بل إنه دون الموقف المعلن لوزير الثقافة فاروق حسنى الذى رفض فيه فكرة التطبيع. الأمر الذى يحسب له، وربما غفر له مواقف أخرى حاول فيها استمالة الإسرائيليين وكسب ودهم، أثناء ترشحه لليونسكو.
يستوقفنا كلام الدكتور زقزوق من أكثر من وجه. ذلك أننى لا أشك فى أنه يعلم جيدا أن المسجد الأقصى تحت الاحتلال، وأن المسلمين دون الأربعين يمنعون من الصلاة فيه، وأنه لا يجوز شرعا شد الرحال إليه وهو فى هذه الحالة، باعتبار أن أى زيارة من قبل العرب أو المسلمين هى نوع من الاعتراف بشرعية الاحتلال، وخطوة على طريق التطبيع مع العدو.
وأغلب الظن أن الدكتور زقزوق يذكر ما فعله المسلمون حين قام القرامطة باحتلال الكعبة ونهبها فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى)، واعتبر بعضهم أنها تعرضت للاحتلال فامتنعوا عن أداء فريضة الحج فى وجود غاصبيها. وإذا كان ذلك الامتناع قد وقع مع فريضة هى ركن من أركان الإسلام، فأولى به أن يتكرر فى حالة المسجد الأقصى الذى هو دون الكعبة منزلة، وزيارته نافلة مستحبة، وهى لا تعد ركنا أو فريضة.
لا أشك أيضا أن وزير الأوقاف والشئون الإسلامية الذى لا يمانع الذهاب إلى المسجد الأقصى بتأشيرة إسرائيلية قد قرأ فى الصحف أن إسرائيل قطعت شوطا بعيدا فى تهويد القدس، كما أنها ضمت بعض المواقع الإسلامية المهمة إلى قائمة الآثار اليهودية، وأن المستوطنين أقدموا على حرق بعض المساجد فى حماية الشرطة الإسرائيلية، ومنهم من سعى أكثر من مرة لاقتحام المسجد الأقصى فضلا عن محاولة إحراقه. وهى ملابسات كان الظن أنها كافية لعدول الوزير عن فكرته، التى يستغرب الإصرار عليها ومواصلة ترديدها.
لم أفهم كيف أقنع الوزير نفسه بحكاية إثبات حق المسلمين فى المسجد الأقصى ومساندة فلسطينيى 48. ذلك أن أحدا لا يتصور أن زيارته الشخصية أو زيارة أى أعداد أخرى للمسلمين يمكن أن تغير شيئا من حقيقة خضوع المسجد للاحتلال. واستغرب كثيرا ألا يكون قد سمع بنداء علماء فلسطينيى 48 الذين اعتبروا أن مثل الزيارات التى دعا إليها الوزير المصرى بمثابة مكافأة للإسرائيليين وتطبيع للعلاقات معهم. ومن ثم فهى تثبت الاحتلال وتسلم به، ولا تسحب من رصيده شيئا.
كما أننى استغرب للغاية أن يغيب عن بال الوزير أن دعوته تمثل استفزازا لمشاعر المسلمين الغيورين على القضية الفلسطينية، والذين يعتبرون مقاطعة العدو وعدم الاعتراف بشرعية احتلاله هى الحد الأدنى الذى ينبغى أن تلتزم به جموع المتدينين فضلا عن الوطنيين فى العالم العربى والإسلامى.
أدرى أن بعض المسئولين فى السلطة الفلسطينية لهم الموقف ذاته الذى عبر عنه الدكتور زقزوق. وكلنا نعلم أن وزير الأوقاف فى حكومة رام الله يروج لهذه الزيارة مع كل من يلتقيه، كما أن هناك من وجه الدعوة للمنتخب المصرى لكى يقيم مباراة فى كرة القدم مع المنتخب الفلسطينى، تتم تحت الحراسة الإسرائيلية وبموافقة منها، وهى دعوات إذا أحسنا الظن بها فسنقول إنها من قبيل الاستدراج الذى يشق طريق التطبيع، ولن يستفيد منها إلا سلطة الاحتلال.
كان بوسع الدكتور زقزوق أن يتجنب الضجة التى أحدثتها تصريحاته بوسائل شتى، وإذا لم يجرؤ على اشتراط تحرير المسجد الأقصى قبل زيارته فليته تريث وقال إن الدعوة الى الزيارة تحتاج الى دراسة كما فعل شيخ الأزهر السابق، ورغم أن الشيخ الحالى رفضها. وليته أحال الأمر إلى مجمع البحوث الإسلامية الرافض للتطبيع ليتخذ قرارا بشأنها. لكن الوزير لم يشأ أن يفعل شيئا من ذلك، وآثر أن يصدمنا ويستفزنا. لقد نسى أنه وزير للأوقاف والشئون الإسلامية، وتذكر فقط أنه وزير فى الحكومة المصرية، فكان كمن اشترى دنياه بآخرته!