ليست الفضائيات وحدها هي التي تهدم الزواج وتقوض أركانه، وليست الدعوات العلمانية وحدها هي التي تحارب العقد الشرعي وتدعو إلى إلغائه واستبداله بالعقود العرفية والمدنية، وليست العولمة الثقافية التي اكتسحت العالم من شرقه إلى غربه وحدها هي التي تحرض على الزنا والفجور والرذيلة والمجون.
بل إن المسلمين أيضًا بما أقاموا من أعراف وتقاليد جاهلية ألصقوها بالزواج ومقدماته ليعتبرون أول من حمل معاول الهدم وفتح الطريق أمام أولئك ليقولوا ما يقولون، وليدعوا إلى ما يدعون إليه. لقد حول المسلمون الزواج بجهلهم من زواج تسوده الرحمة والسكينة، وتكلله البركة إلى زواج محفوف بالهم والعناء. فبعد أن كان الزواج من أيسر الأمور عند المسلمين أصبح من أصعبها وأكثرها مشقة وعذابًا، وبعد أن كنا نسمع عن زواج ينعقد على مهر لا يتجاوز خاتمًا من حديد أو نواة من فضة أو قليلاً من القرآن يقدم كهدية للزوجة، أصبح الزواج سببًا لضياع الثروات وتراكم الديون .
والسبب في ذلك أن المسلمين تركوا هدي الإسلام واتبعوا أهواءهم، فارتكبوا بذلك جريمة كبرى في حق دينهم و مجتمعهم على حد سواء.
لقدتأجل الحلم، ثم ارتحل، لماذا؟ وهل من عودة أخرى؟ إنها مشكلة اجتماعية معقدة ومستشرية في شريحة كبيرة من مجتمعنا. مما يؤثر سلبا في تركيبة المجتمع مستقبلا.
كل شيء في الحياة قسمة ونصيب، وكذلك الزواج فهو قسمة ونصيب، ولكن ان تصطدم القسمة والنصيب بغلاء المهور وكثرة متطلبات الزواج فإن ذلك يدعونا لمشكلة اجتماعية بدأت تتفاقم في مجتمعنا، مما يدعونا إلى النظر إليها ولمسبباتها.
فإن غالبية طلبات اسر الفتيات المرشحات للزواج جعلت من الشباب المتقدم شابا اخرس 100%، فهو يشعر عند التقدم لخطبةإحداهن بأن أهلها يعتبرون الأمر مشروعا تجاريا أو صفقة
فإن على أولياء الأمور أن يعلموا أن البركة أهم من المال والمهر، وأن المظاهر الفارغة والتافهة لا قيمة لها، وأن هذه البركة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كان الزواج سهلاً ومسؤولياته قليلة، وهذا ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: 'إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها' [رواه أحمد].
وقوله صلى الله عليه وسلم: 'إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة'.
إن السواد الأعظم من أولياء الأمور يظنون أنهم إذا غالوا بمهور بناتهم فإن في ذلك حماية لهن من غدر الرجال وظلمهم وطغيانهم. فهم يعتقدون أن المهر الغالي هو أهم عقبة في وجه من يريد أن يرمي زوجته بالطلاق متى أراد ذلك.
إن كثيرًا من الرجال حين تدب الكراهية في قلوبهم لزوجاتهم يلجئون إلى وسائل للضغط عليهن كي يتخلين عن مهرهن ويطلبن الطلاق من غير مقابل.
ولقد سمعت بنفسي هذا القول من الكثير منهم.
إنهم يلجئون إلى الضرب والشتم والهجر والخيانة وإلى تحويل الحياة في البيت إلى جحيم حقيقي لا يطاق إلى أن تنهار وتطلب الرحمة بطلاقها بغير مقابل كما ذكرنا في البند السابق.
ولذا فإنني أقول لكل أولياء الأمور إن المهر الغالي لا يحمي المرأة بل يعرضها للظلم والاضطهاد.
ولو فرضنا جدلاً أن المهر يحمي المرأة من الطلاق فهل يحميها من تعدد الزوجات وهل يحميها من الخيانة، هل يحميها من الهجر، هل يحميها من العذاب الذي قد يصيبها زوجها به؛ لا أظن ذلك، بل إن الأمر قد يتعدى ذلك بكثير، إن بعض الرجال الذين يقدمون لزوجاتهم مهرًا غاليًا قد يتجاوز مئات الآلاف من الجنهات قد يفكرون جديًا في التخلص من زوجاتهم عن طريق ارتكاب جريمة خطيرة كالقتل مثلاً، وهذا ليس غريبًا بل إن الواقع ينطق بذلك وإن كان نادرًا في بلادنا.
فالاعتقاد أن غلاء المهور يحمي المرأة من الطلاق، هو اعتقاد واهم شأنه كشأن الاعتقاد السابق المذكور آنفًا
غلاء المهور يؤدي إلى نتائج خطيرة ومدمرة:
وأهم هذه النتائج ما يلي:
1ـ عزوف الشباب عن الزواج.
2ـ انتشار العنوسة في المجتمع الإسلامي.
3ـ انتشار الزنى والرذيلة كبديل عن الزواج.
4ـ ذهاب البركة والرحمة من البيوت والأسرة المسلمة.
5ـ تحول المجتمع بسبب التأخر في سن الزواج إلى مجتمع عجوز يعاني من مرض الشيخوخة.
6ـ تعرض الأسرة المسلمة إلى الأزمات الاقتصادية بسبب تراكم الديون عليها.
7ـ ظلم المرأة من زوجها إذا كان لا يخاف الله ولا يحفظ لها حقها، ولجوؤه إلى الخيانة لعجزه عن الطلاق بسبب المهر الغالي.
8ـ ضياع حق الورثة بعد موت الرجل بسبب مهر زوجته الذي يفوق ثروته. لان
المهر حق من حقوق الزوجة وليس حبرًا على ورق:
إن مقولة 'المهر هو حبر على ورق' هي مقولة راسخة في عقول الكثير من شبابنا وبناتنا على حد سواء.
إن كثيرًا من الشباب وبغير وعي يكتبون من تلقاء أنفسهم لزوجاتهم مهرًا خياليًا يفوق قدرتهم المالية أضعافًا مضاعفة.
ولا هدف لهم من ذلك إلا التعاظم وحب الظهور وطلب السمعة لا أكثر ولا أقل. وهؤلاء يجهلون أن الله تعالى جعل المهر حقًا مكتسبًا للمرأة لا يجوز للرجل أن يفرط فيه أو يتجاهله.
وإذا كان العرف في أيامنا قد سرى بتقسيم المهر إلى معجل ومؤخر، وجعل المؤخر لا يستحق إلا بالطلاق أو الموت ولا حرج في ذلك من الناحية الفقهية، إلا أن هذا لا يعني أبدًا أن المهر هو حبر على ورق، تمحيه الأيام وتلقي به في زوايا الإهمال والنسيان.
إن الله تعالى قد حرم على الرجال أن يمدوا أيديهم إلى مهور زوجاتهم بغير حق وبغير إذن منهن في آيتين صريحتين لا تحتملان تأويلاً ولا تبديلاً.
أما الأولى فقوله عز وجل: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء:4] أما الثانية فقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [النساء:20].
إن على هؤلاء أن يعلموا أن هذا المهر إنما هو دين في رقبتهم يجب أداؤه لزوجاتهم متى قدروا على ذلك، فإذا لم يفعلوا وعاجلهم الموت قبل ذلك، فإن ثروتهم لا تقسم على الورثة قبل استيفاء المهر منها وأخذ الزوجة كامل حقها.
إن عليهم أن يعلموا أن الرجل إذا كتب مهرًا لزوجته فإن عليه أن ينوي أداءه عاجلاً أم آجلاً، أما إن كانت نيته منعقدة على أن هذا المهر لا أثر له، فإنه يعتبر في ميزان الشرع زانيًا وسارقًا يستحق عقوبة السارقين، والزناة يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: 'أيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر، وليس في نفسه أن يؤدي إليها حقها خدعها ولم يؤد إليها حقها لقي الله يوم القيامة وهو سارق'. وفي رواية أخرى: لقي الله يوم القيامة وهو زان. [رواه الطبراني].