النجاح قيمة معنوية حسية تتوق إليها النفس , فما أن تلامسها وتعانق أطيافها حتى تدمن لذتها وتغرق في بحر أنوارها الفياضة .
ذاك هو النجاح الحقيقي , توأم الإبداع والتغيير والإيجابية , بعيدا عن مفهومه السطحي الذي حصره البعض في زوايا وأروقة المدارس حيث يحتفي فيها الجميع بمدافعة الأعوام , والانتقال عبر المراحل للظفر بالشهادة , وأقلّ القليل من العلم والفهم ! .
إن النجاح المقصود هنا هو تلك النهاية السعيدة التي تتحول فيها الأماني والأحلام إلى أفكار وأهداف , والأهداف إلى إنجازات حافلة يطال عطاؤها وخيرها حياة الفرد ومسيرة المجتمع .
والنجاح ليس قفزة ولا صفقة ! إنه ثقافة وإرادة وخطوات واضحة تبدأ بأن تعرف مبادئك وقدراتك وتحدد على ضوئها أهدافك , فالسير هكذا بتخبط وفوضى لا يمكن أن يصل بك حيث تريد في الزمن المناسب , أو حيث المكان اللائق الصحيح .
ثم استثمر مواهبك و إمكاناتك لتحقيق أهدافك عبر خطط علمية مدروسة وبرامج محددة تضمن لك إحراز النجاح والتغلب على آفات التسويف وفتور الهمة , فالطموح العالي مع التخطيط السليم لا يمكن بإذن الله لهما إلا أن يثمرا انتصارا وتفوقا . وكلما دُعّم التخطيط بعمل جاد وتطوير دائم للشخصية لإكسابها سمة المبادرة والإيجابية تجاه الذات وتجاه الآخرين . وتعزيز الثقة بالنفس والمرونة والإصرار كلما كان المجد قريبا محققا ! ولعل من أبرز متطلبات النجاح الصبر على الصعاب مع التفاؤل والتوكل على الباري .
وما من واحد فينا إلا ولديه من المهارات و القدرات ما يكفل له الرقي والتقدم , فلا يبقى عليه إلا توظيفها بالشكل الأمثل مع التسلّح بالطموح والبعد عن المثبّطين قاتلي الأمل في النفوس , وكلما اخترت مصاحبة الناجحين ذوي الهمم والريادة كان ذلك حافزا لك للمزاحمة والمنافسة الشريفة وأن تطالك عدوى المسابقة إلى القمة والتميّز فكما قيل : الرفقاء .. دفعةٌ للإمام أو خطواتٌ للوراء .
ولا تخلو حياتنا من تجارب إخفاق وتعثّر , يجعل البعض منها درسا مثاليا للتعلّم والتعرف على المزيد من البدائل والنتائج والحلول ثم مواصلة الطريق بخطوات أكثر ثباتا وقوة ليصبح الإخفاق حافزا للنجاح , ولكثير من علماء النفس والاجتماع رأيا يؤكد أن قصص النجاحات العظيمة تنطلق في غالبها من حالات الفشل ، ومثلوا لذلك ببعض المشكلات التي تتحول بالدراسة والبحث ومحاولة الابتكار إلى طاقات متفجرة بالنجاح كالبطالة وغيرها من القضايا ... فيما قد يؤدي الإخفاق بالبعض الآخر إلى الانكسار والاستسلام والتوقف أو التراجع إلى الخلف , ويعود ذلك إلى الاستعجال والتسرع وضعف الخبرة أو التخوف من تكرار حالة الفشل .
إن من يرنوا إلى الارتقاء والرفعة , وترك بصمته المؤثرة النبيلة في محيطه عليه بتقويم نفسه والإصلاح الذاتي المستمر لمنهجه وسلوكه , مع إثراء و تهذيب الفكر والعقل بالعلوم والمعارف , و تربية الروح والعاطفة بالقيم والأخلاق الفاضلة .
ثم وبعد ذلك كله ونحن من نؤمن أن وراء هذه الدار دار حساب وجزاء , فإن الأرواح الطامحة للأفضل والمتوثبة لما هو خيرٌ وأبقى لا تقف بغاياتها عند النجاح الدنيوي , بل تتعداه إلى السعي الصادق الحثيث لتحقيق نجاح أخروي أسمى وأعظم .
كل عام وأنتم بخير .. دمتم ناجحين .