وهى وسوره الضحى سورتا النبى صلى الله عليه وسلم
وقوله تعالى ( الم نشرح لك صدرك ) الم للتقرير وثبوت نعمه الشرح التى هى اعظم نعمه وذلك من وجهين
الاول : ايتاؤه اياها
الثانى : ابتداء من الحق بلا سبق طلب منك ففرق بينه وبين موسى عليهما الصلاه والسلام حيث لم يعطه ذلك الا بعد طلب بقوله ( رب اشرح لى صدرى ) فهو يقول غيرك لم يعطى الا بعد طلب وانت ابتداتك بالعطاء اعتناء بك والشرح يطلق على التوسيع وعلى البيان.
فعلى الاول :الم نوسع لك صدرك بنورنا حتى وسعنا وفى الحديث القدسى ( لم يسعنى سمائى ولا ارضى ووسعنى قلب عبدى الموؤمن التقى النقى الورع الموقن )ولا عبد مؤمن اتقى وانقى واروع منه صلى الله عليه وسلم
وعلى الثانى : الم نبين لك حقيقتك اى بقولنا ( ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله ) فأبنا اى اظهرنا لك ان حقيقتك هى حقيقتنا وعنصرك هو نورنا والصدر ايضا يطلق على القلب وهو المناسب للشرح بمعنى التوسيع ويكون مصدر اصدر عليه : الم نبين لك ان صدورك اى بروزك من عندنا وقبضه من نورنا فقلنا لها كونى محمدا فكانت واذا عرفت ذلك عرفت نفسك ومن اين انت ومن اين اصلك وحينئذ فلا اصل أأصل منك ولا اشرف من نور الله ليس غيره فلا اعظم من الله ولا اعظم ممن هو منه نورهوهنا معنى غدق عبق يبعد عن العقل ولا ولا ياتى به اللسان الا ان يفتح الله الباب يذاق من حضره الوهاب والا فلا عباره تبلغه كما هو
وقوله عز وجل ( ووضعنا عنك وزرك) الوزر هو الحمل ومنه ( ليحملوا اوزارهم كامله يوم القيامه ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم ) والمراد به ما كان يقاسيه عند نزول الوحى عليه فى ابتداء الامر فقد كان صلى الله عليه وسلم يرغو عند نزول الوحى عليه كما قال الله تعالى ( انا سنلقى عليك قولا ثقيلا )
وقوله ( الذى انقض ظهرك ) اى ثقله واظهر ذلته كلها لكونها كانت فى ضعف المخلوقين فتثقلها الاشياء فان العبد اذا كان بنفسه كان ضعيفا كائنا ما كان وفى الحديث المرفوع من دعائه صلى الله عليه وسلم ( فانك ان تكلنى الى نفسى تكلنى الى ضعف وعوره وعجز ) او كما قال .
فهو يعنى بذلك من حيث مخلوقيته واما اذا كان بربه فهو قوى وهو لتحققه بالتقوى به سبحانه وسريان القوه الالهيه فيهحينئذ يتلقى من الله بالله وتلقيه به والمعنى ذالت مخلوقيتك بالرجوع الى اصلك الاول الذى هو النور الالهى ولما ذهبت ظلمه المخلوقيه ذهب ما يترتب عليها من الكلف ومن جميع لوازمها.
وقوله عز وجل ( ورفعنا لك ذكرك) اى بقولنا (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله ) لا كما قال بعض المفسرون لا اذكر الا وتذكر معى فانه معنى هزيل ضعيف جدا بالنسبه لما ذكرنا من ان المراد عين ذكر الله
وقوله ( ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله ) اى الذين يرونك انما يرون الله وقال صلى الله عليه وسلم ( من رانى فقد راى الحق ) والحق هو الله قال الشيخ صالح الجعفرى والمعنى فكانما راى الحق اى راى صورتى الحقيقيه التى خلقنى الله عليها لان الشيطان لا يتمثل بى
ومن اعظم النعم على هذه الامه قوله قوله صلى الله عليه وسلم واله وسلم ( من رانى فقد رانى فان الشيطان لا يتمثل فى صورتى ) واولياء الله تعالى من امته يرونه دائما والناس يرونه فقد حصل معهم الخير الكثير برؤيه من يراه كما قيل ( لعلى اراكم او ارى من يراكم)
بل منهم من يتصبن بصابون طاعته الشرعيه ولم يتصبغ بلونه حتى يصير هو هو.
وذلك من فتح الله له باب المكالمه بينه وبينه من باب الولايهلا من باب الرساله والنبوه فانه ختم بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولا مزاحمه فمن انكر مكالمه الله بما هو وهجر حقيقه الحال فليس كذلك ووقائع الاولياء تفسر ذلك.
قال بعض الاولياء : وقع لى مشاهده تجل الهى فقلت للحق يا رب بم نلت هذا الخير الذى انا فيه؟ فقال لى بمحبتك لعبدى هذا يعنى شيخه فقلت له بم نال عبدك هذا ما نال ؟ قال : بمتابعته رسولى وزادنى الحق من عنده بلا سؤال منى : ورسولى نال ذلك برحمتى
واجتمع بعض الاولياء المقربين فى وقتنا هذا بالنبى صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه واله وسلم مالكم تزهدون فى كلامى ومجالستى ؟ فقال له من يزهد فى كلامك ومجالستك يا رسول الله؟ قال مجالسه فلان فلان هى مجالستى وكلامه هو كلامى . يعنى بذلك بعض المحققين به والمنصفين من ورثه فى عصرنا هذا وهذا هو الخير الجسيم الذى لا خير مثله فان الله تعالى يقول ( وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهو يستغفرون )
قال الله عز وجل ( فان مع العسر يسرا ) اى لما جاهدت فينا وانت خلق اوصلناك الينا وجعلناك حقا فخرجت من عسر المخلوقيه وسجنها الى يسر الربوبيه واطلاقها .
قال العارف بالله تعالى سيدى الشيخ صالح الجعفرى اى التسليم للهه تعالى
وفى قوله ( والذين جاهدو فينا لنهدينهم سبلنا ) اى سبل جميع اسمائنا فيدخلون علينا من كل باب وانت سيدهم المحيط بهم كلهم .
قال الله تعالى ( فاذا فرغت فانصب )
المعنى الاول : فاذا فرغت عمن سواه بان فرغ به قلبك عن الاغيار فاذكرنا ناصبا نفسك منصبا لها فى طلبنا اذ لا يصح فى العرف ان يجعل الخل فى الاناء المملوء زيتا حتى يفرغ وينظف فانه يفسد كقوله تعالى ( واذكر ربك اذا نسيت ) اى نسيت غيره
والمعنى الثانى : فاذا فرغت من تجل اشدناكه بان شربته ذاتك وتذوقت ما فوقه فانصب مهيئا لطلب ذلك الفوق فان تجلياتنا متراكمه عليك تراكم امواج البحر فلا تنفصل فنحن مفيضون عليك على الدوام ولا يقطع عنك ابدا فكن متلقيا سرمدا
وقوله ( الى ربك فرغب ) اى لا تقنع فان القناعه من الله حرمان بخلاف الدنيا فهى محمود بل كن مشتاقا الى جمالنا وتجليات كمالنا دائما سرمدا والتعبير ب ( الى ) بان الحق لا نهايه له لا غايه لمجموع ما حصل للعبد منه فهو بالنسبه الى ما لم يحصل شىء تافه يسير وكانه الان ذاهب اليه لم يكن فى شىء من تجليات ( واتبع مله ابراهيم حنيفا ) وهو يقول ( انى ذاهب الى ربى سيهدين )
فاكابر الرسل والانبياء والالياء كلهم كانهم لم يحلوا شيئا بالنسبه الى ما عند الله من المشاهده العقليه فالحق لا يتناهى وهم لا يروون انما يزيدهم ما وجدوه عطشا وهياما .
قال بعض الاولياء فى عصر ابى يزيد : شربت كاسا لا ارتوى بعدها ابدا .
وفى ذلك قيل :
شربت الحب كأسا بعد كأس ...................فما نفذ الشراب وما روينا
وتبارك وتعالى الله رب العالمين وهذا بعض الكلام على هذه السور ة العظيمه والله الفتاح ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله فى كل لمحه ونفس عدد ما وسعه علم الله.
م
محمد عبدالله