إعلم أيها الأخ المؤمن أن الله تعالى يقول { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً }نوح (14) يعنى فى حالات متعددة :
الحالة الأولى : الأرواح خلقها الله تعالى بقوله كن وأوجد كل روح فى مقرها تنزل إلى الأرض فى اليوم المحدد لها فلا تقوم الساعة حتى تنزل جميع الأرواح إلى الأرض فإذا نفدت الأرواح لغى الحمل فلا تحمل إمرأة وتقوم الساعة .
الحالة الثانية : نزول الأرواح إلى الأرض ودخولها فى أجسادها لتعيش فى الدنيا مع أجسادها وقد جمع الله بين الروح والجسد فالروح عالم يسمع ويبصر ويتحرك ويعقل والجسد جماد لا يسمع ولا يبصر ولا يتحرك ولا يعقل ولا يتكلم إلا بواسطة الروح ..والروح لا تأكل ولا تشرب ولا تنام ولا تموت والجسد يأكل ويشرب وينام بواسطتها ويموت بخروجها منه .
الحالة الثالثة : مفارقة الروح للجسد فإذا خرجت منه عادت إلى ما كانت عليه وذهبت إلى مكان يسمى البرزخ وهو بين الدنيا والآخرة قال تعالى : (وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) المؤمنون100) ويكون لها إتصال بالقبر الذى دفنت فيه فترى الزائرين لها وتسمع سلامهم وترد عليهم وتصلها صدقاتهم وصالح دعائهم وتبقى إلى يوم القيامة ..
الحالة الرابعة : أن الأجساد بعد الموت تعود إلى الأرض التى خرجت منها وهى أنواع : نوع يبقى كأجساد الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ومن شاء الله تعالى ونوع يصير تراباً .
الحالة الخامسة : إذا جاء يوم القيامة أعاد الله الأجساد سليمة كما كانت ثم يرسل الله إلى كل جسد روحه التى كانت فيه فى الدنيا
وهذه هى حالة نفخ الروح الثانية أما الأولى فخلق الله الإنسان من نطفة فى الرحم ثم أرسل إليه الروح من عالمها بواسطة الملك فيدخلها فى الجسد وأما الثانية فالأجساد تعود من التراب والأرواح تأتى من البرزخ .
وإعلم أيها الأخ المؤمن أن الموت إنتقال وليس عدماً فإذا فنيت الأجساد فلم تفنى الأرواح ولذلك شرعت زيارة قبور الأموات لأنهم يسمعون ويبصرون ويردون السلام على من سلم عليهم وشرعت الصدقات لهم لأنهم ينتفعون بها ..ففى حديث البخارى لما أراد سعد أن يتصدق على أمه قال : يا رسول الله ( فإن تصدقت عليها بشىء هل ينفعها ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم : نعم ) فدل الحديث على أن الأموات ينتفعون بالصدقات وفى رواية قال له ( تصدق عليها بالماء)
قال تعالى : {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }الأعراف34 ) أى إذا جاء أجل خروج أرواحهم من أجسادهم لا يستقدمون عن وقت الخروج ساعة ولا يستأخرون .
قال تعالى : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }الملك2) أى بسبب فسبب خلق الحياة دخول الروح فى الجسد وسبب خلق الموت خروج الروح من الجسد فالموت والحياة معدومان فلا يحيى الطفل فى بطن أمه إلا إذا خلق الله فيه الحياة
ولا يموت الحى إلا إذا خلق الله فيه الموت.. فعلى المؤمن أن يعتقد أن الموت معدوم فكيف يخاف الإنسان العاقل من المعدوم ..فالناس فى ميدان الحرب يرون النار حولهم ومن فوقهم ولا يموت إلا من خلق الله موته.. وتغرق السفينة فى البحر ولا يموت إلا من خلق الله موته فالأحياء يخرجون أحياء قال تعالى : { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ }الأنعام 95 ) أى ولو أحاطت بهم الكارثة فى مكان واحد وزمان واحد فالطرفان متحدان والمظروفون مختلفون... فسبحان الله يعلم الحى الذى لم ينته أجله فيتركه حياً ويعلم الذى أنتهى أجله فيميته
قال تعالى : { فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ }الزمر42 ) أى فيميت التى إنتهى أجلها { وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى }الزمر42
أى يترك التى لم ينته أجلها حية إلى إنتهاء أجلها
مع تحياتى
محمد عبدالله