فاطمة عليها السلام :
سيدة نساء العالمين رضي الله عنها ، و هي صغرى بنات النبي صلى الله عليه وسلم .
تزوجها علي بن أبي طالب بالمدينة
وأنجبت منه سيدا شباب أهل الجنة وريحانتا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين ، وأنجبت محسنًا وأم كلثوم وزينب .
وهي الوحيدة التي بقي نسلها من أولاد النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيظهر من نسلها المهدي بإذن الله تعالى
توفيت رضي الله عنها ، بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر في الثالث من رمضان .
ولها ترجمة خاصة بإذن الله تعالى ، حيث أفردت لها كتابًا مستقلاً ، وتناولت فيه سيرتها ، منذ ولادتها وحتى وفاتها رضي الله عنها .
الفصل الرابع
ذكر بعض متعلقات
السيدة خديجة رضي الله عنها
الماشطة
القابلة
البيت
ماشطة السيدة خديجة رضي الله عنها
عن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ :
قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟
قُلْتُ : بَلَى .
قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ، أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي .
قَالَ صلى الله عليه وسلم ((إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ )) .
فَقَالَتْ : أَصْبِرُ ، فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لا أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا .
وعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ تِلْكَ امْرَأَةً طَوِيلَةً سَوْدَاءَ عَلَى سِتْرِ الْكَعْبَةِ )).
قال الحافظ في الفتح :
(( وَذَكَرَ اِبْن سَعْد وَعَبْد الْغَنِيّ فِي " الْمُبْهَمَات " مِنْ طَرِيق الزُّبَيْر أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَة هِيَ مَاشِطَة خَدِيجَة الَّتِي كَانَتْ تَتَعَاهَد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِالزِّيَارَةِ )).
وفي هذا الحديث فوائد عظيمة منها :
فضل الصبر على البلاء .
إيثار الصحابيات للآخرة على الدنيا .
حرص النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على الستر والحجاب .
قرب النبي صلى الله عليه وسلم من الناس واهتمامه بشؤونهم ، وحرصه على ما فيه المنفعة لهم .
قابلة السيدة خديجة رضي الله عنها
القابلة : أي المرأة التي تقوم بتوليد النساء
قال ابن الجوزي :
(( وقال محمد بن عمر :وكانت سلمى مولاة صفية بنت عبدالمطلب ، تُقَبّل خديجة في ولادها وكانت تعق عن كل غلام شاتين ، وعن الجارية شاة ، وكان بين كل ولدين لها سنة ، وكانت تسترضع لهم ، وتُعِد ذلك قبل ولادتها )).
بيت السيدة خديجة رضي الله عنها
قال الطبري :
(( قال أبو جعفر : وكان منزل خديجة يومئذ المنزل الذي بها اليوم (أي مكة) ، فيقال منزل خديجة فاشتراه معاوية فجعله مسجدًا يصلي فيه الناس ، وبناه على الذي هو عليه اليوم لم يغير .
وأما الحجر الذي على باب البيت عن يسار من يدخل البيت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس تحته يستتر به من الرمي إذا جاءه من دار أبي لهب ، ودار عدي بن حراء الثقفي خلف دار ابن علقمة والحجر ذراع وشبر في ذراع )).
الفصل الخامس
فضائل أم المؤمنين
خديجة
رضي الله عنها
فضائل أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها
هي أول من أسلم من خلق الله تعالى بإجماع المسلمين ، لم يتقدمها رجل و لا امرأة .
بل هي كانت المثبتة و المعينة و المصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي أول مرة ، و مواقفها في ذلك تدل على حسن عشرتها و جميل عباراتها و وفور عقلها .
عن ابن عباس قال :كان علي أول من أسلم بعد خديجة .
حديث بداية الوحي ودورها العظيم في تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم
حديث بداية الوحي ودورها في تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم
روى البخاري و غيره عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ
(( أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ الصَّادِقَة فِي النَّوْمِ فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا ، حَتَّى جَاءه الْحَقُّ ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءه الْمَلَكُ .
فَقَالَ : اقْرَأْ
قَالَ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي .
فَقَالَ : اقْرَأْ .
قُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي .
فَقَالَ : اقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي .
فَقَالَ : (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ )) .
فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
فَقَالَ : زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ ، حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ .
فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ : لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي .
فَقَالَتْ خَدِيجَةُ : كَلا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ
فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الإنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ .
فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ .
فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ : يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى ؟
فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَأَى .
فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ : هَذَا النَّامُوسُ ، الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى ، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا ، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ .
قَالَ : نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ )) .
وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأنْصَارِيَّ قَالَ :
وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ :
(( بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ فَرَجَعْتُ ، فَقُلْتُ : زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي .
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ إِلَى قَوْلِهِ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} فَحَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ ))
من الفوائد
يعجز القلم عن جمع أوصاف الخير لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها .
فأحاديث الوحي تدل على قوة قلبها ، ورجاحة عقلها ، ووفرة ذكائها ، ويكفي أنها كانت ملجأ للنبي صلى الله عليه وسلم عند فزعه ، والإنسان لا يلجأ في الشدائد إلا لمن يثق فيه ويحبه ، وهذه أكبر شهادة لها بالفضل رضي الله عنها .
ورقة بن نوفل من أهل الجنة
عن عائشة رضي الله عنها قالت :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا تسبوا ورقة بن نوفل فإني رأيت له جنة أو جنتين )).
ومن الأشياء التي تدل على ذكاء أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، وقوة عقلها ، ما ذكره ابن هشام في سيرته ، عند تحققها من صحة الوحي :
(( قال ابن إسحاق : وحدثني إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير : أنه حُدث عن خديجة رضي الله عنها .
أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي ابن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ؟ قال : نعم .
قالت : فإذا جاءك فأخبرني به .
فجاءه جبريل صلى الله عليه وسلم كما كان يصنع .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة : هذا جبريل قد جاءني .
قالت : قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى .
قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها .
قالت : هل تراه ؟
قال : نعم .
قالت : فتحول فاجلس على فخذي اليمنى .
قال : فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذها اليمنى .
فقالت : هل تراه .
قال : نعم .
قالت : فتحول فاجلس في حجري .
فقالت : هل تراه ؟
قال : نعم .
قال : فتحسرت وألقت خمارها ، ورسول الله جالس في حجرها ، ثم قالت له : هل تراه ؟
قال : لا .
قالت: يابن عم اثبت وأبشر ، فوالله إنه لملك ، وما هذا بشيطان .
قال ابن إسحاق : وقد حدثت عبدالله بن حسن هذا الحديث ، فقال : قد سمعتُ أمي فاطمة بنت حسين ، تُحدث بهذا الحديث عن خديجة ، إلا أني سمعتها تقول : أدخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين درعها ، فذهب عند ذلك جبريل صلى الله عليه وسلم ،فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا لملكٌ ، وما هو بشيطان)) .
ومن فضائلها
أول من آمنت وأول من صلت
خديجة رضي الله عنها أول من أمنت بالنبي و أسلمت لله تعالى ، وأول من صلت ، ولم يكن على وجه هذه الأرض في ذلك الزمان مسلمة غيرها رضي الله عنها ، فأي شرف و أي فضل يفوق ذلك .
روى أحمد عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِيَاسِ بْنِ عَفِيفٍ الْكِنْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ :
(( كُنْتُ امْرَأً تَاجِرًا فَقَدِمْتُ الْحَجَّ فَأَتَيْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لأَبْتَاعَ مِنْهُ بَعْضَ التِّجَارَةِ وَكَانَ امْرَأً تَاجِرًا ، فَوَاللَّهِ إِنَّنِي لَعِنْدَهُ بِمِنًى ، إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خِبَاءٍ قَرِيبٍ مِنْهُ ، فَنَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ فَلَمَّا رَآهَا مَالَتْ يَعْنِي ، قَامَ يُصَلِّي ، قَالَ ثُمَّ خَرَجَتْ امْرَأَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْخِبَاءِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ ، فَقَامَتْ خَلْفَهُ تُصَلِّي ، ثُمَّ خَرَجَ غُلامٌ حِينَ رَاهَقَ الْحُلُمَ مِنْ ذَلِكَ الْخِبَاءِ ، فَقَامَ مَعَهُ يُصَلِّي قَالَ : فَقُلْتُ لِلْعَبَّاسِ مَنْ هَذَا يَا عَبَّاسُ ؟
قَالَ : هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنُ أَخِي .
قَالَ فَقُلْتُ : مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ ؟
قَالَ : هَذِهِ امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ ابْنَةُ خُوَيْلِدٍ .
قَالَ قُلْتُ : مَنْ هَذَا الْفَتَى ؟
قَالَ : هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّهِ .
قَالَ فَقُلْتُ : فَمَا هَذَا الَّذِي يَصْنَعُ ؟
قَالَ : يُصَلِّي وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، وَلَمْ يَتْبَعْهُ عَلَى أَمْرِهِ إِلا امْرَأَتُهُ وَابْنُ عَمِّهِ هَذَا الْفَتَى ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَيُفْتَحُ عَلَيْهِ كُنُوزُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ .
قَالَ : فَكَانَ عَفِيفٌ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ يَقُولُ وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إِسْلامُهُ : لَوْ كَانَ اللَّهُ رَزَقَنِي الإِسْلامَ يَوْمَئِذٍ فَأَكُونُ ثَالِثًا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ))
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
(( أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ خَدِيجَةَ عَلِيٌّ ))
وعن رافع قال :
(( صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأثنين ، وصلت خديجة آخر يوم الأثنين ))
ومن فضائلها
قوة خديجة رضي الله عنها وصبرها وتحملها للأذى في سبيل الله تعالى
قوة خديجة عليها السلام وصبرها على تحمل الأذى في سبيل الله:
كانت رضي الله عنها أول من وقفت إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته بنفسها ومالها رضي الله عنها ، وثبتت معه على الأمر ، تشد من عزيمته و تصبره و تتحمل معه أنواع البلاء والأذى والكرب الذي تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل دعوته ، فكانت كالجبل الأشم في الثبات .
رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو يحارب و يضطهد و رأت شهداء الإسلام و كيف كانوا يعذبون ، ورأتهم و هم يعانون سكرات الموت تحت أيدي الطواغيت ، وودعت فلذة كبدها و هي تخرج مطاردة فارة بدينها مع زوجها عثمان إلى الحبشة .
وعاشت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحصار الرهيب المرير الجائر في شعب أبي طالب ، فذاقت من الجوع والحرمان والقطيعة الشيء الكثير في سبيل نصرة دين الله تعالى ، ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم فلها أجرها وأجر من اتبعها في الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ كانت هي أول من سن هذه السنة الحسنة .
لذلك كانت خديجة عليها السلام قد استحوذت على حب النبي صلى الله عليه وسلم وظل الوفاء والحب لها من الرسول صلى الله عليه وسلم حتى بعد موتها كما سيأتي ، هذا مع ما أكرمها الله تعالى به من الكرامة العظمى
قال ابن كثير :
(( قال ابن إسحاق : وآمنت خديجة بنت خويلد ، وصدقت بما جاءه من الله ، وآزرته على أمره وكانت أول من آمن بالله و رسوله ، وصدقت بما جاء منه ، فخفف الله بذلك عن رسوله .
لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه ، وتكذيب له فيحزنه ذلك ، إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته و تخفف عنه ، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس حتى ماتت ، رضي الله عنها وأرضاها)).
قال ابن كثير :
(( وقال ابن إسحاق : عن حصارهم في الشعب 00فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا ، ولم يصل إليهم شئ إلا سرًا مستخفيًا به من أراد صلتهم من قريش ، وقد كان أبوجهل بن هشام - فيما يذكرون - لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد و هي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب فتعلق به و قال أتذهب بالطعام إلى بني هاشم ؟ و الله لا تذهب أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة ، فجاءه أبو البختري بن هشام بن الحارث بن أسد . فقال : مالك و له . فقال : يحمل الطعام إلى بني هاشم فقال له أبو البختري طعام كان لعمته عنده بعثت به إليه فيه أتمنعه أن يأتيها بطعامها ؟ خل سبيل الرجل .
قال : فأبي أبوجهل لعنه الله حتى نال أحدهما من صاحبه فأخذ أبو البختري لحي بعير فضربه فشجه و وطئه وطئا شديداً، وحمزة بن عبد المطلب قريب يري ذلك وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيشمتون بهم و رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك يدعو قومه ليلا و نهاراً و سراً وجهاراً مناديا بأمر الله تعالى لا يتقي فيه أحداً من الناس)).
0 وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر نصرتها وتأييدها له ، ومواساتها له بمالها .
0 عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ :
(( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ ، قَالَتْ : فَغِرْتُ يَوْمًا فَقُلْتُ مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا ، قَالَ صلى الله عليه وسلم :((مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا ، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ ))
فائدة :
((حكيم بن حزام ابن خويلد بن أسد رضي الله عنه ، عمته خديجة بنت خويلد ، ولدته أمه في جوف الكعبة قبل الفيل بثلاث عشرة سنة ، وذلك أنها دخلت تزور فضربها الطلق وهي في الكعبة فوضعته على نطع ، وكان شديد المحبة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ولما كان بنو هاشم وبنو المطلب في الشعب لا يبايعون ولا يناكحون ، كان حكيم يقبل بالعير يقدم من الشام فيشتريها بكمالها .
ثم يذهب بها فيضرب أدبارها حتى يلج الشعب يحمل الطعام والكسوة تكرمة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولعمته خديجة بنت خويلد. وهو الذي اشتري زيد بن حارثه ، فابتاعته منه عمته خديجة فوهبته لرسول اللَّه فأعتقه ، وهو الذي اشتري حلة ذي يزن فأهداها لرسول اللَّه فلبسها ، قال : فما رأيت شيئا أحسن منه فيها ؛ ومع هذا ما أسلم إلا يوم الفتح هو وأولاده كلهم .
قال البخاري وغيره : عاش في الجاهلية ستين سنة ، وفي الإسلام ستين سنة ، وكان من سادات قريش وكرمائهم وأعلمهم بالنسب ، وكان كثير الصدقة والبر والعتاقة ، فلما أسلم سأل عن ذلك رسول اللَّه فقال : « أسلمت على ما أسلفت من خير » . وقد كان حكيم شهد مع المشركين بدراً ، وتقدم إلى الحوض فكاد حمزة أن يقتله ، فما سحب إلا سحبًا بين يديه ، فلهذا كان إذا اجتهد في اليمين يقول : لا والذي نجاني يوم بدر .
ولما ركب رسول اللَّه إلى فتح مكة ومعه الجنود بمر الظهران خرج حكيم وأبو سفيان يتجسسان الأخبار، فلقيهما العباس، فأخذ أبا سفيان فأجاره و أخذ له أمانا من رسول اللَّه وأسلم أبو سفيان ليلتئذ كرهًا ، ومن صبيحة ذلك اليوم أسلم حكيم و شهد مع رسول اللَّه حنينًا، وأعطاه مائه من الإبل ثم سأله فأعطاه ، ثم سأله فأعطاه ، ثم قال :
« يا حكيم إن هذه المال حلوة خضرة ، وإنه من أخذه بسخاوة بورك له فيه ، ومن أخذه بإسراف نفس لم يبارك له فيه ، وكان كالذي يأكل و لا يشبع » .
فقال حكيم : و الذي بعثك بالحق لا أرزأ بعدك أبدا ، فلم يرزأ أحداً بعده .
وكان أبو بكر يعرض عليه العطاء فيأبى ، وكان عمر يعرض عليه العطاء فيأبى فيشهد عليه المسلمين ، و مع هذا كان من أغنى الناس ، مات الزبير يوم مات ولحكيم عليه مائة ألف .
وقد كان بيده حين أسلم الرفادة ودار الندوة فباعها بعد من معاوية بمائة ألف ، وفي رواية بأربعين ألف دينار ، فقال له ابن الزبير : بعت مكرمة قريش ؟ فقال له حكيم : ابن أخي ذهبت المكارم فلا كرم إلا التقوى ، يا ابن أخي إني اشتريتها في الجاهلية بزق خمر، ولأشترين بها دارًا في الجنة أشهدك أني قد جعلتها في سبيل اللَّه ، وهذه الدار كانت لقريش بمنزلة دار العدل ، وكان لا يدخلها أحد إلا و قد صار سنه أربعين سنة ، إلا حكيم بن حزام ، فإنه دخلها وهو ابن خمس عشرة سنة ، ذكره الزبيربن بكار .
وذكر الزبير : أن حكيما حج عاما فأهدى مائة بدنة مجللة ، وألف شاة ، وأوقف معه بعرفات مائة وصيف في أعناقهم أطوقة الفضة ، وقد نقش فيها : هؤلاء عتقاء اللَّه عن حكيم بن حزام فأعتقهم وأهدي جميع تلك الأنعام رضي اللَّه عنه .
توفي حكيم و له مائة و عشرون سنة. رضي الله عنه)) .
ومن فضائلها كمال السيدة خديجة رضي الله عنها
عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (( كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ ))
قال الحافظ : وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الزِّيَادَة بَعْد قَوْله : وَمَرْيَم اِبْنَة عِمْرَان " وَخَدِيجَة بِنْت خُوَيْلِد وَفَاطِمَة بِنْت مُحَمَّد " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ يُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي عَنْ عَمْرو بْن مَرْزُوق عَنْ شُعْبَة بِالسَّنَدِ الْمَذْكُور هُنَا , وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم فِي " الْحِلْيَة " فِي تَرْجَمَة عَمْرو بْن مُرَّة أَحَد رُوَاته عِنْد الطَّبَرَانِيِّ بِهَذَا الإِسْنَاد , وَأَخْرَجَهُ الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره مِنْ طَرِيق عَمْرو بْن مَرْزُوق بِهِ , وَقَدْ وَرَدَ مِنْ طَرِيق صَحِيح مَا يَقْتَضِي أَفْضَلِيَّة خَدِيجَة وَفَاطِمَة عَلَى غَيْرهمَا وَذَلِكَ فِيمَا سَيَأْتِي فِي قِصَّة مَرْيَم مِنْ حَدِيث عَلِيّ بِلَفْظِ " خَيْر نِسَائِهَا خَدِيجَة " وَجَاءَ فِي طَرِيق أُخْرَى مَا يَقْتَضِي أَفْضَلِيَّة خَدِيجَة وَفَاطِمَة وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ اِبْن حِبَّانَ وَأَحْمَد وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ فِي " كِتَاب الزُّهْد " وَالْحَاكِم كُلّهمْ مِنْ طَرِيق مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ كُرَيْب عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه " أَفْضَل نِسَاء أَهْل الْجَنَّة خَدِيجَة بِنْت خُوَيْلِد وَفَاطِمَة بِنْت مُحَمَّد وَمَرْيَم بِنْت عِمْرَان وَآسِيَة اِمْرَأَة فِرْعَوْن " وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي " الأَوْسَط لِلطَّبَرَانِيّ " وَلأَحْمَد فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد رَفَعَهُ " فَاطِمَة سَيِّدَة نِسَاء أَهْل الْجَنَّة إِلا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَم بِنْت عِمْرَان " وَإِسْنَاده حَسَن ا.هـ .
الفصل السادس
تبشيرها ببيت في الحنة
خير نساء العالمين
على نهر من أنهار الجنة
غيرة عائشة رضي الله عنها
ما أبدلني الله خيرًا منه
بيت في الجنة من قصب
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
(( أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ ، مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي ، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ وَ لا نَصَبَ )) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ :
اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاعْتَمَرْنَا مَعَهُ ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَطُفْنَا مَعَهُ ، وَأَتَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَأَتَيْنَاهَا مَعَهُ ، وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ .
فَقَالَ لَهُ صَاحِبٌ لِي : أَكَانَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ ؟
قَالَ : لا .
قَالَ : فَحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَةَ .
قَالَ : بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنْ الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ ))
وعن يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ :
قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَشَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَدِيجَةَ ؟
قَالَ : (( نَعَمْ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ ))
وفي رِوَايَة مُسْلِم " قَدْ أَتَتْك " وَمَعْنَاهُ تَوَجَّهَتْ إِلَيْك ، وَأَمَّا قَوْله ثَانِيًا ، " فَإِذَا هِيَ أَتَتْك " فَمَعْنَاهُ وَصَلَتْ إِلَيْك . قَوْله : ( إِنَاء فِيهِ إِدَام أَوْ طَعَام أَوْ شَرَاب ) شَكّ مِنْ الرَّاوِي ، وَكَذَا عِنْد مُسْلِم وَفِي رِوَايَة الإِسْمَاعِيلِيّ " فِيهِ إِدَام أَوْ طَعَام وَشَرَاب " وَفِي رِوَايَة سَعِيد بْن كَثِير الْمَذْكُور عِنْد الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ حَيْسًا . قَوْله : ( فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلام مِنْ رَبّهَا وَمِنِّي ) زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة " فَقَالَتْ : (هُوَ السَّلام وَمِنْهُ وَالسَّلام وَعَلَى جِبْرِيل السَّلام) .
وِلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ :
(( قَالَ جِبْرِيل لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّه يُقْرِئ خَدِيجَة السَّلام " يَعْنِي فَأَخْبِرْهَا " .
فَقَالَتْ : إِنَّ اللَّه هُوَ السَّلام ، وَعَلَى جِبْرِيل السَّلام ، وَعَلَيْك يَا رَسُول اللَّه السَّلام وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته " زَادَ اِبْن السُّنِّيّ مِنْ وَجْه آخَر " وَعَلَى مَنْ سَمِعَ السَّلام ، إِلا الشَّيْطَان " .
و في هذا الحديث من الفوائد العجيبة و النفيسة الشيء الكثير
أولاً : قوله صلى الله عليه وسلم ( ببيت في الجنة )
قال ببيت ولم يقل بقصر كما يمكن أن يظن ( بقصر في الجنة )
1ـ و ذلك لأنها كانت ربة بيت قبل البعثة ، ثم صارت ربة أول بيت في الإسلام ، وانفردت بذلك فكان بيتها أول بيت في الإسلام ، ولم يكن على وجه الأرض بيت للإسلام إلا بيتها رضي الله عنها .
قَالَ أَبُو بَكْر الإِسْكَاف فِي فَوَائِد الأَخْبَار : الْمُرَاد بِهِ بَيْت زَائِد عَلَى مَا أَعَدَّ اللَّه لَهَا مِنْ ثَوَاب عَمَلهَا .
قَالَ السُّهَيْلِيّ : لِذِكْرِ الْبَيْت مَعْنًى لَطِيف لأَنَّهَا كَانَتْ رَبَّة بَيْت قَبْل الْمَبْعَث ثُمَّ صَارَتْ رَبَّة بَيْت فِي الإِسْلام مُنْفَرِدَة بِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْه الأَرْض فِي أَوَّل يَوْم بَعْث النَّبِيّ بَيْتُ إِسْلام إِلا بَيْتهَا ، وَهِيَ فَضِيلَة مَا شَارَكَهَا فِيهَا أَيْضًا غَيْرهَا .
قَالَ : وَجَزَاء الْفِعْل يُذْكَر غَالِبًا بِلَفْظِهِ وَإِنْ كَانَ أَشْرَفَ مِنْهُ ، فَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث بِلَفْظِ الْبَيْت دُون لَفْظ الْقَصْر ..اِنْتَهَى .
2ـ وَفِي ذِكْر الْبَيْت مَعْنًى آخَر : لأَنَّ مَرْجِع أَهْل بَيْت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهَا ، لِمَا ثَبَتَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى ( إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمْ الرِّجْس أَهْل الْبَيْت ) قَالَتْ أُمّ سَلَمَة " لَمَّا نَزَلَتْ دَعَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَة وَعَلِيًّا وَالْحَسَن وَالْحُسَيْن فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ فَقَالَ : اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْل بَيْتِي " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيْره ، وَمَرْجِع أَهْل الْبَيْت هَؤُلاءِ كلهم إِلَى خَدِيجَة رضي الله عنها
ففَاطِمَة رضي الله عنها بِنْتهَا ، والحسن والحسين مِنْ فَاطِمَة فهي جدتهم ويرجعون إليها وَعَلِيّ بن أبي طالب فقد أخذه النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه أبي طالب وهو طفل صغير ورباه عنده في بيت خديجة فنَشَأَ رضي الله عنه فِي بَيْت خَدِيجَة وفاز بتربيتها له ورعايتها رضي الله عنها ، فنسب علي إلى بيتها لأنه تربى فيه ، ثُمَّ أنه تَزَوَّجَ بِنْتهَا ، فَظَهَرَ رُجُوع كل أَهْل الْبَيْت النَّبَوِيّ إِلَى خَدِيجَة دُون غَيْرهَا .
ـ و الجزاء من جنس العمل ، فكما أن بيتها كان أول بيت في الإسلام رزقها الله تعالى ببيت في الجنة ، وكما أنها أصل أهل البيت النبوي الشريف المذكور في القرآن و هي ربته ، فجزاها الله تعالى ببيت في الجنة يشبه في المسمى و لكنه في الحقيقة هو أعظم وأفضل لأنه في الجنة فليس في الآخرة من الدنيا إلا المسميات .
=====
ثانيًا : قوله صلى الله عليه وسلم (من قصب )
المعنى : قَالَ اِبْن التِّين : الْمُرَاد بِهِ لُؤْلُؤَة مُجَوَّفَة وَاسِعَة كَالْقَصْرِ الْمَنِيف ، قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء الْمُرَاد بِهِ قَصَب اللُّؤْلُؤ الْمُجَوَّف كَالْقَصْرِ الْمُنِيف ، وَقِيلَ قَصَب مِنْ ذَهَب مَنْظُومٍ بِالْجَوْهَرِ .
قَالَ أَهْل اللُّغَة : الْقَصَب مِنْ الْجَوْهَر مَا اِسْتَطَالَ مِنْهُ فِي تَجْوِيف ، قَالُوا : وَيُقَالُ لِكُلِّ مُجَوَّف قَصَب .
وعِنْد الطَّبَرَانِيِّ فِي " الأَوْسَط " مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ اِبْن أَبِي أَوْفَى " يَعْنِي قَصَب اللُّؤْلُؤ " وَعِنْده فِي " الْكَبِير " مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " بَيْت مِنْ لُؤْلُؤَة مُجَوَّفَة " وَأَصْله فِي مُسْلِم ، وَعِنْده فِي الأَوْسَط " مِنْ حَدِيث فَاطِمَة قَالَتْ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَيْنَ أُمِّي خَدِيجَة ؟ قَالَ : فِي بَيْت مِنْ قَصَب ، قُلْت أَمِنْ هَذَا الْقَصَب ؟ قَالَ : لا مِنْ الْقَصَب الْمَنْظُوم بِالدُّرِّ وَاللُّؤْلُؤ وَالْيَاقُوت .
اللطيفة من ذكر كلمة قصب وَلَمْ يَقُلْ مِنْ لُؤْلُؤ
1ـ أَنَّ فِي لَفْظ الْقَصَب مُنَاسَبَة لِكَوْنِهَا أَحْرَزَتْ قَصَب السَّبَق بِمُبَادَرَتِهَا إِلَى الإِيمَان دُون غَيْرهَا وَلِذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْمُنَاسَبَة فِي جَمِيع هَذَا الْحَدِيث .
2ـ وَفِي الْقَصَب مُنَاسَبَة أُخْرَى : حيث أنه معروف باِسْتِوَاء واستقامة أَنَابِيبه وعدم اعوجاجه . وكذلك كانت خديجة رضي الله عنها مستقيمة على إسلامها ، ومستقيمة في طاعة ربها ، وشديدة الحرص على إرضاء الله تبارك و تعالى .
وَكَذَا كَانَ لِخَدِيجَة مِنْ الاسْتِوَاء مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا ، إِذْ كَانَتْ حَرِيصَة عَلَى رِضى النبي وإسعاده بِكُلِّ مُمْكِن ، وَلَمْ يَصْدُر مِنْهَا مَا يُغْضِبهُ قَطُّ كَمَا وَقَعَ لِغَيْرِهَا فكان الجزاء من جنس العمل ،كذلك فباستقامتها على أمر الله واستقامتها في طاعة الرسول نبيًا و زوجًا ، جزاها الله تعالى ببيت من قصب ، من لؤلؤة واحدة ، مستقيم لا عوج فيه .
=======
ثالثًا : قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صخب فيه ولا نصب)
الصَّخَب: الصِّيَاح وَالْمُنَازَعَة بِرَفْعِ الصَّوْت وَالنَّصَب : التَّعَب
قَالَ السُّهَيْلِيّ : مُنَاسَبَة نَفْي هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ - أَعْنِي الْمُنَازَعَة وَالتَّعَب - أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَعَا إِلَى الإسْلام أَجَابَتْ خَدِيجَة طَوْعًا فَلَمْ تُحْوِجْهُ إِلَى رَفْع صَوْت وَلا مُنَازَعَة وَلا تَعَب فِي ذَلِكَ ، بَلْ أَزَالَتْ عَنْهُ كُلّ نَصَب ، وَآنَسَتْهُ مِنْ كُلّ وَحْشَة ، وَهَوَّنَتْ عَلَيْهِ كُلّ عَسِير ، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُون مَنْزِلهَا الَّذِي بَشَّرَهَا بِهِ رَبّهَا بِالصِّفَةِ الْمُقَابِلَة لِفِعْلِهَا .
رابعًا: قول خديجة
( إن الله هو السلام ، وعلى جبريل السلام وعليك يا رسول الله السلام و رحمة الله و بركاته )
1ـ قَالَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْقِصَّة دَلِيل عَلَى وُفُور فِقْههَا وسعة علمها رضي الله عنها ، وقد علمت ما لم يعلمه الكثير من الصحابة رضوان الله عليهم ، لأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ " وَعَلَيْهِ السَّلام " كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَة حَيْثُ كَانُوا يَقُولُونَ فِي التَّشَهُّد " السَّلام عَلَى اللَّه فَنَهَاهُمْ النَّبِيّ وَقَالَ : إِنَّ اللَّه هُو السَّلام ، فَقُولُوا التَّحِيَّات لِلَّهِ " فَعَرَفَتْ خَدِيجَة لِصِحَّةِ فَهْمهَا أَنَّ اللَّه لا يُرَدّ عَلَيْهِ السَّلام كَمَا يُرَدّ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ ، لأَنَّ السَّلام اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه ، وَهُوَ أَيْضًا دُعَاء بِالسَّلامَةِ وَكِلاهَا لا يَصْلُح أَنْ يُرَدّ بِهِ عَلَى اللَّه فَكَأَنَّهَا قَالَتْ : كَيْف أَقُول عَلَيْهِ السَّلام وَالسَّلام اِسْمه وَمِنْهُ يُطْلَب وَمِنْهُ يَحْصُل ، فَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّهُ لا يَلِيق بِاَللَّهِ إِلا الثَّنَاء عَلَيْهِ فَجَعَلَتْ مَكَان رَدّ السَّلام عَلَيْهِ الثَّنَاء عَلَيْهِ .
2ـ غَايَرَتْ بَيْن مَا يَلِيق بِاَللَّهِ وَمَا يَلِيق بِغَيْرِهِ فَقَالَتْ : "وَعَلَى جِبْرِيل السَّلام" لأنه كان غائبًا عنها لا تراه .
3ـ ثُمَّ قَالَت ْ: " وَعَلَيْك السَّلام " وَيُسْتَفَاد مِنْهُ رَدّ السَّلام عَلَى مَنْ أَرْسَلَ السَّلام وَعَلَى مَنْ بَلَّغَهُ .
4ـ ثُمَّ أَخْرَجَتْ الشَّيْطَان مِمَّنْ سَمِعَ لأَنَّهُ لا يَسْتَحِقّ الدُّعَاء بِذَلِكَ .
فائدة : قِيلَ : إِنَّمَا بَلَّغَهَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلام مِنْ رَبّهَا بِوَاسِطَةِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اِحْتِرَامًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
خير نساء العالمين
قال عَلِي بن أبي طالب سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
(( خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ )).
وعنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
(( خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ )) ، وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ .
قال الحافظ في الفتح :
قَوْله صلى الله عليه وسلم :( خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْت عِمْرَان ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْت خُوَيْلِد وَأَشَارَ وَكِيع إِلَى السَّمَاء وَالأَرْض ) أَرَادَ وَكِيع بِهَذِهِ الإِشَارَة تَفْسِير الضَّمِير فِي نِسَائِهَا ، وَأَنَّ الْمُرَاد بِهِ جَمِيع نِسَاء الأَرْض ، أَيْ كُلّ مَنْ بَيْن السَّمَاء وَالأَرْض مِنْ النِّسَاء .
وَالأَظْهَر أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَيْر نِسَاء الأَرْض فِي عَصْرهَا ، وَأَمَّا التَّفْضِيل بَيْنهمَا فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ .
قَالَ الطِّيبِيُّ : الضَّمِيرُ الأَوَّلُ يَعُودُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ ؛ الثَّانِي عَلَى الأُمَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا مَرْيَمُ .
وَلِهَذَا كَرَّرَ الْكَلامَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غَيْرُ حُكْمِ الأُخْرَى وَكِلا الْفَصْلَيْنِ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَجَاءَ مَا يُفَسِّرُ الْمُرَادَ صَرِيحًا ، فَرَوَى الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَفْعُهُ : " لَقَدْ فُضِّلَتْ خَدِيجَةُ عَلَى نِسَاءِ أُمَّتِي كَمَا فُضِّلَتْ مَرْيَمُ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ " وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنُ الإِسْنَادِ اِنْتَهَى .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ : الأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَيْرُ نِسَاءِ الأَرْضِ فِي عَصْرِهَا ، وَأَمَّا التَّفْضِيلُ بَيْنَهُمَا فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ اِبْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ مَرْفُوعًا : " أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ وَفَاطِمَةُ وَمَرْيَمُ وَآسِيَةُ " .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : خَدِيجَة أَفْضَل نِسَاء الأُمَّة مُطْلَقًا لِهَذَا الْحَدِيث وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد أَنَّ الضَّمِير الأَوَّل يَرْجِع إِلَى السَّمَاء وَالثَّانِي إِلَى الأَرْض إِنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ صَدَرَ فِي حَيَاة خَدِيجَة وَتَكُون النُّكْتَة فِي ذَلِكَ أَنَّ مَرْيَم مَاتَتْ فَعُرِجَ بِرُوحِهَا إِلَى السَّمَاء ، فَلَمَّا ذَكَرَهَا أَشَارَ إِلَى السَّمَاء وَكَانَتْ خَدِيجَة إِذْ ذَاكَ فِي الْحَيَاة فَكَانَتْ فِي الأَرْض فَلَمَّا ذَكَرَهَا أَشَارَ إِلَى الأَرْض ، وَعَلَى تَقْدِير أَنْ يَكُون بَعْد مَوْت خَدِيجَة فَالْمُرَاد أَنَّهُمَا خَيْر مَنْ صَعِدَ بِرُوحِهِنَّ إِلَى السَّمَاء وَخَيْر مَنْ دُفِنَ جَسَدهنَّ فِي الأَرْض ، وَتَكُون الإِشَارَة عِنْد ذِكْر كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا .
رَوَى الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث عَمَّار بْن يَاسِر رَفَعَهُ " لَقَدْ فُضِّلَتْ خَدِيجَة عَلَى نِسَاء أُمَّتِي كَمَا فُضِّلَتْ مَرْيَم عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ " وَهُوَ حَدِيث حَسَن الإِسْنَاد ، وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ خَدِيجَة أَفْضَل مِنْ عَائِشَة .
وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح وَأَخْرَجَ الْحَاكِم مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا " أَفْضَل نِسَاء أَهْل الْجَنَّة خَدِيجَة وَفَاطِمَة وَمَرْيَم وَآسِيَة " وَهَذَا نَصَّ صَرِيح لا يَحْتَمِل التَّأْوِيل.ا.هـ
سُئِلَ شَيْخُ الإِسْلامِ : رحمه الله تعالى :
س : عَنْ " خَدِيجَةَ " " وَعَائِشَةَ " : أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ ؟
فَأَجَابَ : بِأَنَّ سَبْقَ خَدِيجَةَ وَتَأْثِيرَهَا فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ ، وَنَصْرَهَا وَقِيَامَهَا فِي الدِّينِ لَمْ تُشْرِكْهَا فِيهِ عَائِشَةُ وَلا غَيْرُهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ .
وَتَأْثِيرُ عَائِشَةَ فِي آخِرِ الإِسْلامِ وَحَمْلِ الدِّينِ وَتَبْلِيغِهِ إلَى الأُمَّةِ ، وَإِدْرَاكُهَا مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ تُشْرِكْهَا فِيهِ خَدِيجَةُ وَلا غَيْرُهَا مِمَّا تَمَيَّزَتْ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا .ا.هـ
وقال أيضًا عن عقيدة أهل السنة :
(( وَيَتَوَلَّوْنَ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُؤْمِنُونَ بِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الآخِرَةِ خُصُوصًا خَدِيجَةُ رضي الله عنها ، أُمُّ أَكْثَرِ أَوْلادِهِ ، وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَعَاضَدَهُ عَلَى أَمْرِهِ ، وَكَانَ لَهَا مِنْهُ الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ ، وَالصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهما الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم { فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ } .ا.هـ
وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
(( حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ )) قَالَ الترمذي حَدِيثٌ صَحِيحٌ
أَيْ يَكْفِيَك " مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ" أَيْ الْوَاصِلَةِ إِلَى مَرَاتِبِ الْكَامِلِينَ فِي الاقْتِدَاءِ بِهِنَّ وَذِكْرِ مَحَاسِنِهِنَّ وَمَنَاقِبِهِنَّ وَزُهْدِهِنَّ فِي الدُّنْيَا وَإِقْبَالِهِنَّ عَلَى الْعُقْبَى .
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : قَالَ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ أَنَّ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ ثُمَّ خَدِيجَةَ ثُمَّ عَائِشَةَ وَالْخِلافُ شَهِيرٌ وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ بِهِ .
أما شَرَفُ السِّيَادَةِ قَدْ ثَبَتَ النَّصُّ لِفَاطِمَةَ وَحْدَهَا و أمها خَدِيجَةَ هِيَ أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ إِلَى الإِسْلامِ وَدَعَا إِلَيْهِ وَأَعَانَ عَلَى ثُبُوتِهِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَالتَّوَجُّهِ التَّامِّ . فَلَهَا مِثْلُ أَجْرِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهَا وَلا يُقَدِّرُ قَدْرَ ذَلِكَ إِلا اللَّهُ .كما أن خديجة هي أفضل أمهات المؤمنين بلا شك و لا يجاريها أحد في منزلتها ،كما قال (ما أبدلني الله خيرًا منها) .
وَمِنْ صَرِيح مَا جَاءَ فِي تَفْضِيل خَدِيجَة مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس رَفَعَهُ " أَفْضَل نِسَاء أَهْل الْجَنَّة خَدِيجَة بِنْت خُوَيْلِد وَفَاطِمَة بِنْت مُحَمَّد " قَالَ السُّبْكِيّ الْكَبِير كَمَا تَقَدَّمَ : لِعَائِشَة مِنْ الْفَضَائِل مَا لا يُحْصَى ، وَلَكِنَّ الَّذِي نَخْتَارهُ وَنَدِين اللَّه بِهِ أَنَّ فَاطِمَة أَفْضَل ثُمَّ خَدِيجَة ثُمَّ عَائِشَة ، وَاسْتَدَلَّ لِفَضْلِ فَاطِمَة بِمَا تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَتهَا أَنَّهَا سَيِّدَة نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ .ا.هـ
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
(( خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ .
قَالَ : تَدْرُونَ مَا هَذَا ؟
فَقَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ 00خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَجْمَعِينَ ))
رواه أحمد والحديث متصل ، مسلسل بالثقات
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لها على نهر من أنهار الجنة
عن جابر بن عبدالله قال :
0 سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خديجة رضي الله عنها فقال :
(( رأيتها على نهر من أنهار الجنة ، في بيت من قصب لا لغو ولا نصب ))
ذكر ما ورد من غيرة عائشة رضي الله عنها
لكثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ :
(( مَا حَسَدْتُ أَحَدًا مَا حَسَدْتُ خَدِيجَةَ وَمَا تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلا بَعْدَ مَا مَاتَتْ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَشَّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ ))
وفي رواية عنها رضي الله عنها :
(( وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بِثَلاثِ سِنِينَ ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ ))
و عنها رضي الله عنها قالت :
(( مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا وَقَدْ أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ لَهَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ ))
وعنها رضي الله عنها قالت :
(( مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ ، وَمَا رَأَيْتُهَا وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ ذِكْرَهَا ، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ .
فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ : كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلا خَدِيجَةُ 00!!
فَيَقُولُ : إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ ))
في الأحاديث السابقة ثُبُوت الْغَيْرَة وَأَنَّهَا غَيْر مُسْتَنْكَر وُقُوعهَا مِنْ فَاضِلات النِّسَاء فَضْلاً عَمَّنْ دُونهنَّ ، وَأَنَّ عَائِشَة كَانَتْ تَغَار مِنْ نِسَاء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ كَانَتْ تَغَار مِنْ خَدِيجَة أَكْثَر ، وَقَدْ بَيَّنَتْ سَبَب ذَلِكَ وَأَنَّهُ لِكَثْرَةِ ذِكْر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا .
وَأَصْل غَيْرَة الْمَرْأَة مِنْ تُخَيَّل مَحَبَّة غَيْرهَا أَكْثَر مِنْهَا وَكَثْرَة الذِّكْر تَدُلّ عَلَى كَثْرَة الْمَحَبَّة .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : مُرَادهَا بِالذِّكْرِ لَهَا مَدْحهَا وَالثَّنَاء عَلَيْهَا
ولكن وَقَعَ عِنْد النَّسَائِيِّ " مِنْ كَثْرَة ذِكْره إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا " فَعَطْفُ الثَّنَاء عَلَى الذِّكْر مِنْ عَطْف الْخَاصّ عَلَى الْعَامّ ، وَهُوَ يَقْتَضِي حَمْل الْحَدِيث عَلَى أَعَمّ مِمَّا قَالَهُ الْقُرْطُبِيّ . و عِنْد الطَّبَرَانِيِّ " وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَة لَمْ يَسْأَم مِنْ ثَنَاء عَلَيْهَا وَاسْتِغْفَار لَهَا "
قَوْلها : ( هَلَكَتْ قَبْل أَنْ يَتَزَوَّجنِي) أَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَة فِي زَمَانهَا لَكَانَتْ غَيْرَتهَا مِنْهَا أَشَدّ .
و مِنْ جُمْلَة أَسْبَاب الْغَيْرَة : تبشيرها بالجنة لأَنَّ اِخْتِصَاص خَدِيجَة بِهَذِهِ الْبُشْرَى مُشْعِر بِمَزِيدِ مَحَبَّة مِنْ النَّبِيّ فِيهَا . كما جاء في رواية " مَا حُسِدَتْ اِمْرَأَةٌ قَطُّ مَا حُسِدَتْ خَدِيجَةُ حِين بَشَّرَهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِبَيْتٍ مِنْ قَصَب "
قَوْلها : ( وَمَا رَأَيْتهَا ) وفِي رِوَايَة مُسْلِم " وَلَمْ أُدْرِكهَا "وعَنْ عَائِشَة بِلَفْظِ " وَمَا رَأَيْتهَا قَطُّ " وَرُؤْيَة عَائِشَة لِخَدِيجَةَ كَانَتْ مُمْكِنَة ، وَأَمَّا إِدْرَاكهَا لَهَا فَلا نِزَاع فِيهِ لأَنَّهُ كَانَ لَهَا عِنْد مَوْتهَا سِتّ سِنِينَ كَأَنَّهَا أَرَادَتْ بِنَفْيِ الرُّؤْيَة وَالإِدْرَاك النَّفْيَ بِقَيْدِ اِجْتِمَاعهمَا عِنْد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، أَيْ لَمْ أَرَهَا وَأَنَا عِنْده وَلا أَدْرَكَتْهَا كَذَلِكَ ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقه عِنْد أَبِي عَوَانَة " وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْل أَنْ يَتَزَوَّجنِي}.ا.هـ
الفصل السابع
وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة
محبته لها
إكرام أصحابها
الحنين والشوق لها
ولكل ما يتصل بها
وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها
وحبه لها حتى بعد موتها
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
(( مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ ، هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي ، وَمَا رَأَيْتُهَ