و روي كذلك
أنه لما رأت خديجة من صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأمانته وما تميز به عن رجال قريش ، بالإضافة إلى ما سمعته من ميسرة ، فوقع في قلبها محبة أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم زوجًا لها ، فكلمت صديقة لها تسمى نفيسة بنت منبه عن رغبتها في الزواج من النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرجت نفيسة من عندها وذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقالت له :ما يمنعك أن تتزوج ؟
قال صلى الله عليه وسلم : ما بيدي ما أتزوج به .
قالت : فإن كفيت ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة فهل تجيب ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : بمن ؟
قالت : خديجة .
فقال صلى الله عليه وسلم : إن وافقت فقد قبلت .
فبشرت نفيسة خديجة بهذه البشرى ، وذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعمامه ، وأخبرهم برغبته في الزواج من خديجة ، فقام أبو طالب وذهب إلى عمها عمرو بن أسد فخطبها ودفعوا إليه الصداق .
قال ابن كثير رحمه الله :
(( قال المؤملي : المجمع عليه أن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها منه وهذا هو الذي رجحه السهيلي ، وحكاه عن ابن عباس .
وعائشة قالت : وكان خويلد مات قبل الفجار ، و هو الذي نازع تبعاً حين أراد أخذ الحجر الأسود إلى اليمن ، فقام في ذلك خويلد و قام معه جماعة من قريش ، ثم رأى تبع في منامه ما روعه ، فنزع عن ذلك و ترك الحجر الأسود مكانه
وذكر ابن إسحاق : في آخر السيرة أن أخاها عمرو بن خويلد هو الذي زوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاللَّه أعلم )).ا.هـ
كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ خمسة و عشرون عامًا ، وكان عمر خديجة أربعون سنة ، و قيل غير ذلك و لكن هذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى .
خطبة النكاح
ورد في كتب السير أن الذي قام بخطبة النكاح هو أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم
قال ابن الجوزي :
وذكر ابن فارس : أن أبا طالب خطب يومئذ فقال :
" الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ، وزرع إسماعيل ، وضئضي معد ، وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته ، وسواس حرمه ، وجعل لنا بيتًا محجوبًا ، وحرمًا آمنًا ، وجعلنا الحكام على الناس .
ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبدالله لا يوزن به رجل إلا رجح به ، وإن كان في المال قل ، فإن المال ظل زائل ، وأمر حائل .
ومحمد من قد عرفتم قرابته ، وقد خطب خديجة بنت خويلد ، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي ، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم ، وخطر جليل " .ا.هـ
صداق السيدة خديجة رضي الله عنها
قال ابن هشام :
(( فأصدقها عشرين بكرة .
وكانت أول امرأة تزوجها ، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت )).ا.هـ
وقد ذكر الدولابي وغيره :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أصدق خديجة رضي الله عنها اثنتى عشرة أوقية ذهبًا .
ولا تضاد بين ذلك وبين ما سبق ، إذ يجوز أن يكون أصدقها أبو طالب ، وزاد النبي في صداقها ، فكان الكل صداقًا .ا.هـ
وليمة الزواج
ذكر الملا في سيرته :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج خديجة رضي الله عنها ، ذهب ليخرج .
فقالت له : إلى أين يا محمد ؟
اذهب وانحر جزورًا ، أو جزورين ، وأطعم الناس .
ففعل ذلك صلى الله عليه وسلم ، وهي أول وليمة أولمها صلى الله عليه وسلم .ا.هـ
صور من حسن العشرة
كان هذا الزواج مباركًا طيبًا ، و كانت خديجة تحب النبي صلى الله عليه وسلم و توقره و تتودد إليه
قال الحافظ في الفتح :
(( وَرَوَى الْفَاكِهِيّ فِي كِتَاب مَكَّة عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْد أَبِي طَالِب ، فَاسْتَأْذَنَهُ أَنْ يَتَوَجَّه إِلَى خَدِيجَة فَأَذِنَ لَهُ ، وَبَعَثَ بَعْده جَارِيَة لَهُ يُقَال لَهَا نَبْعَة .
فَقَالَ لَهَا : اُنْظُرِي مَا تَقُول لَهُ خَدِيجَة ؟
قَالَتْ نَبْعَة : فَرَأَيْت عَجَبًا .
مَا هُوَ إِلا أَنْ سَمِعَتْ بِهِ خَدِيجَة فَخَرَجَتْ إِلَى الْبَاب فَأَخَذَتْ يده بِيَدِهَا فَضَمَّتْهَا إِلَى صَدْرهَا وَنَحْرهَا .
ثُمَّ قَالَتْ : بِأَبِي وَأُمِّي ، وَاَللَّه مَا أَفْعَل هَذَا لِشَيْءٍ ، وَلَكِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُون أَنْتَ النَّبِيّ الَّذِي سَتُبْعَثُ فَإِنْ تَكُنْ هُوَ فَاعْرِفْ حَقِّي وَمَنْزِلَتِي وَادْعُ الإلَه الَّذِي يَبْعَثك لِي .
قَالَتْ :
فَقَالَ لَهَا : وَاَللَّه لَئِنْ كُنْت أنا هُوَ قَدْ اِصْطَنَعْت عِنْدِي مَا لا أُضَيِّعُهُ أَبَدًا , وَإِنْ يَكُنْ غَيْرِي فَإِنَّ الإلَه الَّذِي تَصْنَعِينَ هَذَا لأجْلِهِ لا يُضَيِّعُك أَبَدًا )) .
ومن ذلك أيضًا :
أنها وهبت زيد بن حارثة للنبي صلى الله عليه وسلم :
قال ابن هشام : ((كان حكيم بن حزام قدم للشام برقيق ، فيهم زيد بن حارثة وصيف ، فدخلت عليه عمته خديجة بنت خويلد ، وهي يومئذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لها اختاري يا عمة أي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك ، فاختارت زيدًا فأخذته ، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها فاستوهبه منها ، فوهبته له )).ا.هـ
ومن صور عشرتها :
ومن صور عشرتها الجميلة مع النبي صلى الله عليه وسلم ما حدث لها من كرهها للأصنام كما كان النبي يكرهها و ذلك قبل البعثة
فعن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :
حَدَّثَنِي جَارٌ لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ لِخَدِيجَةَ
أَيْ خَدِيجَةُ وَاللَّهِ لا أَعْبُدُ اللاتَ وَالْعُزَّى وَاللَّهِ لا أَعْبُدُ أَبَدًا .
قَالَ فَتَقُولُ خَدِيجَةُ خَلِّ اللاتَ خَلِّ الْعُزَّى .
قَالَ كَانَتْ صَنَمَهُمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ ثُمَّ يَضْطَجِعُونَ )) .ا.هـ
ويستفاد مما سبق :
حسن عشرة المرأة الصالحة لزوجها ، وحسن مقابلتها له عند عودته إلى المنزل ، وتلطفها معه بانتقاء الطيب من القول ، والحسن من الفعل ، وهذا مما يديم الألفة والمحبة بين الزوجين .
احتساب أجر ذلك عند الله تعالى وهذا من قولها " والله ما أفعل هذا لشيء.."
متابعة المرأة لزوجها ، وموافقتها له فيما فيه مرضاة الله تعالى ، وذلك من تركها عبادة الأصنام لترك النبي صلى الله عليه وسلم لها .
من أسباب المودة والمحبة هبة المرأة لزوجها ما يرغب فيه ، أو إهداء الهدايا له والعكس ، وذلك من هبتها زيدًا للنبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن فيه طلب الزوج من الزوجة ما يحتاجه من مال ونحوه لا حرج فيه ، ما دام أن أخذ ذلك يكون برضاها .
الفصل الثالث
أولادها
من الرسول
صلى الله عليه وسلم
ـــــــــ
أولاد النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها
لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم أولاد إلا من خديجة رضي الله عنها ، عدا إبراهيم عليه السلام فإنه كان من مارية .
قال ابن كثير :
(( وهي أم أولاده كلهم سوى إبراهيم فإنه من مارية )).ا.هـ
وبهذا تكون قد ولدت خديجة رضي الله عنها للنبي ستًا وهم كما يلي :