اسباب الوقوع في الفتنة ..
السلآآم عليكم ورحمة الله وبركــآته
**
*
اسباب الوقوع في الفتنة
فما أكثر الآيات التي تحث على الصبر وتبين فضل الصبر وعاقبته الحميدة ،قال ابن القيم في كتابه
العظيم (عدة الصابرين) :
((قال الإمام أحمد -رحمه الله- :
(( ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعا )).اهـ.
وقال:
((قد أثنى الله سبحانه على الصبر وأهله ومدحه وأمر به وعلق عليه خير الدنيا والآخرة وقد ذكره
الله في كتابه في نحو تسعين موضعا))اهـ.
قال تعالى:
{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}.
وقال تعالى:
{وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
وقال جل وعز:
{ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ
مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}.
وقال تعالى:
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ
زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.
وقال تعالى:
{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ
فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}.
وقال تعالى:
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}
وقال تعالى:
{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ
إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}.
وقال تعالى:
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}.
وقال تعالى:
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}.
وفي صحيح مسلم:
وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ التَّمِيمِىُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ أَخْبَرَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ حَسَّانَ - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - يَعْنِى ابْنَ سَلاَّمٍ - حَدَّثَنَا
زَيْدُ بْنُ سَلاَّمٍ عَنْ أَبِى سَلاَّمٍ قَالَ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟
قَالَ نَعَمْ.
قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟
قَالَ: « نَعَمْ ».
قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟
قَالَ: « نَعَمْ ».
قُلْتُ: كَيْفَ؟
قَالَ: « يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاىَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ
قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ ».
قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟!
قَالَ: « تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ!! ».
وعند ابن جرير:
عن أنس قال :
(نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قالوا لا تسبوا أمرائكم ولا تغشوهم
ولا تعصوهمم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب).
وفي مصنف ابن أبي شيبة قال:
حدثنا أبو أسامة قال حدثنا الاعمش عن المسيب بن رافع عن بشير بن عمرو ، قال : شيعنا
ابن مسعود حين خرج ، فنزل في طريق القادسية فدخل بستانا ، فقضى الحاجة ثم توضأ ومسح على
جوربيه ثم خرج وإن لحيته ليقطر منها الماء ،
فقلنا له : اعهد إلينا فإن الناس قد وقعوا في الفتن ولا ندري هل نلقاك أم لا ، قال :
(اتقوا الله واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر ، وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمة
محمد على ضلالة).
وفيه:
حدثنا معاوية بن هشام قال حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي إدريس عن المسيب بن بجينة
عن علي بن أبي طالب قال :
(من أدرك ذلك الزمان فلا يطعن برمح ولا يضرب بسيف ولا يرم بحجر ، واصبروا فإن العاقبة
للمتقين).
وفيه:
حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن عبد الله بن المخارق بن سليم عن أبيه قال : قال علي :
(إني لا أرى هؤلاء القوم إلا ظاهرين عليكم لتفرقكم عن حقكم وإجتماعهم على باطلهم ،
وإن الامام ليس يشاق سفره ، وإنه يخطئ ويصيب ، فإذا كان عليكم إمام يعدل في الرعية
ويقسم بالسوية فاسمعوا له وأطيعوا ، وإن الناس لا يصلهم إلا إمام بر أو فاجر ، فإن كان برا فل راعي وللرعية ، وإن كان فاجرا عبد فيه المؤمن ربه وعمل فيه الفاجر إلى أجله).
ولا أشك في أن مثل هذه المظاهرات ، وهذه الاعتصامات مخالف لشرع الله تعالى ، وهذا باتفاق أهل السنة.
والله أعلم.
ـــــــــــــ
من أسباب الوقوع في الفتنة مع الحكام
لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - :
قال شيخ الإسلام : ومما ينبغي أن يُعلم أن أسباب هذه الفتن تكون مشتركة فَيَرِدُ على القلوب
من الواردات ما يمنع القلوب عن معرفة الحق وقصده، ولهذا تكون بمنزلة الجاهلية، والجاهلية ليس
فيها معرفة الحق ولا قصده، والإسلام جاء بالعلم النافع والعمل الصالح؛ بمعرفة الحق وقصده؛ فيتفق
أن بعض الولاة يظلم باستئثار فلا تصبر النفوس على ظلمة، ولا يمكنها دفع ظلمة إلا بما هو أعظم
فساداً منه، ولكن لأجل محبة الإنسان لأخذ حقه ودفع الظلم عنه لا ينظر في الفساد العام الذي
يتولد عن فعله.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
« إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً(1) فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ» . رواه البخاري .
وكذلك ثبت عنه في الصحيح أنه قال:
«على المرء المسلم السمع والطاعة في يسره وعسره، ومنشطه ومكرهه، وأثرة عليه» .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم عن عبادة قال: «بَايَعْنَا رَسُول الله - صلى الله عليه
وسلم - عَلَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ في العُسْرِ واليُسْرِ، والمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَعَلَى أثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أنْ لاَ نُنازِعَ الأمْرَ أهْلَهُ إلاَّ أنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ
مِنَ اللهِ تَعَالَى فِيهِ بُرْهَانٌ، وَعَلَى أنْ نَقُولَ بالحَقِّ أيْنَمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ في اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ» . متفق عليه
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بأن يصبروا (2) على الاستئثار عليهم، وأن يطيعوا ولاة أمورهم، وإن استأثروا عليهم، وأن لا ينازعوهم
الأمر، وكثير ممن خرج على ولاة الأمور أو أكثرهم إنما خرج لينازعهم مع استئثارهم عليه،
ولم يصبروا على الاستئثار ثم إنه يكون لولي الأمر ذنوب أخرى فيبقى بغضه لاستئثاره يعظم تلك السيئات، ويبقى المقاتل له ظانّاً أنه يقاتله لئلا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، ومن أعظم ما حرّكه عليه
طلب غرضه: إما ولاية، وإما مال.
كما قال تعالى:
﴿فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاثة لا يُكَلِّمهم الله يوم القيامة،
ولا ينظر إِليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رَجُل على فَضْل ماء بِفَلاة يمنعه من ابن السبيل
يقول الله له يوم القيامة: اليومَ أمْنَعُكَ فَضْلِي، كما مَنَعْتَ فضلَ ما لم تعمل يَدَاك، ورجل
بايَعَ إِماما لا يبايِعُهُ إِلا للدنيا فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يُعْط منها سَخَطَ. ورجل حَلَف على
سِلْعَة لقد أُعْطِي بِهَا أكثر مما أُعْطِيَ ، وهو كاذب».
فإذا اتفق من هذه الجهة شبهة وشهوة، ومن هذه الجهة شهوة وشبهة قامت الفتنة، والشارع
أمر كل إنسان بما هو المصلحة له وللمسلمين؛ فأمر الولاة بالعدل والنصح لرعيتهم حتى قال:
« مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة، يَموتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّةَ».
وأمر الرعية بالطاعة والنصح كما ثبت في الحديث الصحيح:
«إِنما الدين النصيحة» ثلاثاً. قالوا:
لِمَنْ يا رسول الله؟ قال: «لِلَّهِ ولكتابه ولرسوله، ولأَئمة المسلمين وعامتهم».
وأمر بالصبر على استئثارهم، ونهى عن مقاتلتهم ومنازعتهم الأمر مع ظلمهم؛ لأن الفساد
الناشيء من القتال في الفتنة أعظم من فساد ظلم ولاة الأمر فلا يُزال أخف الفسادين بأعظمهما.
ومن تدبر الكتاب والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتبر ذلك بما يجده في
نفسه وفي الأفاق علم تحقيق قول الله تعالى:
﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾،
فإن الله تعالى يُري عباده آياته في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أن القرآن حق، فخبره صدق،
وأمره عدل:
﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
(1) الأثرة والاستئثار: الانفراد بالشيء دون الآخرين.
(2) قال ابن القيم رحمه الله: الصبر حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب ونحوهما. [عدة الصابرين (1 / 7 )]
من كتاب منهاج السنة ( 4 / 538 - 543 )