أُمــــامة بنت أبــي العــــاص
كبرى حفيدات الرسول قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لأضعنّ هذه القلادة في رقبة أحب أهل بيتي إليَّ".
إنها الحفيدة الغالية لأولى بنات النبي صلى الله عليه وسلم: «أمامة بنت أبي العاص بن ربيع»، بنت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوها هو «أبوالعاص» الذي أثنى عليه رسول الله فقال: "حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي".
وأمها زينب الكبرى بنت رسول الله صلى الله عليه سلم وأكبر بناته. جدتها لأمها أم المؤمنين وسيدة نساء عصرها وشريفة قومها السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها.
الغالية ابنة الغالية:
زينب أمها، رضي الله عنها، هي كبرى بنات الرسول صلى الله عليه وسلم والأولى من بين أربع كريمات هنَّ بنات النبي الكريم وهنَّ على الترتيب: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، رضي الله عنهنَّ أجمعين.
وهن ثمرة الزواج السعيد الذي جمع بين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ورسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولدت زينب أم أمامة، رضي الله عنهما، في السنة الثلاثين من مولد سيدنا محمد أي أنه كان يبلغ من العمر ثلاثين عاما عندما أصبح أبًا لزينب الغالية التي أحبها كثيرًا وكانت فرحته لا توصف برؤيتها.
أما السيدة خديجة رضي الله عنها فقد كانت السعادة والفرحة تغمرانها عندما ترى البِشر على وجه زوجها وهو يداعب ابنته الأولى.
واعتاد أهل مكة، العرب عامة والأشراف منهم خاصة على إرسال صغارهم الرضع بيد مرضعات من البادية يعتنين بهم، وبعدما يقارب من السنتين يعيدونهم إلى ذويهم. بعد أن عادت زينب رضي الله عنها إلى حضن أمها خديجة عهدت بها إلى مربية تساعدها على رعايتها والسهر على راحة ابنتها.
وترعرعت زينب في كنف والدها حتى شبّت على مكارم الأخلاق ِوالآداب والخصال فكانت تلك الفتاة الطاهرة.
أخلاقها الكريمة وحُسن خصالها:
كانت هالة بنت خويلد أخت خديجة رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، تُقبل على أختها بين الحين والآخر، فقد كانتا قريبتين من بعضهما، وكانت هالة تعتبر السيدة خديجة أمًا وأختًا لها وكم حلمت بأن تكون زينب بنت أختها زوجة لابنها أبي العاص.
من ذلك نجد أن هالة أحسنت الاختيار فهي زينب بنت محمد من أشراف قريش ومكانته كانت عظيمة بينهم وأمها ذات المنزلة الرفيعة والأخلاق الكريمة أيضًا. أما زينب نفسها فلم تكن بحاجة إلى تعريف فقد كانت جميلة الخَلق والخُلق حسنة المعشر طيبة القلب محبة لمن حولها ومعاونة للجميع.
زواج أولى بنات النبي:
وفي أحد الأيام فاتحت هالة أختها بنوايا ابنها الذي اختار زينب بنت محمد لتكون شريكة حياته وزوجة له.
سُرت السيدة خديجة بهذا الخبر وهي ترى ابنتها وقد كبرت وأصبحت في سن الزواج، فأي أم لا تحلم بزواج ابنتها وخاصة إذا كانت بكرها.
أخبرت السيدة خديجة رسول الله بنوايا ابن أختها أبي العاص ورغبته في التقدم لخطبة ابنته زينب.
مرحبًا بالخاطب الأمين:
فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن رحب به ليكون زوجًا لابنته بعد موافقتها طبعًا؛ وكان ذلك لأن أبا العاص على الرغم من صغر سنه فقد عرف بالخصال الكريمة والأفعال النبيلة، وكان مشهورًا بين قومه بأمانته وشجاعته وحُسن خُلقه بالإضافة إلى قرابته.
وعندما ذهب أبوالعاص إلى رسول الله ليخطب ابنته، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"انه نعم الصهر الكفء" وطلب الأب الكريم من الخاطب الانتظار، حتى يرى رأي ابنته في ذلك ولم يشأ الموافقة على أبي العاص قبل موافقة ابنته زينب عليه.
وهذا موقف من المواقف التي دلت على حرص الرسول على المشاورة ورغبته في معرفة رأي ابنته في هذا الموقف. وما كان من زينب العروس إلا أن تسكت إعلانًا منها قبول ابن خالتها أبا العاص؛ ليكون زوجًا لها تسهر على رعايته وراحته، وتشاركه فرحه وحزنه وتوفر له أسباب السعادة.
الزواج السعيد:
ذاع خبر خطبة أبي العاص لزينب رضي الله عنها في أرجاء مكة كلها، ففرح الناس بذلك، وأخذوا يهنئون زينب بالزوج الذي اختارته، فهو من الرجال المعدودين مالاً وتجارة في مكة، وفي الوقت نفسه يهنأ أبوالعاص بالفتاة التي اختارها لتكون زوجة له، وأمًا لأطفاله في المستقبل.
عاشت زينب حياة سعيدة في كنف زوجها وشاء الله تعالى أن يكون ثمرة هذا الزواج السعيد طفلين أنجبتهما زينب رضي الله عنها. الأول «علي بن أبي العاص» الذي تُوفي صبيا يوم الفتح، والثانية «أمامة بنت أبي العاص».
مولد أمامة
ولدت رضي الله عنها في عهد جدها صلى الله عليه سلم فتربت على يديه وتعلمت مبادئ الإسلام منذ طفولتها المبكرة، فوعت كتاب الله وحفظته عن ظهر قلب، ونهلت من علم جدها سيد الأنبياء والمرسلين.
علم أمامة ومناقبها:
ورثت أمامة عن أمها النجابة والفطنة وحُسن السريرة وعن أبيها الأمانة وحُسن العشرة والوفاء فتجمعت لها من المناقب مالم يتجمع لغيرها.
ولأنها نشأت وترعرعت في بيت إيمان وعبادة، ولأن جدها خاتم الأنبياء والمرسلين، كانت أمامة هي النبتة الطاهرة التي نمت في حديقة الإسلام وتعاليمه.
توفيت السيدة زينب أم أمامة في السنة الثامنة من الهجرة، وهي لم تتعد الثلاثين من عمرها، فارقت ابنتها التي لم يعوضها عن يُتمها سوى حب جدها رسول الله صلى الله عليه سلم لها، واحتواء خالتها السيدة فاطمة لها، وحنوها عليها كوالدتها، خاصة بعد أن مات أبوها لاحقا بوالدتها بحوالي أربع أو خمس سنوات.
حب رسول الله لها:
كان رسول الله صلى الله عليه سلم يحب أمامة رضي الله عنها حبًا كبيرًا كأنه يرى أمها الراحلة زينب رضي الله عنها، كان يقربها ويخصها بالهدايا والمنح.
من ذلك ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها، تقول:
"أُهدي إلى رسول الله صلى الله عليه سلم قلادة من جزع -خرز- ملمعة بالذهب ونساؤه مجتمعات في بيت كُلهن وأمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه سلم - هي بنت العاص بن الربيع – جارية تلعب في جانب البيت بالتراب.
فقال رسول الله صلى الله عليه سلم: "كيف ترون هذه؟ فنظرنَّ إليها» فقلنَّ: "يا رسول الله ما رأينا أحسن من هذه ولا أعجب فقال: أرددنها إليَّ". فلما أخذها قال: "والله لأضعنها في رقبة أحب أهل البيت إلىَّ".
قالت عائشة: «فأظلمت عليَّ الأرض خشية أن يضعها في رقبة غيري منهنَّ، فأقبل حتى وضعها في رقبة أمامة بنت العاص فسُري عني».
وقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النجاشي كان قد أهدى هذه القلادة إلى النبي صلى عليه سلم.
كان رسول الله صلى الله عليه سلم يُكرم أمامة ويحبها ولا يطيق فراقها، وكأنه كان يريد من ذلك أن يكرم البنات في صورتها، وأن يزيل الآثار الجاهلية التي كانت تفضل الذكور عن الإناث.
النبي يصلي وهو يحمل أمامة:
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذات مرة صلى بهاوهو يحملها، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها.
وفي رواية أبوداوود عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال:
بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه سلم في الظهر أو العصر، وقد دعاه بلال للصلاة إذ خرج علينا وأمامة بنت أبي العاص، بنت ابنته، على عنقه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصلاه وقمنا خلفه وهي في مكانها التي هي فيه، فكبًر وكبرنا، ثم قام رسول الله وهو يحملها على عاتقه في صلاته، فإذا ركع حملها وإذا سجد وضعها، ثم إذا قام حملها مرة أخرى، وظل يفعل ذلك في صلاته.
وقد اهتم صلى الله عليه وسلم لشأن البنات وأعطاهن من اهتمامه الكثير فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من وُلدت له ابنة فلم يئدها، ولم يهنها، ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله بها الجنة"، وكان من أقواله التربوية الخالدة عن البنات: من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وضرائهنَّ وسرائهنَّ، أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهنَّ"، فقال رجل: "أو اثنتان يا رسول الله؟". قال: "أو اثنتان"، فقال رجل: "أو واحدة يا رسول الله؟" قال: "أو واحدة". رواه أحمد
وفي حديث آخر لنبينا صلى الله عليه وسلم قال: »مامن أمتي من أحد يكون له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات يعولهنَّ حتى يبلغن، إلا كان معي في الجنة هكذا، وجمع أصبعيه السبابة والوسطى» رواه الطبراني.
زواج الحفيدة الغالية
لما مات أبو"أمامة أبوالعاص بن الربيع" رضي الله عنه عام 12 هـ أوصى بها الزبير بن العوام كان ابن خاله فزوجها عليًا بن أبي طالب، رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها التي كانت أوصت عليًا بأن يتزوجها، فتزوجها وبقيت معه عمرًا طويلاً، كان علي رضي الله عنه قد قال لأمامة لما حضرته الوفاة: "إن كان لك في الرجال حاجة فقد رضيت لك المغيرة بن نوفل عشيرا". فلما انقضت عدتها خطبها معاوية بن أبي سفيان لنفسه فأرسلت أمامة إلى المغيرة بن نوفل – وهو ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب - إن كان لك بنا حاجة فأقبل؛ فتقدم المغيرة رضي الله عنه وخطبها من الحسن بن علي فتزوجها وأقامت أمامة معه حتى توفيت رضي الله عنها ولم تلد له ولا لعلي.
عاشت السيدة أمامة كتابا ناطقا لسنة النبى الكريم فكانت تعلم من حولها وتهتم لشأنهم، كما كانت نِعم أهل بيت النبوة التي حافظت على ميراثها النبوي من العلم والدين، ونأت بنفسها عن الفتن والقلاقل التي عاصرتها، وقابلت ربها وهي عن قضائه راضية.
اللهم اجعل لنا في صبرها وحكمتها القدوة الحسنة ورضي الله عنها وأرضاها.
صلى الله على ساكن طيبه