في التاريخ الحديث، احتل الصهاينة الأراضي الفلسطينية لتظهر إسرائيل على بوابة مصر الشرقية، وتستقطب اليهود من مختلف البقاع، حينها اتجهت الأنظار ناحية يهود مصر الذين كانوا يتمتعون بكثير من الامتيازات، خاصة في الحقبة الاستعمارية حيث اعتبرهم الإنجليز في عداد الأجانب الذين تسري عليهم الامتيازات الأجنبية.
وبدأت التساؤلات ماذا هم فاعلون؟ هل سيغلبون يهوديتهم على مصريتهم أم العكس؟هل هم مصريون ولكن يهود أم يهود ولكن مصريون؟
كتاب "يهود ولكن مصريون".. أحدث إصدارات "كتاب الجمهورية" للكاتب الصحفي سليمان الحكيم حاول الإجابة على هذه الأسئلة،ففي الفصول الأولى يشير الكاتب إلى نفوذ اليهود في مصر سياسيا واقتصاديا وثقافيا ورياضيا وإعلاميا؛ فسياسيا كانوا يتقلدون الوظائف العامة والخطيرة دون تمييز، بل استعان بهم الخديوي إسماعيل في الحصول على القروض من بيوت المال الأوروبية التي سيطر عليها اليهود الأوربيون.
ويعد يوسف أصلان قطاوي أول يهودي مصري يعين بالبرلمان عام 1914 ثم وزيرا للمالية عام 1924 في عهد الملك فؤاد.
على الصعيد الاقتصادي ، أسس اليهود وساهموا في تأسيس عدد 103 شركة من مجموع الشركات الاقتصادية العاملة في مصر والبالغ عددها 308 شركة خلال أربعينات القرن الماضي ، وهي السنوات التي بلغ فيها العداء لليهود ذروته في جميع البلاد الأوروبية، مما يدل علي أنهم كانوا ينعمون في مصر بما لم ينعموا به في أي بلد آخر من بلاد العالم.
وأشار الكتاب إلى ترويج يهود مصر لإسرائيل على الصعيد الثقافي،ففي عام 1935 تأسس النادي الصهيوني والاتحاد العالمي للشبيبة الإسرائيلية؛ ومثلا محور التواجد الثقافي في مصر، والذي كان يستهدف إحياء اللغة العبرية ونشر المبادئ الصهيونية، كما تأسس عدد آخر من الجمعيات والنوادي والمحافل الإسرائيلية أو الصهيونية في مصر طوال حقبة الثلاثينيات.
الصهاينة في الملعبمن خلال هذه الأندية انخرط اليهود في النشاط الرياضي، حتى أن بعضهم مثّل مصر في بعض المسابقات الرياضية الدولية، مثل سلفاتور شيكوريل الذي كان بطل مصر في لعبة الشيش (سيف المبارزة) والذي مثل مصر في دورة الألعاب الأولمبية عام 1928، وحصل فريق نادي المكابي اليهودي على بطولة مصر في كرة السلة، كما حقق إيزاك أميل بطولة مصر في الملاكمة، أما كوهين نجار فكان صاحب البطولات في لعبة التنس.
ولم يكن أحد يعلم حتى ذلك الوقت أن النشاط الرياضي اليهودي في مصر كان يخفي ورائه نشاطا سياسيا معاديا، فقد ساهمت فرق الكشافة والجوالة اليهودية وبقية الأندية اليهودية في مصر في جمع التبرعات بهدف شراء الأراضي في فلسطين لاستيعاب المهاجرين اليهود في المستعمرات التي تقام عليها، كما أُرسلت هذه الأندية اللجان والفرق إلى إسرائيل لاستقبال اليهود المهاجرين إليها.
وتركزت في مصر بقوة الصحف ومراكز الإعلام الصهيوني، ففي عام 1919 أسس د.ألبرت موصيري مجلة "إسرائيل" بثلاث لغات (الفرنسية والعبرية والعربية)، وكانت صهيونية الاتجاهات والميول بشكل واضح حتى توقفت عن الصدور باللغة العبرية عام 1934، فأصدر يعقوب مالكي رئيس تحرير النسخة العربية منها صحيفة جديدة باسم "الشمس" لتعبر عن وجهة نظر الطائفة اليهودية في مجريات الأحداث في الشارع المصري، وكانت تحاول التوفيق بين المشروع الصهيوني وتطلعات وأهداف الحركة الوطنية في مصر في محاولة لإيجاد نقطة التقاء بين التيارين.
يهود لفن
ويتحدث الكتاب بالتفصيل عن حياة الفنانين المصريين من اليهود، ومواقفهم السياسية من القضايا الوطنية التي كانت مطروحة على الساحة ومدي تجاوبهم معها سلبا وإيجابا..
حيث ذكر الكاتب بعض الفنانين مثل ( يعقوب صنوع – كاميليا – داوود حسني – راقية إبراهيم- توجو مزراحي – ليلي مراد – منير مراد – نجمة إبراهيم – نجوى سالم)، وخصص لكل فنان منهم فصلا مستقلا؛ لتوضيح إسهاماتهم الواضحة في الفن المصري؛ ولافتا الانتباه إلى أنه على الرغم من التسامح الواضح الذي استقبل به المصريون فنانيهم من أبناء الطائفة اليهودية، فإن بعضهم ضاق بهذا التسامح واختار أن يكون إسرائيليا بعد أن نزع عن نفسه رداء المصرية الذي كان يتقمصه منذ مولده علي أرض مصر.
فنجد راقية إبراهيم – واسمها الحقيقي راشيل ليفي - والتي كانت نجمة السينما الأولي في مصر تهاجر إلي أمريكا لتعمل في الوفد الإسرائيلي بالأمم المتحدة، ثم تفتتح بوتيكا لبيع التحف الشرقية التي تستوردها من إسرائيل والهند، رغم أنها في مصر كانت تنعم بالشهرة والمال والمجد بعد أن كانت مجرد خياطة في حي السكاكيني الفقير.
أما كاميليا – واسمها الحقيقي ليليان ليفي كوهين- فقد احتار بشأنها مؤرخو الفن حول كونها مسيحية أم يهودية، وبريطانية أم مصرية، وكونها جاسوسة وعميلة للموساد الإسرائيلي.
على عكس النماذج السابقة ممن غلبوا يهوديتهم على مصريتهم، يذكر الكاتب أن هناك (مصريون ولكن يهود) - عكس ما جاء به عنوان الكتاب- ومنهم علي سبيل المثال ليلي مراد، التي عرفها الجميع أنها مطربة يهودية الديانة مصرية الجنسية، وفي عام 1946 أشهرت إسلامها حينما تزوجت أنور وجدي، لكي تثبت أنها اختارت التحول إلي الإسلام عن قناعة وليس لمجرد الزواج من رجل مسلم، غنت أشهر الأغنيات الدينية في الأربعينات، وأشهرها أغنية (يا رايحين للنبي الغالي).
ومع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ترقب الجميع موقف ليلي مراد ومع من ستكون، لتختار أن تكون مع مصر وفلسطين، وظهرت في فيلم "شادية الوادي" الذي يستعرض قضية فلسطين؛ ولم تكتف بذلك فأنتجت فيلم "الحياة حب" لتؤكد موقفها من القضية الفلسطينية، حيث قامت بدور ممرضه لرعاية الضباط الجرحى العائدين من حرب فلسطين، لتؤكد أنها مصرية عربية قبل أن تكون يهودية.