بسم الله الرحمن الرحيم
الإرهاق النفسي هو أحد الأعراض التي تصيب جموع كبيرة من الأفراد وفي إحصاء تم في الولايات المتحدة وجد أن 24% من الأفراد البالغين يعانون من الإرهاق النفسي وفي دراسات أخري وجد أن نسبة الإرهاق النفسي تصل إلى 41% في السيدات و25% في الرجال - كما وجد أن من بين جميع الحالات التي تعاني من الإرهاق النفسي تمثل السيدات نسبة 70% من هذه الحالات.
ويعرف الإرهاق النفسي المزمن بأنه نوع من الإرهاق الشديد الذي يسبب بعض الإعاقات للشخص ويمتد لفترة متصلة تزيد عن الستة أشهر وبدون سبب نفسي أو عضوي واضح. ويمثل الإرهاق النفسي مشكلة كبيرة في اقتصاديات الحكومات نتيجة عدة أسباب:
-الغياب عن العمل وما يسببه من نقص كفاءة الأداء.
-النفقات التي تجري على التحاليل والإسعافات والأبحاث لاستبعاد الأسباب العضوية.
-العلاجات التي تصرف للمرضى بدون عائد.
أسباب الإرهاق النفسي
أسباب عضوية:
وهو الاتجاه الذي تبناه علم الطب النفسي البيولوجي الذي يرجع حالات الإرهاق النفسي إلى عدة أسباب عضوية مثل إرهاق خلايا المخ نتيجة عدة عوامل مثل نقص سريان الدم في المخ أو الالتهابات الفيروسية والفطريات التي تصيب الجهاز العصبي أو بعض الإصابات السمية. واحتل دور الالتهابات الفيروسية أهمية كبرى في تفسير حالات الإرهاق النفسي حيث سجلت عدة ملاحظات عن حدوث هذه الحالات عقب الإصابة بالفيروسات التي تهاجم الجهاز العصبي وأهمها فيروس هر بس 6 والعدوى به. وبتقدم الأبحاث في الطب النفسي البيولوجي تم اكتشاف أسباب أخرى للإرهاق النفسي مثل نقص عنصر الماغنسيوم في دم المصابين لحالات الإرهاق النفسي وكذلك وجد أن هذه الحالات تظهر تحسنا كبيرا باستعمال مركبات غنية بمادة البوتاسيوم.
الضغوط النفسية الاجتماعية:
وهي النظرية التي تبناها علم الطب النفسي الاجتماعي والتي تعزو حالات الإرهاق النفسي إلى تكرار واستمرار الضغوط النفسية التي يتعرض لها الفرد بدون تفريغ للشحنة النفسية المتولدة من هذه الضغوط .
إن هذه الضغوط النفسية تؤثر تأثيرا سيئا على كيمياء الجسم بأكمله وخاصة على الجهاز العصبي وجهاز المناعة فتؤدى إلى نقص مناعة الجسم مما يعرضه للأمراض المعدية وتسبب الضغوط النفسية في البداية زيادة كمية الموصلات العصبية
ثم تدريجيا تقل هذه الموصلات على المستقبلات العصبية التي تجهد وتضطرب وظيفتها وتسبب أعراض الإرهاق النفسي ويختلف تأثير الضغوط على جسم الإنسان باختلاف أنواعها فإذا كانت هذه الضغوط يمكن تجنبها أو التعامل معها فإن استجابة الجسم تكون بإفراز الكورتيزون والدوبامين مما يعرض الجسم لأمراض عديدة مثل أمراض شرايين القلب.
وإذا كانت هذه الضغوط لا يمكن تجنبها ويصعب على الإنسان التعامل معها فيتعامل الجسم معها بإفراز أفيونات المخ وتكون النتيجة النهائية ضعف المناعة والتعرض للأمراض المعدية والاكتئاب وتنتهي بأعراض الإرهاق النفسي المزمن.
تزيد نسبة حالات الإرهاق النفسي في السيدات ويفسر ذلك بالضغوط النفسية الشديدة التي تتعرض لها المرأة على المستوى الشخصي والاجتماعي. فعلى المستوى الشخصي تتعرض حياة المرأة إلى تقلبات هرمونية على مدى الشهر تتمثل في زيادة هرمون الاستروجين في بداية الشهر ثم النقص الشديد في هذا الهرمون في منتصف الدورة والذي يواكبه زيادة هرمون البروجستيرون حتى نهاية الدورة ثم حدوث الدورة الشهرية. وقد وجد أن حالات الإرهاق النفسي تزيد حدتها لدى السيدات في الأيام السابقة على الدورة الشهرية وفي بداية سن اليأس وبعد الولادة وهي الفترات الحرجة في حياة السيدات نتيجة للتغيرات الشديدة التي تحدث في كيمياء الجسم لديهن ويواكبها ضغوط نفسية واجتماعية نتيجة زيادة الأعباء والمسئوليات الملقاة على عاتق المرأة في هذه الأوقات، ولقد أضافت المدنية الحديثة الكثير من الضغوط النفسية على المرأة حيث زادت عليها الأعباء داخل وخارج المنزل بدون خطة مسبقة للقدرة على التعامل مع هذه الأعباء وكانت النتيجة إحباطات متكررة تؤدى في النهاية إلى أعراض الإرهاق النفسي المزمن الذي لم يكن معروفا في الأزمنة السابقة .
التعامل مع الإرهاق النفسي
لعمل خطة علاج ناجحة لابد من دراسة مستفيضة لكل حالة على حدة وذلك بواسطة فريق العلاج النفسي فيبدأ الطبيب بمحاولة الوصول إلى الأسباب العضوية أو الضغوط النفسية التي أدت إلى نشوء هذه الأعراض وخاصة في التاريخ القريب للأعراض الحالية ويقوم الأخصائي النفسي ببعض المقاييس النفسية التي تساعد في تشخيص الحالة وتفرقتها من بعض الأعراض المشابهة مثل الاكتئاب النفسي . ويستكمل الأخصائي الاجتماعي الصورة بالبحث الاجتماعي للحالة وما تسببه من أعراض مستمرة ويجمع المشاكل الاجتماعية للحالة والتي تسبب لها الضغوط النفسية ويلتقي الفريق العلاجي لوضع خطة العلاج.
إن العلاج في هذه الحالات متعدد الجوانب نتيجة تعدد مسببات المرض وتعدد الأعراض وينقسم إلى قسمين كبيرين هما العلاج الدوائي والعلاج غير الدوائي.
العلاج الدوائي
يوجه هذا العلاج للقضاء على بعض الأعراض التي تعوق تعامل الحالة مع المجتمع مثل الأعراض الاكتئابية أو الأرق ونجاح هذا العلاج الدوائي يعطي الأرضية الخصبة التي تمكن العلاجات الأخرى التي سنشرحها الآن بأن تؤتي ثمارها . ويجدر هنا الذكر بأن الجرعات المستخدمة من مضادات للاكتئاب تكون صغيرة جدا مقارنة بالجرعة المستخدمة في حالات الاكتئاب وذلك لان الآثار الجانبية لهذه الأدوية تكون سريعة الظهور في حالات الإرهاق النفسي المزمن. إن مضادات الاكتئاب بجرعات صغيرة تحقق أهداف مهمة للقضاء على ثلاثة أعراض في هذه الحالات وهي الأعراض الاكتئابية واضطرابات النوم وآلام العضلات وهو ما يعطي إحساس سريع بالتحسن لدى الحالة مما يزيد من الثقة في الطبيب المعالج وخطة العلاج ككل وينصح باستمرار هذه العقاقير لمدة ثلاثة أشهر متتالية.
ومن العلاجات الدوائية المهمة في هذه الحالات أيضا مركبات الماغنسيوم والتي أثبتت جدارتها في التغلب على أعراض الإجهاد البدني التي تسبب قدرا كبيرا من الإعاقة في القدرة على القيام بالأعباء الحياتية وأيضا تستخدم هذه المركبات بجرعات صغيرة ولكن لفترات طويلة تصل إلى الستة أشهر. و ينصح بالإكثار من تناول الأطعمة الغنية بالماغنسيوم مثل الخضراوات الخضراء . ومن العقاقير الأخرى التي أثبتت فاعليتها في هذه الحالات العلاج باستخدام الأجسام المضادة التي تقوى وظائف جهاز المناعة بالجسم مما يزيد مواجهة الجسم للفيروسات والبكتريا وما يستتبعه من تحسن الإرهاق النفسي.
العلاج النفسي
ولكي تنجح خطة العلاج لا بد أن يواكب العلاج الدوائي تغييرا جذريا في حياة الإنسان ويتم ذلك عن طريق العلاج النفسي ويرتكز العلاج المعرفي على خلق نوع من استبصار الإنسان بحقيقة الإعراض التي يعاني منها وأسبابها وكيفية التخلص منها ويتضمن هذا النوع من العلاج تعليم الشخص بعض الحقائق عن أجهزته العضوية وكيف تعمل ولماذا تمرض وكيف يمكن أن تؤدي الضغوط النفسية والاجتماعية إلى اضطراب وظائف الجسم والى المعاناة في النهاية.
إن خلق هذا الاستبصار يعد ركن أساسي لبداية التغيير المنشود في الحالة ويستعين الطبيب المعالج بأفراد قريبين من الحالة مثل الزوج أو الأخ أو الأصدقاء يتفهمون حالة المريض ويقيمون علاقات ذات أسس جديدة معه .
العلاج الطبيعي والعلاج الترفيهي
يلعب العلاج الطبيعي دورا كبيرا في تحسن حالة المريض ويتضمن هذا النوع من العلاج تمرينات للاسترخاء يداوم عليها المريض وعن طريقها يبدأ في الإحساس بالتخلص من الآلام الجسدية التي كان يعاني منها كما تقطع عليه حالات الإجهاد التي تصيبه نتيجة الإفراط في العمل. إن تعليم المريض كيف يقيم توازنا جيدا بين فترات العمل وفترات الراحة لهو أمر هام جدا في التغلب على حالات الإرهاق النفسي.
ويلعب دور العلاج الترفيهي دورا كبيرا في هذا المجال ويتم إيضاح دوره في جلسات العلاج النفسي الفردي والجمعي ويتم تنفيذه عن طريق خطة منسقة مع الأهل والأصدقاء .
العلاج عن طريق الراحة والنشاط
يتكون هذا الأسلوب من عدة عناصر هي :
لا تعني الراحة البعد عن النشاط لأن النشاط اليومي هو وقود الصحة والمحيي لطاقات الإنسان المتعطلة ولذا يوصف هذا القدر من الراحة بقدر مناسب حتى يحصل المعالج على استجابة حالات الإرهاق النفسي وبذلك تستطيع هذه الحالات أن تبدأ التعامل بجدية مع المعالج عند بدء النشاط الذي يعد حقيقة بداية التحسن ويجب أن يكون النشاط الذي تقوم به هذه الحالات تدريجيا حتى لا يصاب الأشخاص المعالجين بآلام العضلات.