كثرة الانجاب واضرارها على المرأة والمجتمع
إن كثرة الإنجاب أمر لا يدل على الرقي وتطور الوعي الاجتماعي، وهو أمر يضر المجتمع برمته، فبرغم المغريات التي تقدمها منظمات التوعية إلا أنها ليست كافية لإعادة غسل مجتمع ما وإعادة صياغة أفكاره لتعريفه بخطورة الوضع.
فما خطورة كثرة الإنجاب على المرأة؟
تقول الدكتورة النسائية صميدة عيد: إن الأثر السلبي الناتج عن كثرة الإنجاب على الوضع الصحي للمرأة يتمثل في أنه يزيد من تعرضها للتعب الجسدي والنفسي. فكثرة الإنجاب تفقد جسم المرأة عناصر أساسية، أهمها الكالسيوم الذي يؤثر على صحة العظام والأسنان لديها. إن كثرة الولادات تؤدي أيضاً إلى نزوف شديدة لدى المرأة، وكذلك يلعب الإنجاب دوراً في التسبب بفقر الدم الذي ينتج عنه الكثير من الأمراض الخطيرة.
وتضيف الدكتورة أن الفترة التي يجب أن تفصل بين حمل وآخر يجب أن تكون ثلاث سنوات.
وبالنسبة للتعب النفسي، يكون على الأم ملاحقة الأولاد وتربيتهم وغالباً ما تكون هذه الملاحقة على حساب اهتمامها بنفسها، فكثرة عدد الأولاد وتقارب أعمارهم وصغرهم يزيد من الضغوط النفسية، إذ تشعر المرأة بجانب من الجوانب بأنه أمر يساهم بمحو شخصية المرأة.
ولتكرار الإنجاب مضاره الخطيرة على الجنين، فقد يزيد ذلك من احتمال وجود تشوهات خلقية.
إن إنجاب المرأة للأولاد في سن متأخرة يزيد من احتمالات التشوه أيضاً، وخاصة الطفل "المنغولي".
تقول أم لخمسة صغار: إنه لكارثة بالنسبة إلى المرأة أن تنجب عدداً من الأولاد، الفارق العمري بينهم بسيط، لأن ذلك يسلب المرأة حريتها، فإنه لمن الصعب تربية خمسة أولاد لا يتجاوز عمر أكبرهم سبع سنوات. أصبحت أدرك أنهم كلما كبروا ازدادت متطلباتهم، أستاء كثيراً لأنني أشعر أن طاقتي الجسدية في آخر النهار تكون قد انهارت واستنفدت، ويتملكني شعور أني لم أكن عادلة في إعطاء كل طفل منهم القدر الكافي من الاهتمام!
تتنوع أسباب تعداد الإنجاب لدى بعض الأسر، فمنها ما هو ناتج عن العادات والتقاليد البالية، كالسعي لإنجاب الصبي، والجهل ونقص الوعي الثقافي.
تبقى العادات الموروثة أمراً شائعاً بين فئة من الناس ترفض عقولهم المتحجرة أن تلين أمام مصداقية العلم.
أما عن ظاهرة إنجاب الصبي التي تتردد أصداؤها بين الناس بشكل واسع، فتكثر عبارات وصفها وتتعدد أساليب الحديث عنها:
يقال: عندها أربع بنات، وأنجبت خامسة "الله ما بعت الصبي".
ويقال: "شو هالمرا خلفتها كلها بنات؟"!.
ويقال أيضاً "تزوج عليها لأنه يريد الصبي، له منها ست بنات، وما كانت تعرف تجيب الصبي لتريح رأس زوجها"!.
كلمات نسمعها وخاصة في مجتمعنا الشرقي. كلمات من القليل أن نصفها بالدونية والسخيفة.
فبرغم تطور العلم وتطور وسائل بثه، ورغم تطور الطب ومعرفة أن الذي يحدد جنس المولود هو الذكر، يبقى كثير من الناس يجهلون تلك الحقيقة، ومازالوا يرفضون تصديقها بهدف إلقاء اللوم على غيرهم دائماً.
حين تتكرر حالات الإنجاب وتكون غالباً من الجنس الأنثوي "تبتلي" العائلة بعدد كبير من الإناث، فيصبح على الأب غير المدرك لعواقب الأمور تربية البنات وإطعامهم وتعليمهم في ظل جو أسري مشحون بالخلافات والتوترات.
ولأن للوضع المادي شأناً كبيراً في تعكير صفو العيش، إذ لا يتوفر للأطفال، خاصة الفتيات، كل ما يحتاجونه، فيقوم الأهل ودون قصد بتأخير أو إلغاء طلبات الفتاة أمام طلبات الصبي الذي لا يُرفض له طلب، كما ينقصهن حقهن المعنوي في نيل العطف والحنان، أو يوزع ذلك الحب بطريقة غير متساوية، فترجح كفة الميزان إلى ناحية الصبي. وتكون الأم ضحية القيل والقال، وضحية الذنب الذي حمّلها إياه المجتمع من ناحية، وحمّلته لنفسها بسبب جهلها من ناحية أخرى.
وهكذا تربّى الفتيات على أساس الاضطهاد غير المبرر، فيحملن الأفكار نفسها ويكررن التصرفات نفسها عندما يكبرن ويتزوجن وينجبن!
كما أن عقبة المال تجعل الأهل يلجؤون إلى تزويج بناتهم عند أول فرصة تتاح لهن، بغض النظر عن حقوق كل منهن كطفلة، فتكُوّن العوامل المحيطة شخصيتها على أسس خاطئة، فتكبر لتعكس نفسيتها الداخلية وتفجّر الضغوط التي عانتها فلا تكون إلا انعكاساً لصورة والديها. وإن حالفها الحظ في تكوين شخصية وأفكار معاكسة لما تربّت عليه فقد تزف عروساً لزوج أشبه بأبيها يخضعها دون أن يدري لقمع داخلي يفرض استمراراً مأسوياً لحالة التمييز والتحيز إلى جنس المولود، أو اللجوء إلى تكرار الإنجاب كرد فعل عكسي على ما عاشته.
نقص الوعي الاجتماعي والفكري أمر يجب تداركه ومعالجته لدى بعض الأسر، فإظهار المخاطر الناجمة عن كثرة عدد الأطفال من شأنه أن يساهم في تخفيف تخلّف المجتمع وانتشار الجهل والفقر.
ريم فتاة في العشرين من عمرها، أخت لثمانية أطفال، يعمل الأب على جرار، والأم ربة منزل. منذ ثلاث سنوات توفي الأب. تقول ريم "ذهب إلى السماء لكنه ترك في الأرض عائلة طويلة عريضة، من يعيلها"؟.. وتقول: "حين فقدت أبي كنت ماأزال في المدرسة الثانوية، وكان حلمي أن أحصل على الشهادة الثانوية وأن أدخل كلية التربية - معلم صف، لكن بعد وفاة والدي أصبح همّي أن أنهي المرحلة الثانوية بسرعة، وأن أساعد في إعالة إخوتي الثمانية الصغار، بصفتي الكبيرة بينهم. وكانت فاجعتي الثانية حين حصلت على الشهادة وكانت علاماتي تمكنني من دخول كلية التربية.
لا أستطيع اليوم أن أحلم، فأمامي وأمام إخوتي مسيرة طريق طويلة حتى يكبروا ويعتمدوا على أنفسهم، وأصبح حلم دخول الجامعة وهماً، وكذلك فكرة الزواج التي هي آخر ما يمكنني أن أفكر فيه، فهمّي الأول والأخير هي أن أرعى إخوتي.
يقال إن المجتمع قوي بشبابه، ولكن لم نسمع يوماً مجتمعاً قوياً بكثرة عدد أطفاله، فحتى يكبر هؤلاء الأطفال يكون ذاك المجتمع قد انهار بنيانه وتآكلت واجهته المتجهة نحو التطور.