هو أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن فَرْح الأنصارى الخزرجى الأندلسى القرطبى المفسِّر ولد أوائل القرن السابع الهجري بقرطبة، ونسب إليه، بل أصبح أشهر علم من أعلامه، فعندما يذكر القرطبي بإطلاق، فلا تنصرف الأذهان إلا إليه، نشأ فيه وكانت حياته متواضعة، إذ كان من أسرة متوسطة، أو خاملة، مع علو حسبه ونسبه، إلا أنه أنبه شأن أسرته بما قدم من آثار ومؤلفات.
وفي قرطبة تعلم العربية والشعر إلى جانب تعلمه القرآن الكريم، وتلقى بها ثقافته الواسعة في الفقه والنحو والقراءات كما درس البلاغة وعلوم القرآن وغيره، وكان إلى جانب تلقيه العلم ينقل الآجر لصنع الخزف في فترة شبابه، وقد كانت صناعة الخزف ولافخار من الصناعات التقليدية التي انتشرت في قرطبة آنذاك...
إقامته فى مصر.
بقي الإمام القرطبي بقرطبة حتى سقوطه، وخرج منها نحو عام 633 هـ، فرحل إلى المشرق طلباً للعلم من مصادره فانتقل إلى مصر، والتي كانت محطًا لكثير من علماء المسلمين على اختلاف أقطارهم، فدرس على أيدي علمائها وسمع وكتب، وكان يقظاً حسن الحفظ مليح النظم، حسن المذاكرة ثقة حافظاً.
وأخيراً استقرّ به المقام بمنية ابن خصيب في شمالي أسيوط بمصر، فاتخذها داراً له ومقاماً ومركزاً للتدريس والتأليف، ولم يتغيَّر شيء من نمط حياته السابقة، فقد بقي على زهده في الدنيا واشتغاله بالآخرة، يملأ وقته بالعبادة والدراسة، ويكفيه الثوب الواحد أهم ملامح الشخصية:
1- زهده وورعه:
كان رحمه الله من عباد الصالحين والعلماء العارفين، عاش حياة عبادة وصلاح وزهد، وأتقن علوم العربية والعلوم الإسلامية جميعها، وسمع الحديث عن عدد من الحفّاظ الثقات. زاهد في الدنيا مشغولاً بما يعنيه من امور الآخرة وقد قضى عمره مشغولاً بين العباده والتأليف.
قال عنه ابن فرحون: (كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين الورعين، الزاهدين في الدنيا المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة).
ونرى في مطالعتنا لكتب القرطبي نفس العالم الصالح الورع الزاهد في كل صفحة من صفحاته، فهو يشكو دائمًا من كثرة الفساد، وانتشار الحرام، والابتعاد عن الواجبات، والوقوع في المحرمات.
ومن مظاهر ورعه وزهده: تصنيفه كتابي (قمع الحرص بالزهد والقناعة) و(التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة)، ومن مظاهره أيضًا ذمه الغنى الذي يجعل صاحبه مزهوًا به، بعيدًا عن تعهد الفقراء، ضعيفًا في التوسل إلى رب الأرض والسماء.
2- شجاعته، وجرأته في الحق:
لا غرابة في أن يكون القرطبي شجاع القلب، جريئًا في إعلان ما يراه حقً، أنه قد اكتسب تلك الأسباب التي تسلحه بهذه الجرأة من علم واسع، وورع مشهود، واستهانة بالدنيا ومظاهره، لهذا كان ـ رحمه الله ـ ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، ويتمثل هذا في إيمائه في أكثر من موضع في تفسيره إلى أن الحكام في عصره حادوا عن سواء السبيل، فهم يظلمون ويرتشون، وتسود عندهم أهل الكتاب، ومن ثم فهم ليسوا أهلاً للطاعة، ولا للتقدير.
نذكر من ذلك ما يكتبه في (التذكرة) إذ يقول:
هذا هو الزمان الذي استولى فيه الباطل على الحق، وتغلب فيه العبيد على الأحرار من الخلق فباعوا الأحكام،ورضي بذلك منهم الحكام، فصار الحكم مكسً، والحق عكسً، لا يوصل إليه، ولا يقدر عليه، بدلوا دين الله، وغيروا حكم الله، سماعون للكذب أكالون للسحت (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون....)
3- بساطته وتواضعه:
كان رحمه الله ـ فيما عرف عنه ـ يعنى بمظهره، بدون تكلف و بذخ، كان يمشي بثوب واحد مما يدل على رقة حاله، وأنه لم يصب من الغنى ما يجعله يعيش حياة مترفة.
4- الجدية ومضاء العزيمة:
إن الدارس لحياة القرطبي ليعجب كل العجب من حياة الجد والصرامة التي أخذ نفسه بها حتى ألفه، فهو رحمه الله قد كرس حياته للعلم والمطالعة والتأليف، دون أن يؤثر عنه ملل أو سأم، أو يعرف عنه أنه كان يتوقف لراحة أو استجمام، ولذا وصفه مترجموه بقولهم (أوقاته معمورة ما بين توجه وعبادة، وتصنيف).
ولا شك أن جدية إمامنا القرطبي كانت بسبب استشعار قيمة وعظمة ما يدرس ويصنف، فهنوعلى صلة دائمة مع النصوص الشرعية التي تحث على الصدق في القول والعمل، ومخاطبة الناس بالطيب من القول، وتنهى عن السفه وبذاءة اللسان، وتنفر من الكبر والرياء والنفاق، وتحذر من الافتتان بمباهجالحياة والانسياق وراء مغرياته.
ولا نستعغرب ولا تنتابنا الدهشة من هذا الخلق إذا فهمنا البواعث النفسية التي كانت تسيطر على صاحبن، فهو كثير الهم على مسلمي عصره، شديد التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، متأثر بما حل ببلاده، حريص على العلم الشرعي، فضلاً عن تأثره بخلق كثير من مشايخه لا سيما المحدثين منهم، الذين كانوا يتصدرون لتدريس الحديث وروايته، وإذا ما عرفنا الآداب العامة التي كانوا يحرصون على التقيد به، ويتشددون في التزامها والتحلي به، كي يكون لهم المهابة والوقار في نفوس مستمعيهم وطلابهم، فهم حريصون كل الحرص على أن يكونوا منسجمين تماما مع العلم الذي يدرسونه، كي لا يكون هناك تناقض بين سلوكهم وأقوالهم، بل هم يشددون على أنفسهم كي يكونوا قدوة حسنة لتلاميذهم..
5ـ أمانته:
كان القرطبي ـ رحمه الله، يلتزم الأصول العلمية، ويتبع أساليب العلماء الفضلاء الذين لا يعنيهم إلا أن يثبتوا الفضل لأهله، ويتورعوا عن أن ينسبوا لأنفسهم ما ليس لهم، وهذه هي الأمانة العلمية التي يعمل علماء العالم الآن على تأصيله، وتثبيت قيمه، واتخاذ أساليب لتنفيذه، ولا يتصور أنها تخرج عما ارتضاه الإمام القرطبي لنفسه حين كتب " تفسيره" قال:
(وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليه، والأحاديث إلى مصنفيه، فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف إلى قائله).
6ـ اجتهاده وكثرة مطالعته:
ذكر غير واحد من مؤرخي حياة إمامنا القرطبي أن أوقاته كانت معمورة بين توجه للعبادة أو التصنيف، وهذا شأن العلماء، وسمة العارفين الفضلاء، ومنشأ هذه الميزة في شخصيته العلمية هي جديته فيالحياة، ومضاء عزيمته ـ كما ذكرنا ـ
كان رحمه الله كثير المطالعة، مجد في التحصيل، كثير الحديث عما يشكل، وكان يحب الكتب حبًا جمًا ويحرص على جمعه، واقتنائها، حتى لقد تجمع لديه منها مجموعات كثيرة، ومنوعة، ولو أن باحثًا قام بجمع موارده في تفسيره" فقط، لتجمع لديه الشيء الكثير، والعجب العجاب، من آثار المشرقيين والمغربيين معً، وإليك مثال من حبه للكتب وشغفه بالمطالعة، من كتابه (التذكرة) فقط، قال رحمه الله:
(وكنت بالأندلس قد قرأت أكثر كتب المقرئ الفاضل أبي عمرو عثمان بن سعيد المتوفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة)
فهذا النص يدلنا على ولعه بالقراءة والكتب منذ نعومة أظفاره، إذ صرح بأنه قرأ أكثر كتب ذلك العالم وهو في الأندلس بعد.. كما كان ولوعًا بكتب حافظ المغرب (ابن عبد البر)، والفقيه العلامة المالكي (ابن العربي)، فأكثر النقل من كتبهم، ولا سيما "التمهيد" للأول، و" أحكام القرآن" للثاني، وهذا يدلنا على مدى تأثره بهم، إذ اجتمع معهما في صفات علمية كثيرة....
الحركة العلمية في عصر القرطبى:
نشطت الحياة العلمية بالمغرب والأندلس في عصر الموحدين (514 الموافق 668 هـ) وهو العصر الذى عاش فيه القرطبى فترة من حياته أيام إن كان بالأندلس وقبل أن ينتقل إلى مصر ومما زاد الحركة العلمية ازدهاراً في هذا العصر: أن محمد بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية كان من أقطاب علماء عصره وقد أفسح في دعوته للعلم وحض على تحصيله.
كثرة الكتب والمؤلفات التي كانت بالأندلس:
وكانت قرطبة أكثر بلاد الأندلس كتباً، وأشد الناس اعتناء بخزائن الكتب، وهذه النزعات العلمية التي اتسم بها خلفاء الموحدين وتلك المؤلفات التي غمرت بلاد الأندلس وشجعت العلماء وروجت سوق العلم فتعددت الهيئات العلمية في ربوع الأندلس وبين جوانبها ونهضت العلوم الشرعية كالفقه والحديث والتفسير والقراءات وكذلك علوم اللغة والتاريخ والأدب والشعر، وكان لهذا كله أثر كبير في التكوين العلمى للإمام القرطبى - رحمه الله -
شيوخه:
من شيوخ القرطبى:
1ـ ابن رواج وهو الإمام المحدث أبو محمد عبد الوهاب بن رواج واسمه ظافر بن على بن فتوح الأزدى الإسكندرانى المالكى المتوفى سنة 648هـ.
2ـ ابن الجميزى: وهو العلامة بهاء الدين أبو الحسن على بن هبة الله بن سلامة المصرى الشافعى المتوفى سنة 649 هـ وكان من أعلام الحديث والفقه والقراءات.
3ـ أبو عباس احمد بن عمر بن إبراهيم المالكى القرطبى المتوفى سنة 656هـ (صاحب المفهم في شرح صحيح مسلم)
4ـ الحسن البكرى:هو الحسن بن محمد بن عمرو التيمى النيسابورى ثم الدمشقى ابو على صدر الدين البكرى المتوفى سنة 656 هـ
مؤلفاته:
ذكر المؤرخون للقرطبى رحمه الله عدة مؤلفات غير كتاب "الجامع لأحكام القرآن" وهو ذلكم التفسير العظيم الذى لا يستغنى عنه طالب علم.
ومـن هـذه المـؤلفـات:
- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (وهو مطبوع متداول).
- التذكار في أفضل الأذكار (وهو أيضاً مطبوع متداول).
- الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى
- الإعلام بما في دين النصارى من المفاسد والأوهام وإجتهار محاسن دين الإسلام.
- قمع الحرض بالزهد والقناعة.
وقـد أشـار القـرطبـى في تفسيـره إلى مـؤلفـات له منهـا:
- المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس.
- اللمع اللؤلؤية في شرح العشرينات النبوية.
تأثر القرطبى - رحمه الله - بمن قبله وتأثيره فيمن بعده.
أولاً: تأثـره بمـن قبلـه:
الذى يطالع تفسير الإمام القرطبى يجده قد تأثر كثيراً بمن سبقوه من العلماء ومنهم:
الطبرى: وهو أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى صاحب "جامع البيان في تفسير القرآن" والمتوفى سنة 310هـ أفاد منه القرطبي وتأثر به خاصة في التفسير بالمأثور.
الماوردى: وهو أبو الحسن على بن محمد المارودى النتوفى سنة 450هـ وقد نقل عنه القرطبى وتأثر به.
أبو جعفر النحاس: صاحب كتابي:" إعراب القرآن، ومعانى القرآن" توفى سنة 338هـ وقد نقل عنه القرطبى كثيراً.
ابن عطية: وهو القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية صاحب "المحرر الوجيز في التفسير"، وقد أفاد القرطبى منه كثيراً في التفسير بالمأثور وفي القراءات واللغة والنحو والبلاغة والفقه والأحكام توفي ابن عطية رحمة الله سنة 541هـ.
أبو بكر العربي صاحب كتاب "أحكام القرآن" والمتوفى سنة 543هـ، أفاد منه القرطبى وناقشة ورد هجومه على الفقهاء والعلماء.
ثانيـاً: تأثيـره فيمــن بعــده:
تأثر كثير من المفسرين الذين جاءوا بعد القرطبى وإنتفعوا بتفسيره وأفادوا منه كثيرأ ومن هؤلاء:
الحافظ ابن كثير:عماد الدين إسماعيل بن عمروبن كثير المتوفى سنة 774هـ.
أبو حيان الأندلسى الغرناطى المتوفى سنة 754هـ وذلك في تفسيره البحر المحيط.
الشوكانى: القاضى العلامة محمد بن على الشوكاني المتوفى سنة 1255هـ، وقد أفاد من القرطبى كثيراً في تفسيره (فتح القدير )
مـزايـا تفسيره:
يعتبر تفسير القرطبى موسوعة عظيمة حوت كثيراً من العلوم فهو من أجلّ التفاسير وأنفعها، أسقط منه القرطبي القصص والتواريخ، وأثبت عوضها أحكام القرآن واستنباط الأدلة، وذكر القراءات والإعراب والناسخ والمنسوخ، وعني بذكر أسباب النزول، والردّ على أهل الانحرافات، مع اهتمام خاص بإيراد المناسب من الأحاديث.
كتابه "الجامع لأحكام القرآن" من أوائل الكتب التي نهجت هذا النهج في استخراج الأحكام من كتاب الله، يستعينون بها على حل مشكلاتهم ويقيسون عليها ما جدَّ من مصالحهم.
ولعلَّ خير دليل لنا على أسلوب هذا التفسير العظيم مقدمته التي وصفها المؤلف.. قال القرطبي:
"فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشرع الذي استقلّ بالسنة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض، رأيت أن أشتغل به مدى عمري وأستفرغ فيه قوتي، بأن أكتب فيه تعليقاً وجيزاً يتضمَّن نكتاً من التفسير واللغات والإعراب والقراءات والردّ على أهل الزيغ والضلالات.
وأحاديثنا كثيرة شاهدة لما نذكره من الأحكام ونزول الآيات، جامعاً بين معانيها، ومبيناً ما أشكل منهما، بأقاويل السلف ومن تبعهم من الخلف، وعملته تذكرة لنفسي، وذخيرة ليوم رمسي، وعملاً صالحاً بعد موتي.
قال الله تعالى: {يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ}. وقال تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له"..
وبذلك يكون أهم ما يميز الجامع لأحكام القرآن:
1ـ تضمنه لأحكام القرآن بتوسع.
2ـ تخريجه الأحاديث وعزوها إلى من رووها غالباً.
3ـ صان القرطبى كتابه عن الإكثار من ذكر الإسرائيليات والأحاديث الموضوعة إلا من بعض مواطن كان يمر عليها دون تعقيب.
4ـ كما أنه كان إذا ذكر بعض الإسرائيليات والموضوعات التي تخل بعصمة الملائكة والأنبياء أو يخل بالاعتقاد فإنه يكر عليها بالإبطال أو يبين أنها ضعيفة كما فعل في قصة هاروت وماروت، وقصة داود وسليمان وقصة الغرانيق وكذلك ينبه أيضاً على بعض الموضوعات في أسباب النزول.
منهج القرطبي:
حدد القرطبي منهجه بأن يبين أسباب النزول، ويذكر القراءات، واللغات ووجوه الإعراب، وتخريج الأحاديث، وبيان غريب الألفاظ، وتحديد أقوال الفقهاء، وجمع أقاويل السلف، ومن تبعهم من الخلف، ثم أكثر من الإستشهاد بأشعار العرب، ونقل عمن سبقه في التفسير، مع تعقيبه على ما ينقل عنه، مثل ابن جرير، وابن عطية، وابن العربي، وإلكياالهراسي، وأبي بكر الجصاص.
وأضرب القرطبي عن كثير من قصص المفسرين، وأخبار المؤرخين، والإسرئيليات، وذكر جانبا منها أحيان، كما رد على الفلاسفة والمعتزلة وغلاة المتصوفة وبقية الفرق، ويذكر مذاهب الأئمة ويناقشه، ويمشي مع الدليل، ولا يتعصب إلى مذهبه (المالكي)، وقد دفعه الإنصاف إلى الدفاع عن المذاهب والأقوال التي نال منها ابن العربي المالكي في تفسيره، فكان القرطبي حرا في بحثه، نزيها في نقده، عفيفا في مناقشة خصومه، وفي جدله، مع إلمامه الكافي بالتفسير من جميع نواحيه، وعلوم الشريعة.
وكان أبو عبدالله حريصاً إذا استفاد من قول أن يضيفه إلى قائله، وإذا أورد حديثاً أن يذكر رواته، وكان يكرر دائماً: "إنَّ من بركة العلم أن يُضاف القول إلى قائله".
المآخذ على تفسير القرطبي:
ما يؤخذ على كتابه في التفسير(الجامع لأحكام القرآن) نقول: مع أن تفسير القرطبى رحمه الله من أعظم التفاسير نفعاً إلا أنه لم يخل من بعض هَيْنَات - والكمال لله وحده - كان يمر عليها من دون تعليق أو تعقيب.
ومـن أمثلـة ذلك:
ماذكره من الإسرائيليات عند تفسيره لبعض الآيات ومنها ماذكره عند تفسير قوله تعالى:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر:7].
فقد ذكر أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش إلى غير ذلك من الأخبار الخرافية.
كما لم يخل كتابه من الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة التي تحتاج إلى إنتباه أثناء مطالعة الكتاب.
وهكذا عاش أبو عبد الله القرطبي حياته، من مأساة الأندلس، التي تركها في ريعان شبابه، إلى سفره مصر، واستقراره بالصعيد، طلب العلم على علماء عصره، وكبار المحدثين، وكان من عباد الله الصالحين، أشغل عمره بالتفسير، فأخرج للناس درة التفاسير، وأصبح كتابه مرجعًا للكثيرين ممن جاء بعده، عمر وقته بالعلم والدعوة والعبادة حتى أتاه اليقين.
آراء العلماء فيه:
ذكره ابن شاكر الكتبي، فقال: " كان شيخًا فاضل، وله تصانيف مفيدة، تدل على كثرة إطلاعه،و وفور علمه "
قال الذهبي: (رحل وكتب وسمع، وكان يقظًا فاهمًا حسن الحفظ، مليح النظم، حسن المذاكرة، ثقة، حافظًا)،وقال عنه في تاريخ الإسلام: إمام متفنن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة، تدل على كثرة إطلاعه ووفور عقله وفضله... سارت بتفسيره العظيم الشأن الركبان، وله العديد من المؤلفات التي تدل على إمامته وذكائه، وكثرة اطلاعه.
وذكر ابن عماد الحنبلي في شذرات الذهب عن القرطبي: "كان إمامًا علمًا من الغواصين على معاني الحديث، حسن التصنيف، جيد النقل "
وفاتـــه:
وفي " منية الخصيب" بصعيد مصر، كانت وفاة عالمنا الجليل ليلة الاثنين التاسع من شهر شوال سنة 671 هـ وقبره بالمنيا بشرق النيل[b]