ما هو الكذب كمفهوم... ؟ ولماذا يكذب الأطفال.... ؟ وهل يختلف كذب الأطفال عن كذب آبائهم الكبار ؟ … ؟ ؟
الكذب كمفهوم هو الانحراف عن الصدق في القول والعمل والسلوك والقصد (النية) كمحاولة غير سوية وأسلوب اضطرابي لتغطية الأخطاء والقصورات ونكران الذنوب نكتسبه من تفاعل عوامل عدة أسرية، مدرسية ، مجتمعية، إعلامية .. إلخ
إلا أن الكذب عند الأطفال يختلف في تصنيفاته وبعض مظاهره عنه لدى الكبار، فغالباً ما يدرك الأباء خطأ أن التفكير الخيالي والتفكير الخرافي عند الطفل بأنه نوع من الكذب ويؤنبونه على ذلك بل الأكثر من ذلك يصفونه بأنه كاذب ، وفي حقيقة الأمر ما ذلك التفكير إلا نوع من الذكاء الممتاز لدى الطفل ودلالة على التقدم في النمو العقلي أي أن الطفل ينمو عقلياً بشكل مثالي وهو في حاجة لنا لكي نفهم سلوكه وتفكيره لا أن نحبطه ونعيق ذكائه ، فالطفل عندما يتسع خياله وتتفتح قدراته الذهنية وخاصة في العمر 3 – 5 سنوات يختلط لديه الواقع بالخيال ويروي قصصاً خيالية باعتبارها أحداث واقعية دون أن يقصد الكذب أو تشويه الحقيقة ( كما يتهمه خطأ وظلماً الكبار ) فهو عندما يقول بأنه قتل الأسد أو أن خاله المسافر أتى أو أنه ذبح الدجاجة أو سلم على مذيع ما ، أو أنه قضى على أربعة لصوص .. فهو طفل ذكي وليس بطفل كاذب كذلك الحال في التفكير الخرافي الذي يكون نتيجة ضعف القدرة على التمييز بين الواقع والإدراك كأن يحاول الطفل سرد قصة خرافية بواقع موضوعي " مثلاً عندما يروي الطفل ذهب إلى الفضاء ، أو أنه رأى العفريت أو الغول ، أو أنه ذهب إلى مدينة بعيدة .. " وهذا التفكير هو أمر طبيعي بل هو في الاتجاه الإيجابي لذكاء الطفل ولنموه بشكل عام فإذا ما وصفناه بالكذب فإننا سنجرم في حق الطفل ونقف عائقاً في طريق ذكائه وندفعه نحو الانحراف واللاسواء .
ولعلني لا أبالغ إن قلت أن أول كذبة يدركها الطفل من أمه هي "ااالسكاته" فيأخذ رضيعنا الوليد "ااالسكاته" من يدي أمه ويضعها في فمه أملاً في الارتواء من الحليب .. ولكن لسوء حظه لن يأتي الحليب حتى ولو استمر في "مطمطة" السكاته طول العمر، وهو ما يعني إحباطاً شديداً يدركه الطفل "إحباط نفسي + جسدي" وأيضاً أول صورة مشوهة يدركها الطفل عن أمه فيقول في قرارة نفسه البريئة " أهل يعقل يا هاته الأم "المصنعة المنعة" ذات العرض والطول تخادعني "العين في العين" وبكل هذا الإجحاف والتسلط ..
كذلك الحال عندما تستقبل أمه ضيفة ما أو يستقبل أبيه ضيف ما بالحب والأحضان والكلام المعسول وبأطباق الحلوى والفواكه، ثم ما أن يغلقا الباب خلف هذا الضيف حتى يكيلا له من الكلام السيئ والنميمة المستمرة ما تعجز عن حمله الجبال والسهول .. والطفل الوديع المتواجد في المكان هو الضحية الأولى لهذا السلوك فهو في حيرة من أمره … لماذا أبي وأمي .. يتبدلان كالحرباء من حال إلى حال "سبحان مغير لحوال" فهو أما أن يتشرب من والديه هاته السلوكيات ويبدأ خطواته المسرعة نحو الكذب وأما أن يكبت في داخله حسرة وخوفاً وألماً وبالتالي … يركب صعوبات الطريق …
لذلك فغياب القدوة الحسنة ( من الآباء والأمهات والمدرسين، ووسائل الإعلام .. ورجال الدين..) والنفاق الاجتماعي وانهيار القيم الأخلاقية وطغيان المصالح المادية وفقدان الوازع الأخلاقي كلها عوامل تخلق أرضية خصبة لتعلم الكذب .
وقد يأخذ الكذب شكل الكذب الدفاعي "محاولة الخروج من موقف معين أو مأزق معين" كأن يقول ليس هو من كسر الإناء أو فتح الباب ..، وقد يكون على شكل كذب انتقامي كأن يقول إنه لم يكسر الإناء ( في حين أنه هو الذي كسره ) وإنما أخيه الأصغر والذي يغار منه هو الذي كسر الإناء "يعمد إلى الإيقاع بأخيه لإنزال العقاب به" ، وقد يكون الكذب إدعائياً "كإدعاء المرض لعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة، قد يكون كذب تعويضي" وخاصة عند إحساسه بالنقص الجسمي، النفسي، الاجتماعي، الاقتصادي، وقد يكون كذباً مقصوداً كأن يكذب خوفاً من العقاب أو كذباً لا شعورياً نتيجة دوافع لا شعورية لا يعي بها الطفل "ككراهية لوالديه، أو مدرسيه أو أسرته" ولنساعد الأطفال على التغلب على هذه المشكلة علينا الكشف من دوافعهم اللاشعورية في وقت مبكر، القدوة الحسنة، إعطائه الفرصة في كذبته الأولى وتشجيعه على الصدق والأمانة دون عقاب أو تخويف .. تشجيع الطفل على ممارسة هواياته وألعابه بكل حرية، معرفة مظاهر النمو المختلفة لدى الطفل، ولا بأس من الاستعانة بالمختصين في هذا المجال، تنمية قيم الخير والصدق.