ربما يكون المطرب الكبير محمد منير هو الوحيد بين نجوم الغناء العربى الذى استطاع أن يحول دفة وشكل الغناء من إطاره التقليدى إلى اتجاه آخر.
كل أبناء جيله اتجهوا إلى بليغ حمدى الذى كان يمثل فى ذلك الوقت الفاترينة الذهبية لعرض أى صوت موهوب، لكنه اختار فنانًا نوبيًّا لم يكن يتمتع بأى شهرة وقتها؛ لكى يكون السند ورفيق البدايات، والتقى فى ذلك الوقت المنتج هانى ثابت الذى كان عائدًا من أوروبا، وكانت لديه رغبة فى تغيير شكل الغناء كمنتج فنى، ووجد فى منير الصوت والفكر الذى يبحث عنه. ومنذ ذلك الوقت أصبح منير هو الجسر الذى نعبر من خلاله نحو كل ما هو غير تقليدى فى الغناء.
خلال هذا المشوار الطويل حقق قاعدة جماهيرية ضخمة تضم شرائح مختلفة فى الفكر والثقافة.
الشىء الأهم فى شخصية منير الفنية أنه يصنع الموسيقى، التى تتوافق مع فكره، ولا يترك نفسه للموسيقى لكى تصنعه؛ لذلك ظل نجمًا طوال 32 عامًا، فى الوقت الذى ظهرت فيه أسماء واختفت أخرى.
يستعد منير الآن لمغامرة جديدة بطلها هذه المرة عمل للراحل الكبير عبدالحليم حافظ، هى أغنية «عدى النهار».. ما الذى دفعه فى هذا الوقت لكى يغنى للعندليب الأسمر؟
طرحت السؤال على منير.. فقال: منذ فترة طويلة وأنا أحاول غناء عمل للراحل الكبير عبدالحليم حافظ، ولا أخفى عليك، كنت متخوفًا منه أو مترددًا إلى أن وجدت السبب أو «التلكيكة»، كما وصفها أحد الأصدقاء.
< ما السبب أو «التلكيكة»؟
ــ فوجئت باتصال من الشاعر الغنائى الكبير عبدالرحمن الأبنودى، يطلب منى أداء تتر بداية ونهاية البرنامج الذى يتناول مشوار حياته، ووجدته يقترح علىّ أغنية «عدى النهار». ووجدت نفسى أوافق بمجرد عرض الأمر لأننى أحب الأبنودى كشاعر له تاريخ طويل، ولا أستطيع أن أرفض له طلبًا، والشىء الثانى «التلكيكة» التى ذكرتها.
< لكننى علمت أن أغنية «المسيح» كانت ضمن الأعمال المرشحة لأدائها؟
ــ هذا صحيح، لكن هناك أسبابًا وراء رفضى لأدائها رغم حماسى فى بداية الأمر.
< ما هذه الأسباب؟
ــ شعرت بأن بها قدرًا من العنصرية عند ذكر كلمة اليهود لأن اليهودية ديانة، ولو أن الأبنودى ذكر الصهاينة أو إسرائيل مثلًا لاختلف الأمر.
< هل لهذا السبب لم يغن عبدالحليم حافظ هذه الأغنية سوى مرة واحدة؟
ــ ربما، لكن هذه وجهة نظرى الشخصية.
< هناك أعمال أخرى سوف تؤديها فى هذا البرنامج؟
ــ هناك أغنية «ساعات ساعات» للسيدة صباح، والألحان للموسيقار جمال سلامة و«عدوية» للراحل محمد رشدى، لكن هذه الأغانى لن تغنى كاملة. مقطع تقريبًا من كل أغنية ندلل به على موقف أو حكاية يرويها شاعرنا الأبنودى.
< بمناسبة ذكر عبدالحليم حافظ.. هل التقيته قبل رحيله؟
ــ لا.
< عبدالحليم حافظ لم يكن الصوت الأفضل بين نجوم جيله، لكنه أصبح نجم الأغنية الأول.. لماذا؟
ــ الصوت فى الغناء مهم، لكن هناك أمورًا أخرى مثل الذكاء، والإحساس، والقدرة على الاختيار. فكلها مقومات نجاح امتلكها حليم.
<لماذا يخاف البعض من أداء أعماله رغم أنها ليست الأصعب؟
لأن إحساسه صعب تكراره.
< علمت أن هناك فيلما جديدا يتناول مشوار حياتك؟
ــ هذا صحيح اسمه المغنواتى، وهناك جلسات مع بلال فضل المرشح لكتابة السيناريو.
< لكننى أعلم أنك ترفض ذكر تفاصيل حياتك الخاصة؟
ــ هذا صحيح، حياتى الشخصية ملكى ولا يجوز لأحد التطرق إليها، وهذا ما ذكرته لبلال، ثم إن ثراء حياة الفنان ليس فى أموره الشخصية، لكن فى كيفية وصوله للنجاح، والصعاب التى واجهته. هذا ما يهم الناس وهذا ما أريد أن يعلمه الناس.
< البعض انتقد ظهورك فى الحفلات الرسمية على اعتبار أنك لا تنتمى لمطربى السلطة؟
ــ هذا ثالث حفل أشارك فيه أمام الرئيس مبارك، ولا أعرف لماذا اعترض البعض؟ فهو رمز الدولة وشرف لأى مطرب المشاركة فى الحفلات الوطنية ثم إننى مطرب الناس كلها.
< قلت فى أحد حفلاتك إن فترة تجنيدك أحد أسباب انتشارك؟
ــ هذا صحيح، كنت أنا وعلى الحجار دفعة واحدة، وكنا نغنى للجنود فى كل مكان فى مصر، وبالتالى خرجنا من الجيش ومعنا قاعدة قوامها ما يقرب من 500 ألف مصرى، وهذا العدد كان كافيًا لانتشارنا.
< لماذا قررت تخصيص إيراد حفلك المقبل بالأوبرا لصالح الهلال الأحمر المصرى؟
ــ من حقى أن أعمل من أجل وطنى أولا، ولذلك قلت إيراد هذا الحفل يجب أن يكون نواة لصالح المخزون الاستراتيجى للهلال الأحمر، وهذا الصندوق يهدف إلى مواجهة أى كارثة طارئة تحدث فى مصر لا قدر الله، والكل يعلم أن الكوارث أشياء قدرية، والدليل ما حدث فى الدويقة، حيث سقطت الصخرة بدون سابق إنذار؛ لذلك علينا أن نستعد لأى كارثة، وكل فنانى العالم يعملون من أجل أوطانهم أولا.
< هل هذا معناه أنك تشعر بالخطر؟
ــ يجب أن نشعر بالخطر، فنحن لدينا ٥ ملايين طفل تحت الكبارى من الممكن أن يكونوا نواة مجرمين.
< لكن البعض قد يفسر هذا الاتجاه فى ذلك التوقيت على أنه اتجاه ضد مساعدة غزة؟
ــ قلت إن قلبى ممزق بسبب غزة، وإن غزة كانت جرس إنذار. لكن مصر أولًا، وقبل أى شىء، وهذا ليس عيبًا، والمتابع لمشوارى سوف يجد أننى بدأت مشوارى بالغناء للقدس عام 1978، ثم شجر الليمون عام 1981، وأتحدى لياليك يا هروب عام 1984 و«العمارة» عام 1988 فى قمة الانتفاضة، والخواجة بن لمريكا عام 1991، ودورى لم ولن ينتهى، وفلسطين فى قلوبنا جميعا.
< علمت أن فريق Ich und Ich فى طريقه لعمل ثنائى معك؟
ــ مؤخراً حضر لى أحد أعضاء الفريق. وأبحث الآن عن عمل مختلف يضيف لنا. خصوصا أن هذا الفريق له شعبية فى ألمانيا وأوروبا كلها.
<ما نوعية العمل؟
ــ مصرى نابع من طين مصر لأن العالم أفلس غنائيا.
< بليغ حمدى كنت قريبا منه فى بداية ظهورك كيف كانت علاقتك الفنية به؟
ــ علاقتى ببليغ حمدى كانت جيدة. لكن الغريب أننى عندما ذهبت له أول مرة لم يكن من أجل لحن، لكننى ذهبت إليه لكى ينتج لى.
< وهل كان بليغ يمتلك شركة إنتاج؟
ــ كان يمتلك شركة اسمها B.M.W، وهى الأحرف الأولى لاسمه، واسم وردة. وذهبت مع مجموعة كبيرة منهم على الحجار، ومحمد الحلو وآخرون، لكننى اتجهت لشركة أخرى.
< ما أسباب اتجاهك لشركة أخرى؟
ــ كانت بداخلى رغبة فى تقديم غناء مختلف، وبالفعل التقيت المنتج هانى ثابت، الذى كان عائدا من أوروبا، ويريد تغيير شكل الإنتاج. والتقت أفكاره أفكارى عن طريق إنسانة قريبة لى كانت تقوم بإعداد بحث عن الأغنية النوبية، وكنت أنا الشخصية التى اختارتنى كنموذج للرسالة.
< غنيت مثل كل جيلك فى شارع الهرم.. لماذا اتجهت للغناء فيه، ولماذا توقفت بعد ثلاث سنوات من العمل هناك؟
ــ أول مرة غنيت فيه فشلت فشلًا كبيرًا، وبعدها أصبحت نجم هذا الشارع، وتوقفى عن الغناء فيه كان سببه أن معالم الشارع تغيرت فنيا، ووقتها قررت اعتزاله.
< هل تتذكر أول حفل جماهيرى اشتركت فيه؟
ــ كان فى الجامعة الأمريكية مع أنوشكا، وفشل أيضا. لكن بعد ذلك الأمر تغير تمامًا.
< عندما تغنى من التراث لماذا تصمم على صبغته بالشكل العصرى؟
ــ أولًا يجب أن نستفيد مما وصل إليه العصر، وعلينا أن نواكب ما وصل إليه العالم كله، ثم إننى أحافظ على قوام الأغنية.
< ما قواعد اختيارك للأغانى التراثية التى تغنيها؟
ــ أغنى الأعمال التى أسهمت فى تكوين شخصيتى الفنية، وأحيانًا أجد صديقًا يطلب منى أداء أغنية معينة فى أى ألبوم جديد، لكننى أرفض لأننى أغنى ما أشعر به، وما أحبه وأستمتع به، وليس من المفروض أن ألبى رغبات الكل خصوصا إذا كانت ضد رغبتى.
< البعض يتهم جمهورك بالخروج على التقاليد العامة خلال حفلاتك؟
ــ المقصود ليس جمهورى، لكنها حرب ضدى، الكل يعلم أن جمهورى ينتمى الى كل الشرائح: الغنى والفقير، والمثقف وغير المثقف، والمصرى والأجنبى، وجزء كبير من الجمهور عائلات، وأعتقد لو أن عائلة واحدة شعرت بأن حفلاتى بها خروج على المألوف لما ازداد هذا الحضور من العائلات.
< البعض يرى أن الأقلام الصحفية تجاملك؟
ــ هذا كلام فارغ لأن الإعلام أنصفنى أخيرا وبالتحديد منذ خمس سنوات، وأنا لا أعرف سوى الأقلام الشريفة، ومن يردد أن الإعلام يجاملنى عليه بالعودة لتاريخى، ووقتها سوف يعلم أننى ظلمت كثيرا