إخواني تفكروا في الحشر والمعاد، وتذكروا حين الأشهاد : إن في الحشر لزفرات، وإن عند الصراط لعثرات ، وإن عند الميزان لعبرات. وإن الظلم يومئذ ظلمات ، والكتب تحوي حتى النظرات ، وإن الحسرة العظمى عند السيئات، فريق في الجنة يرتقون الدرجات ، وفريق في السعير يهبطون الدركات، وما بينك وبين هذا إلا إن يقال فلان مات، وتقول :رب أرجعوني. فيقال :فات.
روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث ابو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً ويلجمهم حتى يبلغ أذانهم )
وأخرجا جميعا من حديث ابي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث ( ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهراني جهنم، فقيل : يا رسول الله وما الجسر؟ قال : مدحضة ومزلة، عليه خطاطيف وكلاليب وحسك، المؤمن يعبر كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل، فناج مسلم وناج مخدوش، حتى يمر اخرهم يسحب سحبا )
لله در أقوام اطار ذكر النار عنهم النوم، وطال اشتياقهم الى الجنان الصوم، فنحلت أجسادهم، وتغيرت ألوانهم، ولم يقبلوا على سماع العذل في حالهم واللوم، دافعوا أنفسهم عن شهوات الدنيا بغد واليوم، دخلوا أسواق الدنيا فما تعرضوا لشرا ء ولا سوم، تركوا الخوض في بحارها والعوم، وما وقفوا بالاشمام والروم، جدوا بالطاعة في الصلاة والصوم ، هل عندكم من صفاتهم شيء يا قوم ؟؟
قالت أم الربيع أم حيثم لولدها : يابني أل تنام ؟
قال : يا أماه، من جن عليه الليل وهو يخاف الثبات حق له أن لا ينام .
فلما رأت ما يلقى من السهر والبكاء قالت : يابني لعلك قتلت قتيلا
قال: نعم
قالت : ومن هذا القتيل حتى نسأل أهله فيغفرون ؟ فوالله لو يعلمون ما تلقى من السهر والبكاء لرحموك
فقال : يا والدتي هي نفسي.
قيل لزيد بن مزيد : ما لنا لم نزل نراك باكياً، وجلا خائفا
فقال: إن الله توعدني إن عصيته أن يسجنني في النار، والله لو لم يتوعدني أن يسجنني إلا في الحمام لبكيت حتى لا تجف لي عبرة .
وكان أمد الشامي يبكي وينتحب في المسجد حتى يعلو صوته وتسيل دموعه على الحصى، فأرسل إليه الأمير وقال له: إنك تفسد على المصلين صلاتهم بكثرة بكائك . وارتفاع صوتك، لو أمسكت قليلا فبكى ثم قال :ان حزن يوم القيامة أورثني دموعا غزارا فأنا استريح الى ذرها :
ياعذل المشتاق دعه فإنه يطوي --- على الزافرات غير حاشكا
لو كان قلبك قلبه ما لمته --- حاشكا مما عنده حاشكا
وعوتب عطاء السلمي في كثرة البكاء فقال : إني إذا ذكرت اهل النار وماينزل بهم من عذاب الله تعالى، مثلت نفسي بينهم فكيف لنفس تغل يدها وتسحب الى النار ولا تبكي ؟
وقيل لبعضهم : ارفق بنفسك، فقال :الرفق الطلب .
وقال أسلم بن عبدالملك : صحبت رجلا شهرين، وما رأيته نائما بليل ولا نهار فقلت : مالك الاتنام ؟ فقال: إن عجائب القران أطرن نومي، ما أخرج من أعجوبة الا وقعت في أخرى .
كثرفيك اللوم فاين سمعي وهم قلبي واللوم عليك منجد ومتهم ؟
قال أسهرت والعيون الساهرات نوم، وليس من جلدك الا جلدة وأعظم، وما عليهم سهرى ولا رقادي لهم، وهل سمان الحب إلا سهر وسقم، خذ أنت في شأنك يا دمعي وخل عنهم