المناظرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اقدم لكم مناظرة الامام سيدى احمد بن ادريس رضى الله عنه مع الفقهاء المنكرين فى عصره
الفصل الاول : قبل البدء
الفصل الثاني : انعقد المجلس
الفصل الثالث : السيد يرد
قبل البدء
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الفقير إلى مولاه تعالى ، حسن بن أحمد بن عبد الله بن عاكش غفر الله له
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين ، وآله المطهرين ، وصحبه أجمعين
وبعد فقد سألني الأخ العلامة الصديق الفهامة الجليل ، المحقق النبيل : عز الإسلام ، ونور حدقة الأنام محمد بن شيخنا الشريف عبد الرحمن بن سليمان الأهدل ، مد الله أيامه ؛ أن أشرح له صورة المناظرة التي وقعت في شهر جمادى الثانية سنة 1245هـ بين شيخنا الرباني العارف بالله ، الجامع بين علمي الشريعة والحقيقة (سيدي أحمد بن إدريس الحسني المغربي) وبين الفقيه ناصر الكبيبي الجوني وبعض فقهاء عسير ؛ وهم عبد الله بن سرور اليامي ، وعباس بن محمد الرفيدي ، إذ كنت حاضر في ذلك الوقت ، وأنا أسبح في ذلك البحر ، بسبب ما ساعد البخت ، وذلك أن الله تعالى قد من علينا بقدوم شيخنا المشار إليه لبلدة صبياً في تلك المدة في شعبان سنة 1244 وكان ذلك من أجل نعم الله على هذا القطر ، وكانت صبياً في تلك المدة تحت حكم الأمير على من مجثل ، فاختارها الأستاذ للإقامة ، وقد أجرى عليه الأمير الكفاية ، وكان له في ذلك الشرف الأصيل ، والذكر الجميل ولما استقر صار كمية للقاصدين وهرع الناس إليه من كل فج ، في كل وقت وحين ، حتى كانت صبياً تضئ بالأنوار أيامها ، وتنشر على سائر البقاع أعلامها ولله در القائل
وإذا نظرت إلى البقاع وجدتها تشقى كما يشقى الرجال وتسعد
وكان يحضر لديه جماعة من علماء تهامة ، وكنت أنا من جملتهم ، وله في اليوم مجلسان مجلس بعد الإشراق حتى يتعالى النهار ، ومجلس بعد العصر حتى وقت المغرب ، وكان يحضر في ذلك الوقت أمم من الناس فينثر عليهم درر الفوائد في البكور والآصال ، على قدر مقام السائلين ، ويعطي كل أحد جوابه على قدر مداركه ، بحسن عبارة لها الجمادات تلين .
وكان الفقيه عبد الله بن سرور مقيماً في صيبا ، ويحضر مجلسه في غالب الأوقات وينفر طبعه مما يسمع من كلام الأستاذ الإمام ، ويشمئز ثم يكثر من الأسئلة ، فأتولى الجواب على سؤاله عن الحاضرين ، لتخريج العبارة على وجه يقبله ذهنه ، ولهذا السبب وجد المنكر على الجانب الإدريسي من الجامدين على الظاهر باباً للقيل والقال ، أما أهل الدراية ومن يعرفون مصطلح السنة والكتاب ، فيعرفون أن طريقته جارية على صحيح الكتاب والسنة ، وفي الحقيقة إنه لم تصدر منه إلا علوم زاخرة ، ومعرف باهرة لأنه من العلماء الربانيين فإني بحمد الله قد لازمته ، وأخذت عنه علم الطريقة وعثرت من معارفه على زبد الحقيقة ، فهو رباني هذه الأمة المحمدية ، وقطب دائرة الولاية الأحمدية ، التي لم يصل إلى مداها أحد من أهل عصره ، ولم يتحل بحلى معارفه عالم من علماء دهره . قد خاض في بحر من العلوم بتوفيق القدير ، فدع قول غيري ممن مال عنه ، وخذ بقولي فلا ينبئك مثل خبير
والفقيه عبد الله بن سرور هذا ممن حفظ القرآن ، ولم يتفقه إلا بشئ يسير أخذه من بعض علماء تهامة ، ولم يتمكن في العلوم ، حتى يميز بين المعلوم والموهوم ، واتخذ بلاد عسير وطنالة ، ودان بمعتقد الطائفة النجدية أي الذين هم على مذهب محمد بن عبد الوهاب في إطلاق الشرك الأكبر على جميع الأمة المحمدية ، من غير تفريق بين الموحد منهم والمشرك الذي يعتقد النفع والضر في غير الله تعالى ، وقد حدثت بين المتقدمين من أمرائهم وقائع مختلفة بسبب هذا الاعتقاد ، حتى سالت بها سيول من الدماء ، في هذا القطر التهامي . كما هو مسطر في تاريخ علماء اليمن ، ومعلوم بالتواتر لمن عقل ، وليس العهد ببعيد
فتلقى الفقيه عبد الله تلك الكلمات من بعض أولئك الأتباع ، في مجلس أصحاب شيخنا السيد أحمد نفعنا الله به وعرضها على ما بلغ إليه علمه ، فأعتقد أنها خارجة عن معتقده ، وأنها ليست من العلوم التي دان بها هو وأهل بلده ومازال يراجعني فيما كان يسبح . وأرشده إلى ما يصون عرضه ودينه ، فلم يذعن لنصائحي ، وقد تحقق أني لا أقبل منه طعنة في شيخنا ، رضي الله عنه .
ومازال يصرح أن السيد أحمد بن إدريس يعتقد مذهب ابن العربي من الاتحاد والحلول ، يعني أن الله تعالى يحل في كل صورة ، ويتحد بها . وهذا كفر ، وهو مذهب النصارى تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وقد كتب نسخة حصر فيها اعتراضاته على شيخنا
منها اعتقاده بهذه النحلة الكفرية ، وأن أصحابه يبالغون في تعظيمه بما يقرب من عبادة الخالق ، من تقبيل يديه ورجليه ، والخضوع الزائد له وأنهم يحملونه على السرير إلى بيته إذا خرج ، ولا يرضون مشياً على الأرض إكباراً وتعظيماً ، وأن هذا عين الشرك ، لأنه لا يستحق التعظيم بمثل ذلك إلا الله تعالى
وإن أصحابه قد أشركوا بمثل هذا الفعل ، وأن إقرارهم عليه خطأ ، وأنه اعتقاد مذهب ابن العربي كفر كما كفره بذلك طائفة من العلماء
وأن السيد أحمد يفسر القرآن بغير ما تدل عليه اللغة العربية ، مما لا تقتضيه دلالة الكلام ، على اختلاف أنواعه
وأنه يؤخر صلاة العصر حتى تصفر الشمس ، ويصلي فريضة المغرب بقرب صلاة العشاء ، بسبب تطويل الركعتين قبل صلاة المغرب وكلا الأمرين منهي عنه
وأن بعض أصحابه يصحب الأحداث ، ويستحسن مجالسة أهل الصورة الحسنة من المراد ، وربما جرى من بعضهم الفاحشة
وان منهم من يختلي بالأجنبية من النساء ، ولا يحترز من المقدمات التي هي رائد الزنا
ومنهم من يقدح في علوم الشرع ، وفيما ألفه علماء الإسلام من أصل وفرع وهذه أمور لا يحل لأي أحد السكوت عليها ، ولا يليق ولي الأمر أن يتغافل عنها
ولما كتب عبد الله بن سرور هذه المسائل في رسالة . بعث بها إلى الأمير على بن مجثل فأرسلها الأمير أولاً إلى الشيخ العلامة إبراهيم بن أحمد الزمزمي ، وهو من العلماء الراسخين في العلم . وبعد إطلاعه عليها أرشد الأمير إلى إعدامها وتمزيقها ، وألا يصغى إلى شئ مما فيها ، ويزجر مؤلفها ويمنعه من التعرض لما لم يبلغ إليه فهمه . فلم يصغ الأمير إلى كلامه ، واستحسن رأي (مطاوعته) مثل الفقيه ناصر الكبيبي الذي تولى تقرير ذلك الأمر في الاعتراض واعتقد أن ذلك من نصرة الدين . حتى أدى الحال إلى أن الأمير أرسل كتاباً يخطه إلى السيد محمد بن حسن بن خالد . عامل صبياً يشير عليه بأن من يتبع أقوال السيد أحمد بن إدريس من اصحابه يؤمر بالخروج من صبيا . ويسفر إلى البلاد البعيدة . فلم يستحسن ذلك الصنع . بل راجع الأمير هو وبعض علماء الجهة في عدم استحسانه هذا الرأي . أما ناصر الكبيبي هذا فذو دعوة عريضة في العلم . وليس هو في الحقيقة كمستواه ، وإنما هو ذو مكر ونفاق . وقد خدع بمكره ونفاقه من لا يدري الحقائق . ولو أنه جلس بين يدي من يرشده إلى الصواب لرجع عن تخطئة غيره ورميه بكل مكروه فلما نزل الأمير من السراة إلى أبي عريش لجهاد الأتراك الموجودين فيه ، ووصل إلى صبيا أعاد الخوض في هذه المسألة فقام ناصر الكبيبي ؛ وقال للأمير أنا أقوم بمناظرة السيد أحمد بن إدريس ، وأورد عليه المسائل التي نسبها إليه عبد الله بن سرور ، وإلى أصحابه ، وبعد استقرار الأمير بصبيا استدعى يجمع من العلماء من أهل المخلاف الموجودين بصبيا ، فممن حضر من علمائهم وأعيانهم السيد يحيى بن النعمي ، والسيد العلامة على بن محمد بن عقيل الحازمي ، والسيد العلامة عيسى بن على ، والقاضي العلامة عبد الله بن محمد السبيعي ، والقاضي العلامة إسماعيل بن بشير ، والسيد العلامة على بن محمد الشوش . والفاضل السيد حسن بن محمد بن عبده ، والفقيه محمد بن عبده الجاوي ؛ وغيرهم من فقهاء البلد . وكنت ممن دعى إلى حضور ذلك المجلس فحضرت ولما تم اجتماع من ذكروا كافة بحضرة الأمير على طلب إحضاء فقهائه . فحضر ناصر الكبيبي . وعبد الله بن سرور . وعباس بن محمد الرفيدي وقال الأمير : إني لم أجمعكم إلا لما قد علمتم ما نحن عليه من الدعوة الإسلامية وإنا قائمون في تجديد التوحيد . وهدم الشرك وهذه رسالة كتبها عبد الله بن سرور ، فيها حوادث جارية مما ينافي التوحيد . ويقدم في جانب الإسلام وأهله . والمقصود إطلاعكم عليها . فإنا لا نقول ولا نفعل إلا بقول أهل العلم ، فقرأت تلك الرسالة في ذلك المجتمع . وتولى قراءتها الفقيه يحيى كاتب الأمير
وبعد أن ألقاها تماماً قال الأمير : ما تقولون ؟ فبادر السيد على بالجواب وقال : هذه الأمور لم تكن صادرة من السيد أحمد . فعارضه ناصر الكبيبي قائلاً : لا تقل السيد أحمد ، فإن السيد هو الله . بل قل الشريف أحمد أو أحمد ابن إدريس . فقال له قد قال r لبسطه الحسن " إن ابني هذا سيد " وقال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ " قوموا لسيدكم ، ولفظ السيد إطلاقه في الشرع شائع لا محظور فيه
فقال الأمير ليس هذا من مقصدنا ، إنما القصد أن تتكلم يا علي . فقال على ابن محمد بن على : أنا عرفت السيد أحمد بن إدريس أيام مهاجرته في مكة سنة 1236هـ . وهو من العلماء الأكابر ، ولا نظير له فيما علمنا بالأقطار الإسلامية ، في معارفة في العلوم الشرعية وعلوم الحقائق ، وليس يوزن بأحد من أهل هذا الزمان إلا رجحه . وقد أقر له بكمال العرفان الجهابذة من علماء الشرع الذين هم القدوة لنا في هذا الزمان . وهم مثل مشايخنا السيد عبد الرحمن بن سليمان . والقاضي عبد الرحمن بن أحمد البلهكي ، صاحب بيت الفقيه ومن في طباقتهم من علماء اليمن والشام ، ومثل عالم صنعاء القاضي محمد بن على الشوكاني الذي عرفه بالمكاتبة . وأطنب في الثناء عليه ، وأرشد الناس إلى الاستكثار من علومه . فقال إنها حديثة عهد بربها . فيما رأيته في خطاب له إلى السيد عبد الرحمن بن سليمان
وكذا السيد الحافظ عبد الله بن محمد الأمير ، وأخوه المحقق قاسم بن محمد وابن أخيه العلامة يوسف بن إبراهيم . فإذا كان مثل هؤلاء العلماء الذي تسنموا غارب الاجتهاد . وما منهم إلا وله مصنف في علوم الإسلام . وهم رضي الله عنهم أئمة نقاد . طأطأوا رؤسهم له أدباً . وأذعنوا له فماذا يكون مثل ناصر الكبيبي ، وعبد الله اليامي . الذين نسبتهما إليه كنسبة صبيان المكتب إلى الجهابذة من العلماء . فإنكارهما على السيد أحمد منكر ولا ينبغي لك أن تساعدهما على ذلك
فلما سمع الأمير قوله التفت إلى السيد يحيى بن محسن فقال له ما تقول أ،ت وهؤلاء العلماء . وكل منكم يتكلم بمفرده ، ويبدي رأيه . فهذا دين ما فيه محاباة فقال السيد يحيى : هذا الأستاذ رجل كما وصفه على بن محمد ويزيد على ذلك بأنه في الدرجة مثل السيد الصادق ، والسيد الباقر من أهل البيت ، وأنت قد نشرتم بقدومه إلى بلادكم . والآن بهذا العمل معه تكدرون المشرب فإذا لم تريدوا أن يقيم معكم في البلاد التي تحت حكمكم ، فاطلبوا منه الارتحال عنها ، لأنه قد فارق أشرف البقاع بدون هذا الإزعاج ، وأما فتح باب الاعتراض عليه من أمثالنا ، وأمثال هؤلاء الإخوان الذي تحت خدمتكم وطاعتكم ، فهو أمر لا يليق ، وحيثما توجه هذا السيد الإمام لقي الإكرام وقد سبح في بحر لسنا من الذين يخوضون فيه ، وما هلك من عرف قدر نفسه ، بل يكون ذلك من باب اعتراض من لا يدري على من يدري ، وهذا هو الجهل البسيط
وقال عبد الله السبيعي وكان في طبعه حدة أنا بحضرتكم الآن وبموافقة هؤلاء الأعلام أناظر لكم ناصر الكبيبي وعبد الله ، وما اسألهما إلا عن بعض مسائل من ظواهر الشرع في باب الطهارة والمواقيت ، فإن أجابا على الصواب عرفت أنهما عالمان ، وحسن إطلاق (لفظ) عالم وفقيه عليهما وإن عجزا عن مناظرتي أيقنت أنهما عاجزان عن مناظرة سيدي أحمد بن إدريس ، حيث إنه البحر الذي لا ينزف
وقد صوب كل الحاضرين هذا الرأي ، وتكلم كل أحد عن نفسه مستحسناً ما قرره هؤلاء العلماء
فغضب عبد الله بن سرور وكان فيه طيش ، وقال للأمير إن هؤلاء الناس قبل أن يصلوا إليك ، تواطأوا على هذا الرأي فيما بينهم ، ثم التفت إلى الجماعة وقال لهم أنتم يا علماء تهامة ، ألا تغضبون لهذه المنكرات الصادرة من أصحاب السيد أحمد ، وعندكم عقائد في الصالحين ، تخافون من السيد أحمد ولا تخافون من الله ؟ فقال له بعض الحاضرين من العلماء إن هذا الكلام سفه ، فالغضب لله تعالى يكون عند وجود المنكر ، وفعل السيد معروف ، وأنت قد خلطت المعروف بالمنكر ، وأردت أن نساعدك عليه ، وقد برأنا الله سبحانه وتعالى من أن نرضى مخلوقاً فيما يغضب الخالق ، أو نقر باطلاً ، ولكن رأينا أن افتراء المعائب على مثل هذا السيد الإمام مما تعجل عقوبة المفتري عليه ، وأما قولك إننا نخافه فهو في غير محله ، لأنه لم يكن بيده سيف ولا سنان ، بل إن سلاحه الذي يحارب به المعاندين والمكابرين أدلة السنة وقطعيات القرآن ، وسهام الأدعية التي لا تخطئ مستحقاً وقد جاء في الحديث الصحيح " من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) وإذا لم يكن العلماء أولياء لله فما في الدنيا ولي . ومن بارز الله تعالى بالمحاربة فقد هلك
فقال الأمير نحن مالنا في جدالكم وخصامكم شئ ، وإنما نلزمكم في هذه الليلة أن تتوجهوا ومعكم ناصر الكبيبي ، وعبد الله بن سرور وتعقدوا مجلس المنازرة بينهما وبين السيد أحمد بن إدريس بوجودكم ، والحق أكبر من كل أحد ، ولا نقر أحداً في بلادنا على الباطل ، وحبل الدين متين ، فتفرقوا على هذا الاتفاق من عقدة مجلس المناظرة ،
إنعقد المجلس
ولما جاء وقت الاجتماع عين الأمي رطائفة من خواصه من عسير ، ليحضروا وقت المناظرة ، فأقبلوا وهم يحفون بالفقيه ناصر الكبيبي ، والفقيه عبد الله . ولما وصلوا إلى مكان السيد أحمد بن إدريس وجدوه جالساً على سرير وبين يديه من ذكر من علماء تهامة ، وتلاميذه كافة فعند وصولهم صافحوه وحفوا بسريره من كل جانب وجلس ناصر في صدر السرير وبالجانب الشرقي محمد بن حسن بن خالد والسيد علوان بن محمد ، وكثير من سادات المخلاف ، وكبار بني شعبة وبالجانب الغربي عامة الناس ، فلما غص المجلس بالحاضرين ، تنحنح ناصر الكبيبي . وابتدأ بخطبة في الوعظ على عادة النجديين (الوهابيين) وثنى بشرح دعوة النجدي . وكان استهلال كلامه إن الناس كانوا في جاهلية يعبدون الأصنام ، ويستحلون المحرمات فتجرد للدعوة محمد بن عبد الوهاب
فقال السيد أحمد صواب هذا الكلام : فبعث الله رسوله محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام لأنه هو الذي أنقذ الناس من الجهالة . وتحمل أعباء الرسالة ، وشرع شرائع الإسلام ، فقال الكبيبي ، : محمد بن عبد الوهاب مجدد الإسلام . فقال السيد أحمد إنا لا ننكر فضله ، وله مقصده الصالح فيما صنع وقد أزال بدعا وحوادث ، ولكن شاب تلك الدعوة بالغلو ، وكفر من يعتقد في غير الله تعالى من أهل الإسلام واستباح دماءهم وأموالهم بلا حجة فقال الكبيبي ، ما فعل إلا ما هو الصواب ، فقال السيد أحمد هو عالم من العلماء والعصمة مرتفعة عن غير الأنبياء ، وهو يخطئ ويصيب ، فإن أصاب فله أجرام ، وإن أخطأ فله أجر ، وهو معفو عنه في خطئه ، ولكن لا يحل لكم أن تقلدوه فيما أخطأ فيه ، لأن ذلك مبلغ علمه ، وما وفق له ، ولم يكلفه الله إلا بذلك ، وأنتم مع هذا بمعزل عن أخذ دليله ، ومعرفة سبيله . فقال الكبيبي الشرك الأكبر قد عم الأقطار كلها . والناس كلهم قد رأوه . وضعف الإسلام في المشرق والمغرب . واليمن والشام . ولولا أن الشيخ محمدا جدد الإسلام . لكان الناس قد غرقوا في ظلمة الكفر . فقال السيد أحمد معاذ الله تعالى . ما كان هذا مذهب الشيخ محمد . أنا تعرفت في مكة بأولاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب عبد الله وحسين وسليمان . وكذلك تعرفت بمسعود بن عبد العزيز فرأيته رجلاً عالماً . ومن ذكرتهم لك علماء يعرفون الحجة ويلتزمون اللوازم عند واضح المحجة . ولم يكن اعتقادهم ما أنت عليه . وهم بريئون مما تنسبه إليهم . وإنما أنت نشأت في بلدة أهلها عوام . وما عرفت من يرشدك إلى الصواب . بل حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء . وهذه الأمة المحمدية . الحكم عليها كلها في جميع الأقطار الإسلامية بالشرك الأكبر والضلال العام . يرده صريح الأدلة ، وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن أمته نصف أهل الجنة . هذا مع ترادف القرون من لدن آدم صلوات الله عليه . إلى بعثة نبينا r في ألوف من السنين ، وهم أمم متكاثرة ، لا يعلمهم إلا رب العالمين ، ومع هذا فهم نصف ، وهذه الأمة المحمدية نصف ، فزن كلامك بميزان الشرع ، لتعرف الخطأ من الصواب ، فقال ناصر هذه المشاهدة والقباب الموضوعة في اليمن ، ليست إلا الاعتقاد في أهلها ، فقال السيد أحمد لاشك أنه وقع من كثير من العامة ، ومن هو قريب منهم من الخاصة شئ من العقائد المفضية إلى الشرك ، وتنوسي الشرع المحمدي بسبب إهمال الملوك لذلك ، وعدم استماعهم لإرشاد أهل العلم ، والدنيا مؤثرة في كل زمان ومكان ، وأما خواص الأمة ، ففيهم طائفة من العلماء وغيرهم ، لا يزالون ما بقيت الدنيا قائمين على الحق ، يحفظ الله بهم الشرع ، فهم منزهون عن الشرك ولا يخلوا قطر من الأقطار منهم ، فلا يصح لكم الحكم بالشرك على الأمة جميعها بسبب من جهل من عوامهم ، ومن لم يتقيد بالشرع من خواصهم ، ومن كفر مسلماً فقد كفر بنص الأحاديث ، وأما القباب والمشاهد ، فهي بدعة منافية للشرع المحمدي ، لم يحدثها على القبور سوى جهالة الملوك ومياسير العوام من غير مشاورة العلماء ، والباطل لا قيد له . فوجم ناصر ، وأحصر عن الجواب ، ثم قال يا أحمد إنك لا تعرف الفرق بين الدينين . فقال السيد أحمد لا إله إلا الله هي الفرق بين الدينين ، ويا سبحان الله المثلى يقال هذا المقال ؟ وإنما أنت رجل محمول على السلامة ، لكونك ساكناً في البادية ، وفي الحديث (من سكن البادية فقد جفا) وقد خاطب جفاة الأعراب سيد الخليقة صلى الله عليه وسلم بما كدر خاطره فصبر ، ولنا به أسوة حسنة ثم قال ناصر ، أنت تعتقد نحلة بن العربي ، وهو يقول بوحدة الوجود ويصوب فعل إبليس ، لما ترك السجود لآدم ، وقد جعل العلماء سؤالاً في ذلك وأجاب علماء الإسلام من أهل عصر هو غيرهم بكفره ، وكفر من يعتقد مذهبه ، فقال السيد هذا ابن عربي توفي في سنة 726هـ وبينك وبين زمانه فوق الخمسمائة من السنين ، فهل شافهك بهذه المقالة ، حتى تهتك ما حرم الله عليك من رمي مسلم بالكفر ، ونحن من إسلامه على يقين ؛ فلا ننتقل عنه إلا بمثله فلا تتقول عليه ، فقال ناصر ، هذا الاعتقاد مذكور في كتبه صريحاً – فقال السيد وما يدريك أنه قائله ، لاحتمال أنه مدسوس عليه من البعض ، فاحكم على هذا الكلام إن ضاقت عليك وجوه التأويل أنه كفر ، ولا تحكم على ابن عربي أنه كافر ، لأنه لا يصح لك بأي طريق الجزم بكفره ، ولو عرفت الحقيقة ما خضت في هذا المجال الذي يضيق عنه بكل حال ، ولست من رجال هذه الطائفة ، وأهل كل فن يسلم لهم في فنهم ، وأضرب لك مثلاً يليق بالمقام ؛ رجل دخل السوق وعرف مخازنه ، وما اشتمل عليه من أنواع الفواكه والمعاطر وغيرها ، ورجل لم يدخل ذلك السوق ، فضمهما مجلس ، فاندفع داخل السوق يحدث الناس بما شاهده فيه ، ويصف الذي رآه عياناً ، وذلك الذي لم يدخله يعترض عليه فيما شاهده ، فهل هذا شأن عاقل بل يحكم عليه العقلاء بالجهل والسفه ، لأنه اعتراض بما لا حقيقة له به ، وفي مثل هذا أنشد بعضهم شعراً
فإذا كنت في المدرك غرا ثم أبصرت حاذقا لا تمارى
وإذا لم تر الهلال فلم لا ناس رواه بالأبصار
فقال الكبيبي ، وأنت يا أحمد ، الناس يقبلون يديك ورجليك ، ويضخع لك أصحابك خضوعاً لا يليق إلا لله جل وعلا ، وهذا عين الشرك فالتذلل نوع من العبادة ، والعبادة لا تجوز لمخلوق
فقال السيد أحمد إن كنت متعبداً بالشرع المحمدي فاسمع ما أقول لك ، قد صح في الحديث أن وفد عبد القيس لما وفد على النبي صلى الله عليه وسلم ، قبول يديه ورجليه ، وقد جمع بعض المحدثين جزءاً في جواز تقبيل اليدين والرجلين . وأوراد أحاديث جمة قاضية بجواز تقبيل أيدي أهل البيت وأيدي غيرهم من العلماء ، وأما قولك إن مثل هذا الفعل عبادة . فلو عرفت معنى العبادة ما قلت هذه المقالة ، العبادة في طريق . والتعظيم والأدب في طريق . فتعظيم العلماء واجب ، قال الله تعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) وقال صلى الله عليه وسلم (ليس منا من لم يعرف لعالمنا حقه) ومن حقوق العالم التأدب معه بتقبيل يديه ، ومعرفة فضله ، ومن عظم عالماً فقد عظم الله ورسوله r ، لأن العالم حامل للشرع الشريف ، فالتعظيم في الحقيقة تعظيم لما هو حامله ذلك العالم ، وقد ثبت حديث (العلماء ورثة الأنبياء) وإذا كانوا ورثة الأنبياء كان للوارث ما للموروث من التعظيم كما أن ما عليه من تبليغ الشرع عليه على أن في الحديث المذكور (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم) الخ ، فإذا كانت الملائكة الذين هم خواص الله من خلقه تفرش أجنحتها لطالب العلم ، فما قولك في غيرهم ، ممن لا يداني شيئاً من علو شأنهم ، وجاء في الحديث القدسي أن النبي r قال حاكياً عن الله تعالى (من أراد أن يكرمني فليكرم أحبائي ، قيل يا رب من أحباؤك ؟ فقال العلماء) واعلم أن سادات الناس ثلاثة ، والملائكة والأنبياء والسلاطين وكلهم عظموا العلماء ، فقد عظم الملائكة آدم عليه السلام ، وسيدنا موسى عظم الخضر ، وعظم عزيز مصر سيدنا يوسف ، ومن عظم ما عظم فهو مؤمن ، ومن استهان بذلك فهو خارج عن دائرة الإيمان ، والأعمال بالنيات فمن قصد بذلك التعظيم امتثال أمر الله تعالى ورسوله r ، فقد فاز بالحسنى ، ومن أراد معتقداً فاسداً وظهر لنا حاله ؛ وجب إرشاده إلى الصواب ، ولا نقره على معتقده الفاسد ، وأما الترفع عن تعظيم ما يستحقه العلماء ، فهو من أخلاق المتكبرين الذين قال الله فيهم (فلبئس مثوى المتكبرين) أي جهنم . فقال ناصر أما نحن فعندنا مثل هذا شرك ، فقال السيد سبحان الله ، أورد لك الأدلة ، كتاباً وسنة ، وتقول هذا شرك ، إن هذا من الضلال البعيد
فاستشاط ناصر من الغيظ ، وقال : أن الشرك تحت هذه العمة يعني عمامة السيد
فتبسم السيد وقال أن الشرك الذي هو في اعتقادك لا يضرنا نسبته إلينا ، وأما باعتبار ما عند الله تعالى فنحن على قدم راسخ في التويح ، وأنتم بارك الله فيكم عرفتم هذه النسخ التي تسمونها الأصول والقواعد ، وظننتم أن علم الكتاب والسنة هو ما اشتملت عليه تلك المختصرات وهذا من الجهل المركب ، وقد تولى الله تعالى حفظ دينه وشرعه الذي أرسل به رسوله r ، وهيأ له علماً دونوه في الدفاتر ، وصار الشرع المحمدي بعناية أهل العلم محروساً من الزيادة والنقصان ، ولو اطلعتم على ما اطلع عليه غيركم من العلم الواسع ، لظهرت لكم الحقائق ، ومشيتم على أوضح الطريق ، ولكن ضيقتم على أنفسكم فضاقت عليكم المسالك ، وقصرتم دين الإسلام على ما عرفتم . وزعمتم أنكم ناجون وغيركم هالك وهذا من ضيق العطن . وتحجير الواسع . فالله يهدينا وإياكم . ثم قال ناصر وأنت يا أحمد تفسر القرآن بغير ما دلت عليه اللغة العربية ، وقد قال تعالى (إنا أنزلناه قرآنا عربياً) وهذا تحريف لكتاب الله تعالى ، فقال السيد حاش لله أن نفسر القرآن بغير مدلوله الظاهر منه ، وهذه تفاسيرنا للآيات معروفة ، وتحمل النصوص على ظواهرها من اللغة العربية ، ونرى أن العناية بالتفسير الظاهر لابد منه ، ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر ، ومن ادعى فهم أسرار القرآن ، ولم يحكم التفسير الظاهر ، فهو كمن ادعى بلوغ صدر البيت قبل أن يتجاوز الباب ، ونحن بحمد الله ممن أحكم التفسير الظاهر ، ولا ننكر أن في طي الآيات القرآنية إشارات خفية ، إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك ، يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة ومعرفة ذلك من كمال العرفان ، ومحض الإيمان ، وعلى ذلك دل ما جاء في الحديث (إن لكل آية ظهراً وبطناً ، ولكل حرف حدا ، ولكل حد مطلعاً) قال أبو أبو الدرداء رضي الله عنه : لا يفقه الرجل كل الفقه ، حتى يجعل للقرآن وجوها ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : لا يفقه الرجل كل الفقه ، حتى يجعل للقرآن وجوها ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : من أراد علم الأولين والآخرين فليثر القرآن ، وقال باب مدينة علم المصطفى على بن أبي طالب كرم الله وجهه (لو شئت أن أوقر سبعين بعيراً من أم القرآن لفعلت) وهذا لا يحصل بمجرد الجمود على ظاهر تفسير الآيات وليس فيما نقول من تفسير الآية إحالة الظاهر عن ظاهره ، ولكن ظاهر الآية مفهومه منه ما جاءت الآية له . ودلت عليه في عرف اللسان العربي ، وثم إفهام باطنة يفهمها من الآيات القرآنية من فتح الله تعالى قلبه ، ومن اتقى الله علمه ما لم يعلم
فسكت الكبيبي ، ولم يهتد لجواب . ثم قال يا أحمد أنت تميت صلاة العصر بتأخيرها عن وقتها وهذا لا يصح
فقال السيد أحمد ، هذا لا نتعمده ، ولا نقصده حتى يكون من إماتة الصلاة ، ولا ندخل في الصلاة إلا في وقتها المضروب لها ، لكن يقع التطويل فيها ، كما كان عليه رسول الله r ، من أنه كان يذهب الذاهب إلى قباء ، وهي على نحو ميلين من المدينة ، ويلحقه اللاحق وهو في أول ركعة من صلاة الظهر والعصر على النصف من ذلك وقد صلى أبو بكر رضي الله عنه صلاة الفجر بسورة البقرة ، ولما سلم من الصلاة قال له بعض الصحابة كادت الشمس أن تشرق فقال لو أشرقت لم تجدنا غافلين ونحن لو غربت علينا الشمس لم تجدنا غافلين ولم نشتغل عن الصلاة بمال ولا بينين من أمور الدنيا بل هذا شأننا ومن لم يعرف هدى المصطفى r في الصلاة يعترض لمثل هذا فقال . الكبيبي قد قال النبي r من أم بالناس فليخفف فقال السيد هذا من وضع الدليل في غير محله لأن من قال هذا كان يصلي المغرب بالأعراف وهي مائتان وست آيات والأحاديث لا تناقض فيها والتخفيف أمر نسبي يختلف باختلاف حال المصلين والمؤتمين ولكل حال مقام وكان المصطفى r يدخل في الصلاة والمؤتمين ولكل حال مقام وكان المصطفى r يدخل في الصلاة وهو يريد التطويل فيسمع بكاء الصبي فيقصرها لئلا تفتن أمه وأصحابنا كلهم عز أب على قدم التجرد ولا شغل لهم غير التفرغ للعبادة فنحن نطيل بهم الصلاة وهم لا يرضون منا بغير ذلك ولا مشقة عليهم في هذا العمل لأن الصلاة راحة كل مؤمن كما قال سيد المؤمنين وإمامهم r أرحنا بها يا بلال أي بالصلاة وقد قال الله تعالى (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) فهي لا تكبر عليهم وليس بمعنى أنها صغيرة في صدورهم ولا يستثقلونها فهم لا يرونها إلا راحتهم العظمى لأنها مناجاة بين العبد وربه تعالى وقد جاء في صفة المنافق الأدبار عنها وينقرها نقر الديك ثم قال الكبيبي ويقع منكم التأخير لصلاة المغرب إلى قرب العشاء وهذا بدعة وفي الاشتغال بالركعتين قبل المغرب وتطويلهما مخالفة للسنة فقال السيد نحن نطيلهما عملاً بالسنة فقد كان r يقرأ فيهما بالطور ويقرأ فيهما بكثير من طوال السور كما هو معروف في محله وما علينا لو دخل علينا العشاء فإنا في طاعة وأما الركعتان قبل المغرب فهما سنة هجرها الناس اجتمع فيها أنواع السنن الثلاث ، من فعله وقوله وتقريره r ، فنحن نراهما من السنن ، لا نتركهما ، ومجرد ترك الناس لهما لا يلزمنا الترك ، لأنا لم نقل إنهما واجبتان ليكون الإخلال بهما معصية ، بل هما سنة ، فالإنكار متجه على المنكر لسنتيهما ، لا على من فعلها فأعرف ما تقول فسكت الكبيبي فقال له عبد الله بن سرور . أنسيت ما عليه أصحابه وكانت بيده نسخة ، فقال نعم يا أحمد ؛ أصحابك يقترفون المنكرات وأخذ يعددها وكان السيد مسنداً ظهره على الكرسي الذي هو جالس عليه فقعد في بحبوحته ، وقال اسمع يا أيها الرجل ، وخذ مني جواب هذه الأمور مجملاً ومفصلاً ، تنتفع به في هذه الموارد ، وتستضئ به لأنك للمعارف العلمية فاقد . فقال ناصر ، هات ، فقال السيد أخبرني أصحابي خير أم أصحاب رسول r ، وهم خير القرون ، فقال السيد ، هل قرأت القرآن ، فقال قرأته فقال هل مر بك قوله تعالى (الزانية والزاني . والسارق والسارقة ومن يعصي الله ورسوله . ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق – ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) قال نعم فقال السيد ، هذه أمهات الكبائر من المآثم ، هل نزلت عن أسباب أم مجردة عن ذلك ، فقال ناصر عن أسباب ، فقال السيد العصمة مرتفعة عن غير الأنبياء عليهم السلام ، وكل بني آدم خطاءون ، كما ورد في الحديث . فعلى فرض صحة ما تدعيه لا يلزمنا التجسس بل نقول كما قال معلم الشريعة من أتى شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله ، ومن أدى لنا صفحته أقمنا عليه حد الله تعالى ، وقد جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه ، وقال له ههنا شربة الخمر مغلقين على أنفسهم الباب ، فقال له ، يا هذا نهينا عن التجسس ، ثم إن التكلم بهذا ونسخه في رسالة ، وعده من المعائب علينا ، إثمه عليكم أكبر ، لأن التكلم به معصية ، وفي هذا الكلام ما هو قذف ، وقد علمت أن الله تعالى يقول (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) فمن روي شيئاً مما رقم في هذه النسخة ، بغير تمام النصاب الشرعي نقول له أنت كاذب كما قال الله تعالى ، وإن كان صادقاً فيما قال ، لأن صدقه وحده في هذا كذب عند الله ، فالقائل منكم أو من غيركم لهذا من غير إقامة نصاب الشهادة كاذب بنص الكتاب العزيز – وأما الجواب التفصيلي فاصغ له بقلب حاضر ، أعلم أن الله تبارك وتعالى له الخلق والأمر ، خلق عباده ليعبدوه ، وقدر مقادير عنده في لوح محفوظ ، قبل أن يخلق الخلق بألفي عام وعلم مآل عبده ، مؤمنهم وكافرهم وطائعهم وعاصيهم وسعيدهم وشقيهم واتصفت بصفات عليه الرحمن الرحيم . الغفور . الغفار . الستار . العفو الجبار المنتقم . وغير ذلك من اسمائه الحسنى الجمالية والجلالية ، وخلق مع ذلك دارين داراً لمن أطاعه وداراً لمن عصاه ، فوجود العاصي والمعاصي في الأرض محقق وثابت وقوعه أزلا كما قالت الملائكة عند خلق أبي البشر (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون) فقطع الحق جل جلاله بهذا الجواب لسان الاعتراض ؛ فمحال أن لا توجد معصية من المكلفين فمن لم يعصمه الله تعالى من تكليف مالا يطاق ، لأنه لو عدم العصاة من الأرض ما تبين فضل الطائعين ، ولولا طرق الأسقام ، ما عرف فضل العافية ، ولولا مس الجوع والظمأ ما عرف فضل الشبع والري ولولا وقوع الخوف ما عرف فضل الأمن . وعلى هذا التعداد وبضدها تتميز الأشياء ، ومع ذلك لو كان الناس كلهم مطيعين لله تعالى ، لا يوحد منهم عاص ، لتعطلت أكثر أسمائه الحسنى من المغفرة والرحمة والستر ، فأنها مظاهر آثار الذنوب ، ولكان خلق النار عبثاً : فقد اقتضت الحكمة الربانية وقوع المعاصي من المكلفين لا محالة ، لأنهم لا يستطيعون أن يقدروا الله حق قدره ، وليس في قدره المخلوق هداية الخلق أجمعين ، فقد قال الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) هذا سر القدر الكوني الذي من اطلع عليه من أفضل العلماء وأكابر الأولياء استراح وهو لا ينافي ما كلفنا به شرعاً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بل يلزم كل مسلم الإرشاد ، لما أوجب الله تعالى على عباده ، والغضب في مخالفة أمره ونهيه ، والهداية بيد خالقها
وقد علم المهتدي من الضال . ثم تكلم السيد هنا بكلام على طريق الأرشاديلين له الجماد ويهتز له من كان حاضر اللب والفؤاد بما يضيق عنه قلم التعبير ، وربما كان إيراده فتنة لمن لا يعرف الغوص في ذلك البحر الغزير
مالي وللبحر وأهواله أسترزق الله من الساحل
السيد يرد:
ثم قال السيد . ولا يحسن منكم عد ذنوب غيرنا قدحاً فينا ، وتجعلونه من المعائب علينا ، وكل نفس بما كسبت رهينة ، ولو اطلعنا على شئ مما تنسبونه إلى أصحابنا لما سكتنا عنهم ، ولنقمنا عليهم غضباً لله تعالى ، وأرشدناهم إلى التوبة ، ولكن ما علمنا ذلك ، ولا نخوض فيه ولا يلزمنا الجواب عن هذه الأمور ، والكاملون نظرهم إلى محاسب الأعمال ، والناقصون نظرهم مقصور على معائب الرجال . فأطرق الكبيبي عند ذلك وغرق في بحر لا يحسن السبح فيه ، ولم يبلغ فهمه إلى تلقي هذه المعارف ، فحظه منه السماع لا الفهم لتلك اللطائف ، وقال بقيت مسألة واحدة ؛ أنت وأصحابك تقولون إن علوم الشرع هذه رسوم ، وقشر لا لباب فيه ، فقال السيد هذا أول مجلس ضمنا وإياك ، فهل سمعت ذلك مني أو روي لك به ذو ثقة عني ، ومع هذا لا يصح لك الحكم بما لم تسمع مني فقال ناصر يقول الناس فقال السيد إن الشيطان يلقى على من لم يتقيد بالقيود الشرعية ليرمي الناس بما هم منه بريئون منه بهذه الكلمة يقول الناس يقول الناس فقال الكبيبي يا أحمد أصحابك يصرحون بهذا . فقال السيد لا نكثر الهمهمة ، قطع الكلام ، إن العلم عندنا ، قال الله وقال رسوله ، وما هما غير الكتاب والسنة من لا يعرفها ، إن القرآن نزل بلغة العرب وما كان من علوم الفروع فهو مستنبط منها ولا حق بها وحاصل الكلام أن ما دل عليه صريح الكتاب والسنة بطريق الدلالات المعتبرة في الشرع من حكم أصلي أو فرعي ، وجب العمل به وإرشاد الناس إليه ، وما خالف الكتاب والسنة من أي عمل كما هو المشاهد من كتب الرأي المحض ، وما عليه الفلاسفة من تحكيم عقولهم ؛ ومن دان بدينهم بما لا يطابقه عقل ولا يوافقه شرع فهو من الرسوم التي لا يحل لمؤمن أن يدين الله بها والعصبية ، في اتباع المذاهب ، وتحزب أهلها أحزاباً وتضليل بعضهم بعضاً ، حتى صاروا كأنهم ملل مختلفة ، كما يعرف ذلك من عرف أيام الناس ، واطلع على مؤلفاتهم ، فهذا لا نرضاه وننهي كل مسلم عنه لأنهم أمة واحدة ، خير أمة ، ونبيهم واحد ، وكتابهم واحد ، وقبلتهم واحدة ، فأنى يكون التفرق والتعصب ، ولم نزل ننهي الناس عن ذلك في بلاد الحرمين وغيرهما ، والحمد لله ما من حاثة تقع في الدنيا إلا ولها منزع من كتاب الله تعالى (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) والسنة هي شرح القرآن عرف ذلك من عرف ، وجهل من جهل ولا يستطيع أحد أن يرد علينا صحة هذا القول ، ولكن أكثر الناس قد آثروا الخلق على الحق ، وظهر آثار ذلك في الكون باختلاف الأحوال ، ووقع التعادي بينهم (وما ربك بغافل عما يعملون) ولكنه يمهل ولا يهمل ، فسكنت شقاشق الكبيبي ، ولم يدر ما يقول ، وقال دنت الشمس للغروب ، وبقي في النفس أشياء – فقال له السد الطيب ابن أخي سيدي أحمد بن إدريس إن غربت أتينا بالفوانيس والسرج ، وتمم اعتراضاتك ، فلم يصغ لذلك وقام من المجلس فأنشد بعض الحاضرين
وابن اللبون إذا مالز في القرن لم يستطع صولة البزل القناعيس
وتفرق الجميع ، وقد أذن المؤذن لصلاة المغرب ، فتقدم السيد رضي الله عنه وصلى بالناس ، وبعد انقضاء الصلاة دخل بيته ، واستدعى بالسيد على ابن محمد والسيد موسى بن حسن والشيخ عبد الله والسيد الطيب وأنا معهم ولما جلسنا بين يديه ، قال لنا ظهور الجهل من أشراط الساعة ، انظروا ما وقع من هذه الأمور التي ما كنت أحبها ، والتي لم يوجبها إلا جهلهم وضعفهم ، وهم مساكين قد جمدوا على ظواهر من الشرع ، وعرفوا جزئيات من العلم وضالوا من خالفهم بها ، وليتهم إذا لم يعلموا وعلموا فهموا ، وإذا ضلوا وأرشدوا قبلوا ، ولكنهم مجبولون على المكابرة والعناد ، وذلك شأن الجاهلين وقد ذكر الحكايات التي جرت له من المناظرة بينه وبين علماء المغرب عند خروجه من بلده من مدينة فاس ، بجامع القرويين ، وأيام إقامته بمكة ، وشكر نعمة الله عليه ، إذ ما من معترض أو مجادل إلا فلقه بالحق الواضح ، وأسكته بالحجة ، وفي صباح اليوم التالي وصلنا إلى جنابه على جاري عادتنا ، وبعد شروق الشمس وجلوسنا للدرس ، لم نشعر إلا والأمير على ابن مجثل وثلة من حاشيته قد وصول المقابلة السيد ، وعند وصولهم صافحوه ، فاستدعى بسرير للأمير على بن مجثل ، فجئ به ، واجلس عليه ، فابتدأ يلاطف سيدي أحمد بالكلام الطيب ، والسيد يسرد له الأحاديث التي فيها القوارع والزواجر ويملي عليه أنواع الوعظ للترغيب تارة والترهيب أخرى ، ويخوفه بخطر المقام الذي هو فيه ، إن لم يحصل منه السير على المنهج النبوي ، والتحكيم للشرع الشريف في الأقوال والأفعال ، واتباع سنة الخلفاء الراشدين حالاً ومقالاً ، فقام كاتب الأمير المسمى على بن يحيى وكلم سيدي أحمد سراً بأ، الأمير يريد أن يختلي معه ببيته خاصة ، ويكلمه فقام السيد ، واستدعى الأمير ، وقد دخلنا ضمن من دخلوا ثم اندفع الأمير يعتذر مما حصل من توابعه وفقهائه ، ومن سوء أدبه مع جناب السيد ، وإنما كان قصده غير هذا وهو لم يرض بذلك وإنما هم غلبوه على رأيه ، ولم يستطيع مخالفتهم ، لأنه ولا هم إلا حكام ، فقال السيد أنت في هذا المقام لا ينبغي لك أن تطاوع من لا يعرف من العلم إلا اسمه والتجرأ على العلماء ، وقد جاء في الحديث ما من خليفة أو أمير إلا له بطانتان ، بطانة تأمره بالخير وتحثه عليه ، فعلامة بطانة الخير أن ينقل إلى أميره محاسن الناس ويتقرب إليه بما ينفعه عند الله ، وعلامة بطانة الشر أن ينقل إلى أميره معائب الناس ، ويتتبع عورات المسلمين ، ومن الواجب على مثلك أن يسند أموره إلى عالم قد أخذ العلم عن أهله ، وتربى بين يدي المشايخ ، وشهد له العلماء بالسبق في المعارف ، وهم موجودون بحمد الله تعالى . وفي الحاضرين بمجلسنا من هو بهذه الصفة ، ولو سألت لعثرت على المطلوب فمنهم أخونا فلان ، وأخونا فلان ؛ وعدد جماعة ، وأما هؤلاء (المطاوعة) فهم يخبطون خبط عشوء ، ولا يحل لك أن تقلدهم الأمور الشرعية فإنهم يوردون الفتاوى والأحكام ، عن غير خطام ، ولا زمام ، فسكت الأمير ، وقال نحن يا سيدي أحمد على عزم لجهاد هذه الطائفة من الترك في أبي عريش ، فقال له السيد ، أن أبا عريش فيه طائفة من أهل البيت النبوي ، ابوهم رسول الله r الذي تدعو الناس إلى القيام بشرعه ، وفيهم العلماء ورثة الأنبياء ، وأناس فضلاء ، ومالا يحصون من المتصفين بالإسلام حقاً ، وهؤلاء الذين معهم من الترك إنما هم بعض عساكر والبلاد أمرها لصاحب مصر ، فكيف تقاتلهم على هذا الوجه ، والله سبحانه وتعالى قد منه خير خلقه عليه الصلاة والسلام ، من دخول مكة ، عام الحديبية ، ومن أن يطوف بالبيت الحرام ، نظراً لمن فيها من المؤمنين قال الله تعالى (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليما) فانظر كيف منع الله رسوله r من دخول مكة ، وأهلها كفار لأجل من فيها من المؤمنين خشبة أن تصيبهم المعرة ؛ أي المشقة ، فكيف لا يراعي الكثير ممن بهذه الصفة والإيمان والمطلوبون لكم ، هم قلة يسيرة ، فقال الأمير لابد أن نشعرهم فمن خرج من بينهم سالمناه ، ومن تأخر معهم قاتلناه وقام الأمير من المجلس فهذا حاصل ما وقع كتبناه ثم قرأناه على سيدي أحمد رضي الله عنه وحيث طلبتم نقله نقلناه لكم وذكرنا لكم الأسباب التي أوجبت هذه المناظرة وتفضلوا فأعرضوه على حضرة والدكم شيخنا وكافة أهل الحضرة ؛ والسلام عليكم ورحمة الله
كتبه الفقير لمولاه حسن بن أحمد بن عبد الله بن عاكش في جمادى الثانية سنة 1245هـ
وبعد كتابة ما تقدم من المناظرة ، عثرنا على أجوبة لم يوجد أصول أسئلتها ، إلا أننا رأينا الحاقها بالمناظرة ، لشدة ما بينهما من الارتباط ، بحيث تصح أن تكون إيضاحاً لبعض نقط منها وذلك إتماماً للفائدة
قال الأستاذ الشريف سيدي أحمد ابن إدريس ذو المقام النفيس (أما بعد) نقول لكم إن بعض أصحابنا يقول إنه يرى النبي r ، فهذه دعوى
والدعاوى مالم تقيموا عليها بينات اصحابها أدعياء
وفي الحديث لو يعطي الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ، فإن اثبتم عليه ذلك ، فحينئذ يرد ذلك إلى الله ورسوله ، إن وجد قبل ، وإن لم يوجد ترك ، ولا نقدر مفروضاً ونتكلم عليه وقد كان عمر رضي الله عنه ، إذا سئل عن شئ لم يقع يقول دعوه حتى يقع وكان عمر إذا سئل عن مسألة ، يقول أوقعت ؟ فإن قيل له نعم جمع الصحابة رضي الله عنه فتكلموا فيها إن لم يعلم فيها شيئاً من كتاب أو سنة ، وإن قيل لم تقع ، يقول دعوها حتى تقع . ينزلها الله بمن شاء يعني فإن أنزلها لهم . فتح عليهم فهم حكمها من الكتاب والسنة . وكان يقول لعن الله من يسأل عمالهم يقع فلنا بهم أسوة . وأما قولكم يحصل منهم التمايل والرقص . فلا نعلم أن أحداً يتمايل تمايل السكران ويرقص . فإن في حضرة الحق الذكرية شغلاً عن اللعب فإن المؤمن يستحي من ربه أن يراه على حال غير مرضي عنده ، ونحن لا نقول به . بل حين بلغنا عنكم سابقاً ما بلغ قلنا لهم أتركوا الاهتزاز في الذكر مع أنا لا نعلم فيها نهياً عن الله ورسوله موافقة لخواطركم لكونكم ترون تركه سد ذريعة . وأما قولكم يعظمون المخلوق بغير ما شرع التعظيم له به فإن كنتم تريدون بذلك التقبيل فهو مشروع . وقد ذكرنا لكم أدلته فاعترفهم بها أمس وقبل هذا قد بينا لكم منها ما يسر الله فقبلتم الحق فهو سنة متبعة لا ينكرها إلا من لا يدري أدلتها إذا دري وعلم وجب عليه القبول
وإن كمنتم تريدون غير ذلك فلا وجود لشئ من ذلك عندنا حتى ننهي عنه والخضوع الذي هو مقصود للتعظيم ظاهر . ومن أهوى ليأخذ حاجته أو يصافح أخاه أو يساره فظاهر ولا يتمكن القائم مما ذكر مع القاعد إلا بالهوى وقد أهوى النبي r على عثمان بن مظعون وهو ميت مسجي فقبله وقال له رحمك الله يا عثمان ما نلت منها ولا نالت منك ، ولا خصوصية في ذلك ، وقد أهرى عمر ليقبل رجل أبي عبيدة ، وأهوى مسلم ليقبل رجل البخاري ، فما فعلوا ذلك إلا ليروا الناس أن هذا ليس منهياً عنه ، وأما الذكر جهراً فوارد فيه أحاديث صحيحة ، والنهي عنه يحتاج إلى دليل . فإن الله يقول (وما نهاكم عنه فانتهوا) وفي الأحاديث من قال (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير) في السوق بأعلى صوته ، كتب (له ألف ألف حسنة ومحى عنه ألف ألف سيئة ، ورفع له ألف ألف درجة )، ومنها ما كان على عهد النبي r ، حتى قالت الصحابة ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله r إلا بالتكبير ، أي برفع الصحابة أصواتهم بالتكبير ، حين يخرجون من المسجد حتى تبلغ أصواتهم إلى أقصى المدينة ، ومنها أنهم كانوا يقولون عن أمر رسول الله r
اللهم لولا أنت وفي رواية
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزل سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
ويقول ذلك r ، والصحابة (بأعلى أصواتهم يقول هؤلاء ويجيب عليهم هؤلاء ، وغير ذلك ، ولم يقل لهم الرسول r " لا تذكروا الله جهراً إلا في هذه المواضع " والنهي عن ذكر الله تعالى من أبدع البدع ، فلا نقول به ، ولا نرتضي لمسلم أن يلقى الله وهو يصد الناس عن ذكر الله ، ولو لم تكن استدامة الجهر . فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رأى رجلاً يصلي يوم عيد بالمصلى فقال له ما كنا نفعله على عهد رسول الله r ، قيل له لو نهيته قال قد أخبرته وما أحب أن أنهي عبداً إذا صلى ، فكيف وقد ورد الترغيب في الجهر في الصحيح ، فمن معاذ رضي الله عنه قال قال رسول الله r قال الله عز وجل لا يذكرني العبد في نفسه إلا ذكرته في ملأ من ملائكتي ولا يذكرني في ملأ إلا ذكرته في الرفيق الأعلى ، وهذا هو الجهر فليس قوله في ملأ هو السر وإلا فلا فائدة في قوله في نفسه ، وأما القول بأن رسول الله r لا يعلم الغيب ، فهو تذكيب للقرآن . وقد ذكرتم أول الآية وهو قوله تعالى (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا) وجوابكم هو الذي تركتموه (إلا من ارتضى من رسول) فالرسول ليس من نفسه علم بل ما أظهره الله عليه اطلع عليه ، وأين أنتم من قوله (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حدياً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير) وأي غيب أعظم من هذا . وأي غيب أغيب من هذا ، ويلزم من هذا ففي جميع الشرع ، فإنه كله غيب جاءنا به رسول الله r ، وهذه المسألة هائلة ، لا ينبغي لمؤمن أن يلج فيها ، فإنظروا ماذا تقر لو ، فإن كنتم تريدون أنه لا يعلم شيئاً غائباً ، ولا يعلمه الله به أصلاً ، فارجعوا عن ذلك ، فإنه إذا علمه الله علم ، وإن كنتم تريدون أنه لا يعلم الأشياء كلها كما يعلمها الله ، فهذا كل مؤمن يقول به ، فما فائدة ذكره ، وأما أصحابنا فلا يدعي الغيب منهم مدع حتى ننهاه عنه ، وأما القول بما قال ابن العربي ، فإبن العربي وغيره ينظر في كلامهم ، فما كان حقاً قبل ، وما كان بالملأ وهي ، وهذا يستوي فيه حتى الكفار ، فإذا جاء الكافر بكلام حق قبل منه ، فإنه لا أكفر من إبليس ، ومع ذلك قال فيه الرسول للصحابي لما صدق أما إنه صدقك وإنه لكذوب ، ولما قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ، قال له الحق (فالحق والحق أقول) يعني قلت الحق ، فأقول لك الحق ، وأما قول من قال بكفره ممن ذكرتم وغيرهم ، فهو وإياهم يقفون بين يدي ربهم ، وأما نحن فالذي يجب علينا أن نقول (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان وال تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) (وتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) إنما الواجب علينا التثبت في كلامهم ،