أبناء على طريق الضياع
وأولاد الممثلين والممثلات وبناتهم ليسوا ببعيدين عن أجواء القلق التي يعيش فيها آباؤهم وأمَّهاتهم، وذلك إلى حدٍّ يدفع ببعضهم إلى الانتحار:
ماري، ابنة الممثلة جنيفر جونز، التي كانت في العشرين من عمرها عندما قفزت بنفسها من عمارة شاهقة لتلقي حتفها بشكل بشع.
وجوناثان ابن الممثل الشهير غريغوري بيك, فقد أطلق على نفسه الرصاص وهو في الثلاثين، وكان يعمل لدى محطة تلفزيون محلية.
وابن الممثل الكوميدي دان ديلي, قتل نفسه وكان في السابعة والعشرين.
وجينس ابنة الممثل جيس أرنس، تناولت جرعات زائدة من العقاقير، وكانت تعيش في حالة يائسة فوق أحد الكراجات، كما ذكرت أمُّها( ).
لا تخدعنَّكم الصُّور الملونة التي تنشر للممثلين والممثلات، على صفحات الجرائد والمجلات، ووجوههم تعلوها الابتسامات، فخلف هذه الابتسامات قلق وتوتر ومعاناة، وحزن وبكاء وآهات.
غريتا غاربو: من المحزن أن يكون المرء وحيدًا.
غريتا غاربو ممثلة اعتزلت التمثيل، واعتزلت الناس أيضًا، ليس لإحفاقها في التمثيل، وانفضاض المنتجين والمخرجين عنها؛ فقد كانت أفلامها تحطم أرقامًا قياسية، وكان معجبوها بالملايين.
كانت في قمَّة شبابها ومجدها حين اعتزلت، ولم تستطع شركة متروجولدن ماير بسطوتها ومالها ونفوذها أن تعيد الدَّجاجة التي تبيض لها كل يوم ذهبًا إلى حظيرتها.
لاموها لأنها تركت الشهرة والمال، دون أن يلجئها أحد إلى ذلك، لكنهم لم يدركوا أنها تركت ذلك كله لأنها لم تجد فيه السعادة.
تقول: "ظللت طوال عمري هاربة من شخص ما، أو شيء ما، لم يكتب لي أن أنال حياة سعيدة حقيقية".
تضيف: "كنت أتمنى أن يكون لي بيت في الريف، فيه ركن للمدفأة، أجلس إليه وأطلق العنان لأحلامي، وطعام بسيط أتناوله كل يوم، وزوج لا يسألني كثيرًا عما أفكر فيه".
وعندما نزحت إلى سويسرا لتقيم فيها، سألوها: هل أنت سعيدة بعودتك إلى أوربا؟ ردَّت مستنكرة: سعيدة؟! إنني لم أعرف طعمًا للسعادة.
لقد أبدت امتعاضها، بل وغيظها، من أكثر أدوراها التي قدمتها على الشاشة، وتكره المشاعر العاطفية في كل أشكالها, وعبارتها التي تعلق بها على كل شيء: "كل شيء في هذه الحياة تافه!".
إنها تهرب من الحياة، الحياة لم تجد فيها السعادة. لهذا كانت قَلَّما تخرج من بيتها بعد اعتزالها وعزلتها. تقول: ماذا تكون أهمية نيويورك بالنسبة إلىَّ؟ إنني لم أكن مرتاحة في أي مكان, ولن أكون.
من هي الممثلة التي اعتزلت التمثيل وهي في السادسة والثلاثين من عمرها، وعاشت بعد اعتزالها أكثر من خمسين عامًا؟
إنها "غريتا غاربو" السويدية التي نزحت إلى الولايات المتحدة في التاسعة عشر من عمرها، لتغزو هوليوود وتصبح – كما وصفوها – أسطورة بجمالها الأخَّاذ، وجرأتها في أداء الأدوار، وتقمص الشخصيات، وفي غموضها الذي أحاطت به نفسها وحياتها الشخصية.
كانت الأولى في السينما الصامتة، وبقيت الأولى في السينما الناطقة، لكنها مع ذلك تركت هذا كلَّه فجأة؛ لأنها كما أوضحت هي, لم تجد السعادة في كل الشهرة التي كانت فيها، ولا مع الجمال الذي تميزت به، ولا في المال الوافر الذي كان يأتيها من التمثيل.
لقد افتقدت غريتا غاربو سعادتها؛ لأنها لم تجد فطرتها في هذا كلِّه، ولستُ مغاليًا إذا قلت أنها كانت ستجد فطرتها، ومن ثم سعادتها، في الإسلام، لو كان هناك من يعرض عليها حقيقته.
قالت في رسالة كتبتها إلى صديقة: "من المحزن أن يكون المرء وحيدًا، ولكن في بعض الأحيان يكون الاختلاط أصعب".
توفيت في عام (1990م) عن عمر يناهز 84 عامًا( ).