عبد الله بن ياسين
عندما فتح المسلمون بقيادة عمر بن العاص مصر سنة 20 هجرية كان ذلك بادرة خير لفتح أراضٍ جديدة، ألا وهي بلاد المغرب العربي.
وكانت القبائل البربرية هناك تدين بالمجوسية حتى جاء الإسلام وانتشر بفضل رجال أمثال عقبة بن نافع وحسان بن ثابت وموسى بن نصير.
وبرز من هذه القبائل البربرية الفقيه عبد الله بن ياسين الجزولي. فكان شديد الورع غزير العلم والغيرة على تعاليم دين الإسلام. فكان خطيباً موهوباً قوي التأثير يجيد اللغة العربية والبربرية.
أخذ عبد الله بن ياسين على عاتقه نشر تعاليم الدين الإسلامي بين البربر فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر.
لكن البر بر لم يقبلوا نصائح بن ياسين فأعرضوا عنه، ولما رأى إعراض البربر عنه قرر بمساعدة صديقه يحيى بن إبراهيم نبذهم والانقطاع عنهم واتجها إلى العبادة والزهد في جزيرة نائية بنهر النيجر وانضم إليهما سبعة من رجال قبيلة "كداله" وبنو لهم مسجداً في الجزيرة.
توافد إليهم الكثير من أشراف "قبيلة صنهاجه" فأخذ عبد الله بن ياسين في تثقيفهم وتربيتهم أخلاقياً وسلوكياً ودينياًن وبدأ يعلمهم الكتاب والسنّة ويربيهم على معاني الجهاد في سبيل الله. ولقد اتبع في ذلك سياسة تربوية شاملة قامت على:
- تربية إيمانية وأخلاقية وسلوكية.
- وتربية تحفيزية دعوية جهادية.
وسميت هذه الفرقة بفرقة المرابطين أي الملازمين للرباط الذي أقامه عبد الله بن ياسين والذي كان يؤمن بضرورة إقامة دولة الإسلام بين قبائل البربر المختلفة.
بعد أن بلغ عدد المرابطين ألفاً دعاهم عبد الله بن ياسين إلى الذهاب إلى أقوامهم وهدايتهم ليبتعدوا عن البدع والظلال. لكن القبائل رفضت، فلجأ إلى الجهاد وكانت معركة مع قبيلة كداله انتصر فيها عبد الله بن ياسين وأسلمت القبيلة، وبعد ذلك حارب قبيلة لمتونه فأسلمت.
وتوجه بعد ذلك عبد الله والمرابطين إلى غانا والسنغال ونشروا الإسلام فيها. وتوفي رحمه الله في معركة طاحنة مع قبائل برغواطه. وقبل أن يتوفى بدقائق جمع المرابطين وحثّهم على الاتحاد والثبات ومواصلة الجهاد ونشر الدين.
وبذلك يكون هذا الفقيه المجاهد منشئ دولة المرابطين أعظم دولة في الإسلام، وأوصى للمرابطين بتأمير أبو بكر بن عمر اللتولي عليهم، ولقد سار على دربه يوسف ابن تاشفين،وظل مجاهداً في سبيل إعلاء كلمة الله وتخليص البربر من البدع والظلال.
ويعود الفضل إلى عبد الله بن ياسين الذي يعتبر القائد الروحي ليوسف بن تاشفين ومن أتى بعده.
أويس القرني
سيّد التابعين في الزهد
هو أويس بن عامر بن عمرو القرني اليمني، أما قصته مع عمر بن الخطاب فما أجملها وأروعها.
لقد حجّ عمر بن الخطاب بالناس قبيل استشهاده بأيام وكان شغله الشاغل في حجّه البحث عن رجل من رعيته من التابعين بريد مقابلته.
صعد عمر جبل أبو قبيس وأطلّ على الحجيج ونادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من أهل اليمن: أفيكم أويس بن مراد؟ فقام شيخ طويل اللحية من قرن فقال: يا أمير المؤمنين إنك أكثرت السؤال عن أويس هذا وما فينا أحد اسمه أويس إلا ابن أخٍ لي يقال له أويس، فأنا عمّه وهو حقير بين أظهرنا خامل الذكر وأقلّ مالاً وأوهن من أن يرفع إليك ذكره.
فسكت عمر ثم قال: يا شيخ وأين ابن أخيك هذا الذي تزعم؟ أهو معنا بالحرم؟ قال الشيخ: نعم يا أمير المؤمنين هو معنا في الحرم غير أنه في أراك عرفة يرعى إبلاً لنا.
فركب عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب على حمارين وخرجا من مكة مسرعين إلى عرفة، فوجدوا أويس ساجداً، وعندما انتهى أويس من صلاته تقدم إليهما، فقال عمر: مَن الرجل؟
قال أويس: راعي إبل وأجير للقوم.
قال عمر: ليس عن الرعاية أسألك ولا عن الإجارة، إنما أسألك عن اسمك، فمن أنت يرحمك الله؟
فقال أويس: أنا عبد الله وابن أمته.
فقال عمر وعلي- رضي الله عنهما-: قد علمنا أن كل من في السموات والأرض عبيد لله وأنّا لنقسم عليك ألا أخبرتنا باسمك الذي سمّتك به أمك.
قال أويس: يا هذان ماذا تريدان إليّ؟ أنا أويس بن عبدلله.
فقال عمر: الله أكبر. يجب أن توضّح عن شقّك الأيسر.
قال أويس: وما حاجتكما إلى ذلك؟
فقال علي: إن رسول الله وصفك لنا وقد وجدنا الصفة كما أخبرنا غير أنه علّمنا أنّ بشقّك الأيسر لمعة بيضاء كمقدار الدينار أو الدرهم ونحن نحبّ أن ننظر إلى ذلك.
فلما نظر علي وعمر –رضي الله عنهما- إلى اللمعة البيضاء ابتدروا أيهما يقبل قبل صاحبه وقالا: يا أويس إن رسول الله أمرنا أن نقرئك منه السلام وأمرنا أن نسألك أن تستغفر لنا. فلقد خبرنا أنك سيد التابعين وأنك تشفع يوم القيامة في عدد ربيعة ........... فبكى أويس بكاءً شديداً ثم قال: عسى أين يكون ذلك غيري.
فقال علي: إنّا قد تيقّنا أنك هو لا شك في ذلك فادعُ الله لنا رحمك الله بدعوة وأنت محسن.
فقال أويس: ما أخصّ باستغفار نفسي ولا أحد من ولد آدم ولكنه في البر والبحر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات في ظلم الليل وضياء النهار ولكن من أنتما يرحمكما الله؟
فقال علي: أمّا هذا فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأمّا أنا فعليّ بن أبي طالب.
فقال أويس: جزاكما الله عن هذه الأمة خيراً، ومثلي ليستغفر الله مثلكما.
فقالا: نعم.
فقال أويس: اللهم إن هذين يذكران أنهما يحبّاني فيك وقد رأوني فاغفر لهما وأدخلهما في شفاعة نبيّهما محمد .
فقال عمر: مكانك رحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي.
فقال أويس: وما أصنع بالنفقة، وما أصنع بالكسوة، أما ترى عليَّ إزاراً من صوف ورداً من صوف ومعي أربعة دراهم أخذتها من رعايتي حتى تراني أكلها.
فلما سمع عمر كلام أويس قال: ألا ليت عمر لم تلده أمه.
الله الله، ما أجمل هذا الحديث، حديث تسيل له المآقي، ويقف الإنسان مشدوهاً لروعة هؤلاء الرجال، فها هو عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب يطلبان من أويس أن يدعوا لهما، وها هو أويس الزاهد المتعبّد المنعزل عن الدنيا وما فيها يرفض الكسوة والنفقة قائلاً لدي إزاراً من صوف، ثوب واحد من صوف وبضعة دراهم قليلة تكفيه، يا لهذا الزهد وهذه النفس الراضية المطمئنة، القانعة بالقليل، كل ذلك وأكثر في جعبة هذا الرجل الأسطورة.
سيد العباد، كما دعاه الإمام الشاطبي.
أويس بن القرني، هذا الرجل الزاهد، الذي لا يملك سوى أربعة دراهم، يتصدق بكل ما في بيته من طعام وثياب، إذا أصبح أو أمسى، ثم يقول: اللهم من مات جزعاً فلا تؤاخذني به ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به.
وكان دائماً يقول: كن في أمر الله كأنك قتلت الناس كلهم.
ويقول أيضاً: أفٍّ لقلوب قد خالطها الشّك فما تنفعها العظة.