إن الإسلام إذا أراد صونك بهذا الحجاب الذي فرضه عليك، كذلك أراد وقاية المجتمع وحفظ أفراده وشبابه، فلقد قرَّر زعماء العالم الإصلاحيون والأخلاقيون أنَّ تَهتُّك المرأة وتبذُّلها وسفورها، يهوي بالمجتمعات ويُودي بالأُمم، وهذا ما أَودى بحضارة اليونان والرُّومان والفرس والفراعنة، وما مأساة انهيار الوجود الإسلامي في الأندلس منَّا ببعيدة.
"لمَّا زار غُليوم - إمبراطور ألمانيا - تركيا جاء لاستقباله ضمن من حضر لاستقباله عشرات الآنسات المتعلمات وقد أسدلن شعورهن، وكشفن عن سواعدهن، وقيل له: إنهن أكبر التلميذات المتعلمات تعلمًا عصريًا، ولمَّا استعرض غُليوم جماعة الوزراء، وقدم إلى شيخ الإسلام التفت غُليوم إليه وقال له: اعلم يا حضرة الأستاذ – الفاضل – أن هذا المقام يُسمَّى مقام الخلافة وإن تعليم البنات والشباب على النسق الأوربي لا يتفق مع المبادئ الإسلامية التي هي مفاخر دينكم، وإننا نحن في أوربا نئنُّ من هذه التربية على أن ما يجوز للأوربيين إباحته لا يجوز للمسلمين"( ).
الضوابط الشرعية لوسائل التجميل
يُباح للمرأة أن تتزيَّن لزوجها بما ظهر في هذه العصر من وسائل التجميل من الأصباغ والمساحيق، هذا هو الأصل؛ لعموم الأدلة الدالة على أن المرأة تتزيَّن لزوجها بما ليس فيه محذور شرعي كالحناء والخضاب ونحوهما.
لكن من الملاحظ أن هذه الوسائل تعددت إلى حد جعل المرأة المسلمة ألعوبة بأيدي مُصمِّمي الأزياء وأدوات التجميل، أضف إلى هذا ما يحويه أكثرها من مواد ضارَّة بالجسم أو بالأعضاء - كما سيأتي إن شاء الله - وصاحب ذلك كلُّه دعاية خبيثة لهذه الوسائل من جهة، وإرشاد لكيفية التجميل من جهة أخرى لأجل أن تحوز المرأة إعجاب الآخرين، وكأنها صارت سلعة تعرض أمام الناس في اصطناع جمال مزوَّر، بل تشويه يزيد الدميمة دمامة، والعجوز شيخوخة!!
وإني لأعجب ويعجب غيري مما يُقال عمَّا تفعله أعداد النساء بأجسامهن من شتى الأصباغ والألوان، ومختلف الأشكال والرُّسوم في رؤوسهن وعيونهن وحواجبهن وخدودهن وشفاههن مما يجعلهن يبدون في صورة بشعة منفرة مستهجنة!! مما يقطع العاقل مع هذا الصنيع بغياب العقل الذي فضَّل به الإنسان وميَّزه الله به على سائر الحيوان، وأهم من ذلك غياب القيم الأٍساسية التي جاء بها الإسلام.
ولا أكون مبالغًا إذا قلت: إن هذا السيل الجارف من هذه الوسائل مسخ لفطرة المرأة وذوقها، وتعطيل لتصوُّرها وتفكيرها، إنها جناية على المرأة المسلمة متى زادت عن حدِّها المعقول، وإشاعة للفساد والانحلال النفسي والخلقي، يقف وراء ذلك كله مفسدو الأخلاق ومدمروا العالم، من الصليبية الحاقدة واليهودية الماكرة.
ومن المؤسف – حقَّا – أن تظل المرأة المسلمة تلاحق الموضة، وتراقب تغير أدوات التجميل. مهما كلَّف ذلك من مال، ومهما أضاع من وقت، ومهما دلَّ على عقلية فاسدة واتجاه منحرف، في سبيل إشباع رغبة جامحة، وجمال مصطنع، وما على المرأة إلا أن تطيع كارهة، وتنساق وراء هذه الموضات وإلا فهي متأخرة رجعية!! لا تُساير ما يستجد على ساحة الأزياء، وفي بيوت التجميل!
وأنا أدعو المرأة المسلمة إلى تأمل الأمور التالية في موضوع أدوات التجميل:
1- أن نصوص الشرع تدلُّ على أن هذه الأصباغ والمساحيق لا يجوز استعمالها إلا بالشروط الآتية:
الأول: ألا تكون بقصد التشبه بالكافرات، إذ لا يجوز للمرأة المسلمة أن تتشبه بالكافرة فيما يختص بها من أمور الزينة.
الثاني: ألا يكون هناك ضرر من استعمالها على الجسم، لأن جسم الإنسان ليس ملكًا له.
الثالث: ألا يكون فهيا تغيير الخلقة الأصلية كالرموش الصناعية، أو الحواجب ونحوهما.
الرابع: ألا يكون فيها تشويه لجمال الخلقة الأصلية المعهودة.
الخامس: ألا تصل إلى حدِّ المبالغة؛ لأن الإكثار فيها يضر بالبشرة.
السادس: ألا تكون مانعة من وصول الماء إلى البشرة عند الوضوء أو الغُسل، وهذا الشرط مفقود في المناكير.
2- إن هذه الوسائل كما هي لعب بعقل المرأة المسلمة، فهي ابتزاز لمال المسلمين، حيث تظل المرأة تلاحق الموضة، وتنفق الأموال الطائلة دون أن تشعر مع طول المدى، ومن مكر القوم أنهم يقولون: إن الأصباغ لا تؤثر على بشرة المرأة هي ذات القيمة العالية!!
إن القائمين على بيوت الأزياء ومصانع أدوات التجميل أرادوا أن يكسبوا كسبين في آن واحد:
الكسب المادي الفاحش.
والكسب الآخر إفساد المسلمين بإفساد المرأة، وإخراجها إلى الطريق فتنة هائجة مائجة، تفتن الرجل وتفتن نفسها معه، غيرت شعرها، عبثت بحواجبها، أطالت أظافرها، نبذت تعاليم الإسلام وراء ظهرها!!
3- إن هذه الأصباغ والمساحيق لها تأثير بعيد المدى على بشرة المرأة، ولاسيما الوجه بما في ذلك العينان والحاجبان.
جاء في مجلة "الوعي الإسلامي" مقال للدكتور: وجيه زين العابدين. يتعلق بهذا الموضوع يقول فيه: "فزينة الشعر أن تضع الفتاة عليه مادة لزجة ليقف يسمونها سبري، وهذا قد يسبب تكسر الشعر وسقوطه، أو قد يسبب أذى في قرنية العين إذا أصابها مباشرة، أو بصورة غير مباشرة كحساسية. وربما استمر علاج هذه الإصابة بضعة أشهر، وقد يسبب صبغ الشعر حساسية للمريض لمادة البروكاتين، كما أن المصابات بحساسية البنسلين أو مادة السلفا يتأثرون جدًّا من أصباغ الشعر فيصبن بتورم حول قاعدة الشعرة، وربما سقط الشعر كله.
وأِشَّد هذه المواد خطرًا ما يستعمل لتمويج الشعر بالطريقة الباردة، حيث تستعمل مواد تذيب طبقة الكيراتين فتسبب لها تكسرًا عند تحول الشعر المجعد إلى مسرح.
أما المساحيق والدهون التي توضع في الوجه فإنها تعرضه للإصابة بالبثور والالتهابات في الجلد، فيضعف ويصاب بالتجعد الشيخوخي قبل الأوان، وقد يترك التجعد خطًّا بارزًا تحت العين، ولمَّا تبلغ الفتاة بعد العشرين عامًا، وكم من مرة سبَّبت الرموش الصناعية التهابًا بالجفن، أو جاءت الحساسية للجفن من الصبغ الذي يوضع فوقه.
وقد يعرض الأحمر الشفاه للتورم أو تيبس جلدها الرقيق وتشققه لأنه يزيل الطبقة الحافظة للشفة.
ويُسبِّب أحيانًا صبغ الأظافر تشققًا وتكسُّرًا في الأظافر ويعرضها للالتهابات المتكررة والتشوُّه أو المرض المزمن.
إن الإنسان بطبيعته لا بُدَّ أن يجد له الحماية من المؤثرات الخارجية التي تصيبه بحكم حياته في هذه الأرض، والجلد هو خطُّ الدفاع الأول، فبقدر ما تكون عنايتنا بالجلد نستفيد من قواه الدفاعية، ومن المؤسف أن المدينة الحديثة تتعرض لهذه القوى الدفاعية بالأذى عن طريق الإسراف في استعمال أدوات التجميل ومواده".
ويقول الدكتور وهبة أحمد حسن -كلية طب جامعة الإسكندرية: "إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ثم استخدام أقلام الحواجب وغيرها من مكياج الجلد , لها تأثيرها أيضًا, فهي مصنوعة من مركبات معادن ثقيلة، مثل الرصاص والزئبق تذاب في مركبات دهنية مثل زيت الكاكاو، كما أن كل المواد الملونة تدخل فيها بعض المُشتقَّات البترولية. وكلها أكسيدات مختلفة تضر بالجلد، وإن امتصاص المسام الجلدية لهذه المواد يحدث التهابات وحساسية، أمَّا لو استمر استخدام هذه الماكياجات فإن له تأثيرًا ضارًّا على الأنسجة المكونة للدم والكبد والكُلى، فهذه المواد الداخلة في تركيب الماكياجات لها خاصية الترسُّب المتكامل فلا يتخلص منها الجسم بسرعة.
إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ينشط الحلمات الجلدية فتتكاثر خلايا الجلد، وفي حالة توقف الإزالة ينمو شعر الحواجب بكثافة ملحوظة، وإن كنا نلاحظ أن الحواجب الأصلية تلائم الشعر والجبهة واستدارة الوج".
هذه كلمة الطب الحديث عن أضرار وآثار الإسراف في استعمال أدوات يستعمل في الوجه أو تمويج الشعر بجميع أشكالها وأنواعها مما يصعب حصره، مما يُبيِّن أن المرأة المسلمة مخدوعة أشد الخداع إزاء هذا التيار الجارف من هذه الوسائل التي تهدف إلى إفساد المرأة بتدمير خلقها وشخصيتها، وإفساد الفطرة البشرية، فهل تتأمل المرأة المسلمة في واقعها، وتعرف ما تأخذ وما تذر من وسائل التجميل، وتكون على بصيرة من أمرها؟
4- جاء في كتاب "الدخيل في اللغة العربية الحديثة ولهجاتها" ما يلي:
ماكياج: التجميل، خصوصًا تجميل وجوه الممثلين والممثلات في المسرح والسينما قبل القيام بأدوارهم، وهي كلمة فرنسية الأصل (MAQUILLAGE) وتعني (ماكيلاج) فصارت (ماكياج) مع قليل من التحريف.
مانيكير: معالجة أظافر السيدات بالتسوية والصبغ. ويطلق أيضًا على من يتولى هذه العملية. وهي كلمة فرنسية (MANUCURE).
هاتان الكلمتان مما دخل في اللغة العربية في عصرنا الحاضر من لغات أوربا وما أكثرها، حتى استقر بعض هذه الألفاظ الدخيلة في لغة الكتابة وبعضها في لغة التخاطب فقط، وإنما أوردت هاتين الكلمتين في هذا الموضوع لتعلم المرأة المسلمة أن الأولى مربوطة بالممثلين والممثلات، والثانية بإطالة الأظافر وتسويتها وصبغها، فهل ترضى مسلمة أن يكون أهل المجون والخلاعة من كفار أوربا قدوة لها؟
5- إن القيام بعملية التجميل بهذه الأصباغ والمساحيق إضاعة للوقت، إضاعة للحياة فإن الوقت هو الحياة، والمرأة المسلمة يشملها قول الرسول : «لا تزول قدما عبد حتى يُسْأَل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟» وفي حديث آخر: «وعن شبابه فيم أبلاه؟».
ولا ريب أن المرأة التي تمضي ساعة للعناية بالبشرة، وساعة للأهداب المستعارة والحواجب الصناعية، والعدسات الملونة اللاصقة حسب نوع الثوب، وكذا من الوقت للأظفار، ووقتًا للعناية بالكفين والقدمين، ووقتًا لتسريحة الشعر وتمويجه!! هذه المرأة أضاعت حياتها وقتلت وقتها، وصيرت نفسها دمية أنيقة! روح فيها، فهي مُسخَّرة للآخرين، وملهاة للأطفال والمتفرجين من النساء اللاتي مَنَّ الله عليهن بالعقل، والحمد لله على العافية.
تظن هذه المرأة أن تبرجها شيء عادي لا يمس عقلها، ولا يؤثر على دينها وخلقها وهذا تصور خاطئ، فإن كل عمل يقوم به الإنسان لا بُدَّ أن يكون له آثار على فكره وعقله ولو بعد حين.
فهل نطمع من امرأة مسلمة شرَّفها الله تعالى بدين حفظ لها كرامتها وأنوثتها، وحمى عفتها وجمالها من عبث العابثين، وكيد الكائدين، هل نطمع منها أن تثوب إلى رشدها، وتراجع عقلها، وتعمل بشرع ربِّها وأحكام دينها. وألا تكون معول هدم تُعين القوى الكبرى التي تعمل على ابتزاز أحوال المسلمين. وهدم المجتمعات وتقويض بُنيان الأسرة؟
لا شك أن المرأة بفعلها هذا تؤيد الذين يقفون وراء بيوت الأزياء وأدوات التجميل بإسرافها ومتابعتها، فهي تحثهم على اختراع زي جديد كل يوم، وموضة جديدة! ولو كان على حساب الدين، والعفة والفضيلة، وهذا إفساد للفطرة، وعبث بالخلق،, يقضي على حياة الأسرة، ويُزلزل ميزانية البيت ويُشغل المرأة بالتافه من الأمور عما خُلقت له، وكُلِّفت به( )!
خداع الشهرة
وهذا أيضًا نوع من الخداع مورس على المرأة، حيث أوهموها أن الشهرة والوصول إلى الأضواء كفيل بجلب السعادة ودفع القلق والملل والحزن والاكتئاب.
فأرادت المرأة أن تصل إلى عتبات الشهرة والمجد والأضواء لتحصل على السعادة.
فقالوا لها: إن للشهرة والأضواء ثمنًا ينبغي عليك أن تدفعيه لتحصلي على ما تُريدين.
قالت: وما هو الثمن؟
قالوا: أن يكون جسدك ليس ملكًا لك، بل هو ملك الجماهير الذين سيعشقونك ويقدمون لك كل وسائل الدعم التي ستجعل منك امرأة مشهورة يتحدث عنها الناس، وتنتشر صُوَرها في كل مكان.
فصدَّقت المسكينة هذا الخداع، وارتدت كل ما هو فاتن مثير.
وكشفت عن أدقِّ تفاصيل جسدها، كل ذلك بحثًا عن السعادة والمال الذي هو صانع السعادة عند هؤلاء.
وبالفعل وصلت المرأة إلى الشُّهرة والأضواء، وحصلت على الأموال، وأصبحت نجمة في سماء الفن، وتعرفت على أهم الشخصيات.
ومع ذلك لم تجد السعادة التي كانت تأمل، بل اكتشفت أنها كانت ضحية عملية خداع مُنظَّم، فأفاقت على هول المأساة، فمنهن من وفَّقها الله للانسحاب من هذا الوسط الموبوء، فابتعدت عن الشهرة، وفارقت الأضواء، وانزوت في بيتها متفرغة لأبنائها وزوجها، مستغفرة لذنوبها، سائلة ربها العفو والمغفرة.
ومنهن من لم تتحمل الصدمة فقررت أن تتخلص من هذه الخدعة بأي ثمن ولو بالانتحار.
ومنهن من لم تستطع فراق هذا الواقع بعد أن انغمست فيه بكليتها، فاستمرت في المشاركة في مسرحية الخداع، فهذا أفضل عندها من الاعتراف بالفشل والضعف والخطيئة.
فمن الصنف الأول: الفنانات والمطربات التائبات، اللاتي تركن حياة الأضواء والأموال والشهرة واعتزلن ما يسمى بالفن نهائيًا إلى غير رجعة، وهؤلاء قصصهن معروفة وقد كتب عنهن الكثير من الكتب والمقالات( ).
أما الصنف الثاني والثالث: فهن الفنانات الغربيات، اللاتي أفقن من سباتهن، وأدركن الوهم الذي كُنَّ يعشن فيه، ولكنهن لم يعرفن الطريق الصحيح للسعادة، وهو طريق الإسلام والعفة والفضيلة، فتباينت ردود أفعالهن، واختلفت طرق معالجتهن للمأساة، إلا أن هذه الطرق جميعها تُنبئ عن تلك الحياة البائسة التي فرضت عليهن.
ومن نماذج هؤلاء:
داليدا
مغنية مشهورة، أنهت حياتها بالانتحار. لماذا؟
تقول داليدا:
"كم أنا نادمة على أنني لم أعش حياة أسرية مستقرَّة. لماذا لم أُفكِّر جديًّا في الزواج بعد طلاقي؟ إنني كنت أريد إنجاب الأطفال، لقد انهمكت انهماكًا كليًا وذبت في حياتي الفنية... لقد خُدعت بهذه الحياة... مللت الشهرة، وأريد أن ارتاح".
"الحياة عندي باتت غير محتملة فاعذروني".
"الحرية الحقيقية تنبع من داخل الإنسان، فالحرية لا تعني الاستقلالية فحسب؛ إنما التصرف الصحيح، وهذا ما يفتقده الكثيرون الذين يتصرفون بصورة خاطئة تحت بند الحرية".
"لقد دمَّرت صحف الإثارة حياتي".
"كيف تصف الحقيقة والواقع بأنهما تشاؤم؟ هل تستطيع أن تقول لي عن فائدة دائرة الضوء التي نعيشها؟ أنا لا أجد أي فائدة من الشهرة والأضواء وفلاشات الكاميرات، وأفضل من ذلك أن أحيا الحياة العادية التي أشعر فيها بشخصيتي وكياني، زوجة وربَّة بيت، بعد أن حُرمت نعمة الأمومة, ويمكن أن تعتبر هذا إعادة نظر في حياتي الشخصية".
"منذ مدة وأنا أبحث عن السعادة، ولكنها تذهب عني وتهرب مني, لست أدري لماذا".
"أرجو أن تصدقني إذا قلت: إنني أفكر جديًا في اعتزال الغناء والسينما والأضواء".
"حياتي الخاصة محاصرة بالوحدة. الوحدة الموحشة التي تدفع الإنسان إلى العزلة والاكتئاب، حياة لا تُطاق, لا تطاق".
"لن أعيش وحيدة, فالوحدة أمرٌ قاسٍ, سامحوني"( ).
من يجرؤ أن يقول إنَّ من قالت الكلمات السابقة امرأة سعيدة؟ وهل سيعجب من يعلم أن قائلة تلك الكلمات قد انتحرت؟!
إنها المغنية والممثلة داليدا، انتحرت وهي في الرابعة والخمسين، وكانت قد حاولت الانتحار قبل ذلك، لكنها لم تَمُت إلا في محاولتها الثانية التي شربت فيها علبة كاملة من الحبوب المنومة.
هل فقدت سعادتها لأنها أخفقت في حياتها الفنية؟
لقد فازت بخمس جوائز أوسكار، وعشرين ميدالية من بلدان مختلفة، و35 أسطوانة ذهبية، ومُنِحت وسام العلوم والفنون الفرنسي من الدرجة الأولى، وفي العام نفسه (1968م) أهداها الرئيس الفرنسي شارل ديغول ميدالية رئاسة فرنسا، وهي الميدالية التي لم يحصل عليها أحد غيرها.
سجَّلت أكثر من (600) أغنية في ثمان لغات، وبيع من أسطواناتها أكثر من (85) مليون أسطوانة.
إذن فقد فقدت سعاتها، كما جاء في كلماتها، لأنها لم تعش حياة أُسرية مستقرة، لم تُرزق بالأطفال، لم تجد فطرتها في الشهرة التي سئمتها، والأضواء التي كرهتها، والسينما التي ضجرت منها.
لا تخدعنَّكم صور ملونة, وابتسامات!
الإعلام يعرض حياة الممثلات الشهيرات، وما وصلن إليه، وما حقَّقنه، وما جمعنه من مال، لكنه قَلَّما يعرض حياة اللواتي حاولن وأخفقن، وجرَّبن وفشلن، وهؤلاء الأخيرات أكثر من الأوليات، لكن المجلات والصحف، ومحطات الإذاعة والتليفزيون، تنصرف عنهن، ولا تعرض فشلهن، ولا تنقل معاناتهن.
صاحبات الفضائح
تقول إحدى المجلات الغربية: "النساء اللَّواتي اشتهرن من خلال الفضائح، مثل: جيسياهان، وفون هول، ودونا رايس، لا يحقُّ لهن أن يعلِّقن آمالاً على هذه الشهرة المؤقتة؛ لأنها لن تستطيع أن تقدم لهن ما يحملن به، فلن يستطعن أن يصبحن ممثلات شهيرات في هوليوود، ولن تستمرَّ وسائل الإعلام في متابعتهن، ولن تكون هذه الشهرة الزائدة وسيلتهن إلى العمل المثمر".
ويقول بيتر براون خبير الحياة في هوليوود، وصاحب كتاب "أفضل الحائزين على الأوسكار": أن أحدًا لن يستطيع أن يرى جيسيكا أو فون أو دونا في التلفزيون بعد عشر سنوات، إلا إذا كان ذلك في برنامج من نوع: ما الذي حدث لـ...؟
ويضيف: إن التورط في فضيحة قد يُعطي صاحبتها فرصة المشاركة في مقابلة، أو دورًا صغيرًا في عمل، وبعد ذلك( ).
أين الأموال؟
بل حتى الممثلات اللَّواتي اشتهرن وجمعن المال فإنهن فقدن المال، وربما فقدن معه صحَّتهن وشهرتهن وأزواجهن؛ مثل "آفا غاردنر" التي تزوَّجت كثيرًا من المشاهير إلا أنها لم تستطع الاحتفاظ بأي زوج وبأيِّ مالٍ. بل هي أعلنت في حديث صحفي أنها لم تحب التمثيل يومًا في حياتها، وأنها تقبل العمل بالسينما أو التلفزيون كلما احتاجت للمال ليس إلا. ولعلَّ أحزانها جعلتها تحتسي الخمر حتى تحوَّلت إلى مدمنةٍ وقبضت عليها الشرطة بتهمة قيادة سيارتها وهي مخمورة.
وهذه "هيدي لامار" لم تجد من يعطف عليها في محنتها حين فقدت بصرها عامًا كاملاً، ثم أجريت عملية جراحية أعيد إليها بها شيء من بصرها، فهي تستعين بنظارة سميكة العدسات، وتتلمس طريقها بعصا العميان البيضاء، ويقودها كلبها إذا ما نزلت إلى الشارع. ومع أنها كسبت الملايين الدولارات من عملها بالتمثيل، فإنها لم تعد تملك شيئًا، حتى إنها صارت تبيع ملابسها الثمينة قطعة وراء قطعة, كلما احتاجت للنقود, إضافة إلى هذا فقد أُصيبت بمرض نفسي أفقدها القدرة على التركيز( ).