معجزة الإسراء والمعراج
قال الله تعالى -بسم الله الرحمن الرحيم-: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء: 1].
يمجد الله تعالى نفسه المقدسة ويعظمها لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه من الأفعال العظيمة والمنن الجسيمة التي من جملتها أنه أسرى بعبده ورسوله محمد لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وهو مسجد مكة الذي هو أجل المساجد على الإطلاق وأفضلها: إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وهو بيت المقدس الذي هو من المساجد الفاضلة أولى القبلتين وهو مصلى الأنبياء الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ بكثرة الأشجار والأنهار والثمار لِنُرِيَهُ أي محمد مِنْ آيَاتِنَا أي العظام كما قال تعالى: لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم: 18] إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ أي السميع لأقوال عباده مؤمنهم وكافرهم ومصدقهم ومكذبهم، البصير بهم فيعطي كلا منهم ما يستحقه في الدنيا والآخرة.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه السورة بعد سياق الأحاديث الواردة في الإسراء: وإذا حصل الوقوف على مجموع هذه الأحاديث صحيحها وحسنها وضعيفها فحصل مضمون ما اتفقت عليه من مسرى رسول الله من مكة إلى بيت المقدس وأنه مرة واحدة وإن اختلفت عبارة الرواة في أدائه أو زاد بعضهم فيه أو نقص منه فإن الخطأ جائز على من عدى الأنبياء عليهم السلام، وألحق أنه عليه السلام أسري به يقظة لا منامًا من مكة إلى بيت المقدس راكبًا البراق -دابة نحو البغل تركبها الرسل عند العروج إلى السماء( ) فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين ثم أتي بالمعراج، وهو كالسلم ذو درج يرقى فيها- فصعد فيه إلى السماء الدنيا ثم إلى بقية السماوات السبع فتلقاه من كل سماء مقربوها وسلم على الأنبياء الذين في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم حتى مر بموسى الكليم في السادسة وإبراهيم الخليل في السابعة ثم جاوز منزلتيهما -صلى الله عليهما وعلى سائر الأنبياء-، حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف أقلام، أي الأقلام القدر لما هو كائن.
ورأى سدرة المنتهى وغشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب، وألوان متعددة وغشيتها الملائكة ورأى هناك جبريل على صورته، التي خلق عليها وله ستمائة جناح، ورأى رفرفًا أخضر قد سد الأفق، ورأى البيت المعمور وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسند ظهره إليه لأنه الكعبة السماوية يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة لكثرتهم ورأى الجنة والنار وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين ثم خففها إلى خمس رحمة منه ولطفًا بعباده وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها، ثم هبط إلى بيت المقدس وهبط معه الأنبياء فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة ويحتمل أنها الصبح من يومئذ، ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس والله سبحانه وتعالى أعلم( ).
ما يستفاد من الآية الكريمة
1- تنزيه الله تعالى عما لا يليق به من النقائص والعيوب.
2- الإيمان بإسراء رسول الله إلى بيت المقدس وعروجه إلى السماء.
3- بيان الحكمة في ذلك وهي إظهار شرفه ورؤيته آيات ربه الكبرى وفرض الصلوات الخمس عليه وعلى أمته.
4- فضل المسجد الحرام الذي هو أفضل المساجد على الإطلاق لأنه يحوي الكعبة المشرفة قبلة المسلمين وموضع حجهم ولذلك عظم فضل الصلاة فيه.
5- فضل المسجد الأقصى (بيت المقدس) وبركته التي منها تفضيله على غيره من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجد الرسول بالمدينة، وأنه يطلب شد الرحل إليه للعبادة والصلاة فيه، وأن الله اختصه محلاً لكثير من أنبيائه وأصفيائه خلصه الله من أيدي البغاة المعتدين.
6- إثبات صفة السمع والبصر لله كما يليق به وأنه يسمع أقوال عباده ويبصر أعمالهم والله سبحانه وتعالى أعلم.
حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج
1- لا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل.
2- كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة.
3- وعلى علوه سبحانه على جميع خلقه.
4- وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها وكل ما ورد في ذلك فهو غير ثابت عن النبي ( ).
5- وما رئي أنها في السابع والعشرين من رجب أو في ربيع الأول فلم يصح عن النبي .
قال الحافظ ابن حجر قال ابن دحية وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب وذلك كذب( ).
وقال الحافظ ابن رجب رئي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي كان في السابع والعشرين من رجب وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره( ).
6- ولو ثبت تعيين الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات أو الاحتفالات.
الأدلة على عدم جواز الاحتفال بهذه الليلة
1- قوله : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" أي مردود على عامله وهو صريح في رد كل بدعة ليس لها أصل في الكتاب والسنة سواء أحدثها أو قلد غيره فيها كالاحتفال بهذه الليلة.
2- قوله : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهذا تحذير من النبي عن اتباع الأمور المحدثة في الدين ومن ذلك الاحتفال بمثل هذه الليلة.
3- أنه لم يحتفل بهذه الليلة ولا بغيرها من المناسبات والليالي والفتوحات الإسلامية لا هو ولا خلفاؤه الراشدون ولا الأئمة الأربعة، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة الثلاثة الذين هم خير القرون.
ولو كان في هذه الاحتفالات خير لسبقونا إليه وهم أعلم الناس بالسنة وأكمل حبًا لرسول الله ممن بعدهم.
4- أن العبادات توقيفية ليس لأحد أن يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله قال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ [الشورى: 21].
5- دعوى إظهار محبة الرسول بمثل هذه الاحتفالات والإشادة بذكره دعوى باطلة وإنما يظهر أثر محبته في الاقتداء به واتباع سننه وتحكيم شريعته وامتثال أمره واجتناب نهيه والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه صلوات الله وسلامه عليه قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران: 31] فجعل تعالى لمحبته علامة وهي متابعة رسول الله ورتب تعالى على اتباع رسوله محبته لمن اتبعه ومغفرة ذنوبه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ذكر بعض من أنكر الاحتفال بليلة
الإسراء والمعراج من علماء الإسلام
1- الحافظ ابن حجر العسقلاني في رسالته «تبيين العجب بما ورد في فضل رجب».
2- الحافظ عبد الرحمن بن رجب في كتابه لطائف المعارف فيما المواسم العام من الوظائف (126).
3- الشيخ أحمد بن عبد السلام الشقيري في كتابه السنن والمبتدعات ص (127).
4- الشيخ علي محفوظ في كتابه الإبداع في مضار الابتداع ص (141).
5- سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز في التحذير من البدع ص (7) ذكر فيها بدعة الاحتفال بالمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان مؤيدًا كلامه بالأدلة من الكتاب والسنة فجزاه الله خيرًا.
تتمة في ذكر بعض البدع المحدثة
التي تفعل في شهر رجب
1- تخصيصه بالعمرة التي تعرف بالرجبية والتي هي إحياء لعادة الجاهلية الذين يعتمرون في رجب لكونه شهرًا حرامًا لا يحصل فيه قتال.
ولكن النبي أبطل تلك العادة فلم يعتمر في رجب كما صرحت بذلك عائشة أم المؤمنين منكرة على ابن عمر رضي الله عنهما فأقرها على ذلك. نبه على هذه المسألة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين في مقدمة رسالة تبيين العجب بما ورد في فضل رجب.
2- الاجتماع في المساجد ليلة السابع والعشرين من رجب وإلقاء الخطب والحماضرات وقراءة قصة الإسراء والمعراج والاحتفال بذلك وتخصيصها بالعبادة والقراءة والذكر والدعاء كل ذلك من البدع المحدثة في الدين وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
3- صلاة الرغائب التي تصلى بين العشائين ليلة أول جمعة من شهر رجب سميت بذلك لأجل العطايا المرغوب فيها الحاصلة لمصليها بزعم واضع الحديث فيها ذكر ذلك الشيخ أبو شامة الشافعي في كتابه الباعث على إنكار البدع والحوادث ص (32) قال ابن رجب وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء.
4- الذبيحة التي كانوا في الجاهلية يذبحونها للأصنام في شهر رجب ويسمونها العتيرة وتسمى الرجيبة.
فنهى الشرع عنها وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي قال: "لا فرع ولا عتيرة" والفرع بفتحتين هو أول النتاج كانوا يذبحونه للأصنام فنفاه الإسلام وأبطله.
5- تخصيص هذا الشهر بصلاة أو صيام أو زكاة لم يصح فيه شيء بخصوصه عن النبي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن رجب والحافظ ابن حجر لم يرد في فضل رجب ولا في صيام شيء منه ولا في قيام ليلة مخصوصة لم يرد فيه حديث صحيح يصلح للحجة( ).
نصيحة وتحذير
وبناء على ما تقدم فإننا ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بأن يمتثلوا ما أمر الله به ورسوله، وأن ينتهوا عما نهى الله عنه ورسوله، وأن يتمسكوا بكتاب الله وسنة رسول الله في أقوالهم وأفعالهم وأحكامهم ونظمهم وتصرفاتهم فهذا هو الصراط المستقيم الذي أمرنا باتباعه وترك ما خالفه وسار عليه سلفنا الصالح ورتب عليه سعادة الدنيا والآخرة.
وأن يحذروا من البدع والخرافات والمحدثات في الدين التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي تؤدي بفاعلها إلى شقاوة الدنيا والآخرة قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].
نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم وسائر إخواننا المسلمين صراطه المستقيم وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين وأن يحفظنا وإياهم بالإسلام وأن يجعلنا وإياهم هداة مهتدين وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلوات الله وسلامه على خير خلقه وأنبيائه نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.