فليس من المتصور أن يختلط رجل بامرأة ويغض بصره عنها...!!
من الذي أمر بغض البصر؟!! أليس هو الله سبحانه الذي قال ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ وهو سبحانه وعز وجل الذي قال ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ هو سبحانه وتعالى الذي قال ﴿ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ﴾ فالله أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر وأخبر أن ذلك أزكى لهم أي أحسن وأطهر لهم... ألا نصدقه سبحانه و هو أعلم بنا من أنفسنا؟!! يعلم ما يصلحنا وما يفسدنا، قال الله سبحانه وتعالى ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ .
يا من يرى سقمي يزيد وعلتي أعيت طبيبي
لا تعجبن فهكذا تجني العيون على القلوب
فما هو السبب الأول.. والداهية العظمى والمصيبة الكبرى الذي يوقع في داء العشق والإعجاب..؟!
إنها السهم المسمومة.. إنها جناية العين..
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطـر
يســـر مقلته ما ضر مهجته لا مـرحباً بسرور عاد بالضرر
نعم هي جناية العين..! بل.. إنها عقوبة المخالفة لقوله تعالى ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾
ما زلت تتبع نظرة في نظرة في إثر كل مليحة ومليــح
وتظن ذاك دواء قلبك وهو في التحقيق تجريح على تجريح
نعم.. قد أفسد قلبه وجرّحه..
و لنا في آيات سورة النور التي فيها الأمر بغض البصر عدة تأملات:-
أ- أن الله أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ولم يقل سبحانه قل للناس يغضوا من أبصارهم؛ ولكن قال سبحانه وتعالى ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ لأنه لن يستجيب لأمر الله إلا المؤمنين والمؤمنات؛ قال الله تعالى ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ ولا مفلح غيرهم لأنهم أطاعوا ربهم واتبعوا سنة نبيهم .
ب- أن الله تعالى قال ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ فما السبب الذي من أجله أتى الأمر بحفظ الفرج بعد الأمر بغض البصر..؟!
السبب هو أن الذي لا يغض بصره لا يستطيع أن يحفظ فرجه غالبا؛ وواقع المسلمين وصفحات الحوادث والجرائد خير شاهد على ذلك.. والحر تكفيه الإشارة؛ و إذا أردت الدليل على ذلك تأمل أي قصة كانت نهايتها الوقوع في الفاحشة ستجد أن أول خطوة في ذلك الطريق كانت إطلاق البصر..!!
قال ابن القيم رحمه الله :"إن الله تعالى لما أمر بغض البصر أعقب ذلك بالأمر بحفظ الفرج.. ليدلّ بذلك على أن من أطلق بصره.. أداه ذلك إلى إطلاق فرجه.." نعم والله..!
وكما قال السلف الصالحون إن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس يصيب القلب.. فتجد الذي يطلق بصره قاسي القلب مشتت البال والسبب السم الذي أصاب قلبه من النظرات المحرمة.
قال رسول الله " إن الله كتب على بن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة.. فزنا العين النظر.. وزنا اللسان المنطق.. والنفس تمنى وتشتهي.. والفرج يصدق ذلك.. أو يكذبه" ؛ فتأمل كيف بدأ بالعين.. وختم بالفرج.. ليدل أن إطلاق البصر.. هو طريق الزنا..!! قال ابن القيم : "دافع الخطرة فإن لم تفعل صارت فكرة.." وصدق رحمه الله.
فإن المرء إذا تساهل بالسهم الأولى وهي النظرة.. أصابته السهم الثانية وهي النظر بالقلب فيتفكر ويتمنى..
ثم يتدخل الشيطان فيزين ويوسوس.. يقول له : افعلها وتب.. كل الشباب هكذا.. تمتع بحياتك..
فتتحول هذه الفكرة إلى عزيمة وهم.. فيبدأ يفكر ويخطط.. فإن لم يدافع ذلك.. صار فعلاً.. فإذا هتك الستر بينه وبين ربه.. هانت المعصية على النفس.. وتعودت على المعصية..
لكنه لو تعوذ بالله من أول نظرة.. وصاح بها كما صاح يوسف.. ويقول ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ هذا حال الأبرار المتقين ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾
ج- أن الله تعالى قال ﴿ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ أي أطهر لهم أن يغضوا من أبصارهم وأحسن.. سبحان الله ذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا ويعلم ما يصلحنا وما يفسدنا؛ يعلم ما نسعد به ما لا نسعد به؛ ونحن في العرف نقول: أن الذي يصنع آلة هو أعلم رجل بهذه الآلة، يعلم إذا فسدت أو تعطلت كيف يصلحها وكيف تعمل بكفاءة وكيف يطول عمرها الإنتاجي... ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض وكما قال سبحانه ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ لا تقل أنا أخلاقي حسنة ولا أوذي أحد وأفعل ذلك بحسن نية وأنا أخاف من الله وأتقيه... أقول لك لا تزكي نفسك وتمدحها فالله أعلم بخفايا النفوس والقلوب قال تعالى ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ وقال تعالى ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ .
د- أن الله تعالى أمرنا جميعا بغض البصر فقال ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ و إن لم يغضوا من أبصارهم فماذا؟! قال عز وجل ﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ أي أنك أمرت بغض البصر فإن أطعت الله وغضضت بصرك زاد إيمانك وإن لم تغض بصرك ونسيت نظر الله إليك فاعلم أن الله خبير بما تصنع؛سوف يكتبه ليحاسبك عليه قال تعالى ﴿ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ﴾ أي مكتوب عليك لتحاسب عليه وهو القائل سبحانه﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ . ولما سُئل الحسن البصري رحمه الله: بما يستعان على غض البصر؟ فقال: "أن تعلم أن نظر الله إليك أسبق" قبل أن تنظر تذكر أن الله سبحانه وتعالى يراك ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ .
هـ- كما أن الله سبحانه أمر الرجال بغض البصر أمر النساء كذلك بغض البصر وكما قال النبي "إنما النساء شقائق الرجال" أي أنهن مأمورات بما أمر الله به الرجال به الرجال.
فهذه أول معصية تترتب على كبيرة الإختلاط ؛ أما الثانية فهي:-
مصافحة المرأة الأجنبية
فإن الذين يختلطون غالبا ما يقعون في ذلك ... وقد يقول قائل:هل مصافحة المرأة الأجنبية حرام..؟ هل مصافحة زميلتي التي أعتبرها مثل أختي تماما أو جارتنا التي تربينا سويا منذ الصغر أو أبنة عمي أو ابنة خالتي أو زوجة عمي أو زوجة خالي حرام ..؟!! إنني أصافح أحداهن وليس في نيتي شيء والأعمال بالنيات...
أقول لك أخي الحبيب ... أختي الغالية
هل تعلمون أن النبي كان يبايع الصحابة ويبايعونه على الإسلام بالقول والمصافحة وهل تعلمون أن النبي كان يمتحن المؤمنات– أي يشترط عليهن – قبل الدخول في الإسلام كما في قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قالت السيدة عائشة رضي الله عنها:"فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله "قد بايعتك كلاماً" ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة؛ ما يبايعهن إلا بقوله "قد بايعتكن على ذلك" . ومعلوم كما تقدم أن النبي كان إذا بايع الرجال صافحهم بل قال للنساء في موقف البيعة هذا"إني لا أصافح النساء؛ إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحده أو مثل قولي لامرأة واحدة" وقال "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" وقد قال الله عز وجل ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ .
و لنا في هذه البيعة تأملات :
أ- أن الرجال والنساء الذين جائوا ليبايعوا النبي جائوا يطلبون نصرة الله ونصرة نبيه فكان موقف البيعة موقف جد، موقف نصرة لله، موقف لا مزاح ولا لعب فيه ومع ذلك لم يصافح النبي أي امرأة بايعها؛ لأن البيعة اشتراط على الالتزام بطاعة الله وطاعة الله ملزمة لنا في كل حين ولا يجوز أن نطيع العادات الإجتماعية الفاسدة وقواعد الذوق التي تخالف تعاليم الإسلام ونترك طاعة الله فطاعة الله مقدمة على كل شيء؛ فالإسلام حرم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية للأدلة التي ذكرت؛ فلا يجوز لرجل أن يصافح امرأة أو العكس محتجاً بالعادات الإجتماعية أو بأن ذلك موافقا للأدب والذوق؛ لا والله إن الإسلام جاء بأسمى قواعد الأدب والذوق الرفيع ولكننا رضينا بالعادات الإجتماعية الفاسدة بديلا عن عادات وآداب الإسلام إلا من رحم رب العالمين.
ثم إن بعض الناس هدانا الله وإياهم يصاحبون المصافحة بابتسامات وضحكات وتمايلات تهيج الكامن وتقرب من الفواحش وترغب فيها مثل ما يحدث بين الموظفين والموظفات والطلبة والطالبات فعياذا بالله من الإنحراف عن سواء السبيل.
ب- رغم أن النبي كان معصوما من الخطأ؛ وله من الزوجات تسعة؛ وقد بلغ من العمر الستين إلا أنه لم يصافح النساء اللائي جئن للبيعة ولم يلتفت إلى مسألة النية أو ما إلى ذلك وهو خير أسوة ولم يفعل ذلك لأن من حرم ذلك هو الله عز وجل القائل في كتابه ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾
ومن المعاصي المترتبة على الاختلاط :-
الخضوع بالقول
فإذا اختلط الرجال بالنساء تجد النساء إلا من رحم الله تتبسم وتترقق وتلين في الكلام؛ مع أن الله سبحانه وتعالى نهى عن ذلك فقال: ﴿ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ﴾ فهذا أمر الله عز و جل لنساء النبي ورضي الله عنهن المؤمنات الطاهرات العفيفات أمهات المؤمنين.. فأين نساء اليوم منهن..؟!!
فيجب على المرأة المسلمة المؤمنة ألا تخضع بالقول وليس معنى عدم خضوعها بالقول أن تكون فظة غليظة إذا حادثت بعض الرجال لأمر ضروري؛ لا ولكن تتكلم بكلمات تنم عن أدب وحسن خلق ولا تجعل الرجال يطمعون فيها.. ولتدرك تماما أثناء حديثها أن الله يعلم ما تقول.. معها سبحانه يسمع ويرى.. و لتدرك تماما أن ربها يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. عجيب أمر امرأة فظة غليظة مع زوجها و محارمها ثم هي تخضع بالقول مع الرجال الأجانب والشباب ..!!
وكذلك فلا يخضع الرجال بالقول..!! و قد يعجب شخص من هذا فيتسائل.. هل يخضع الرجل بالقول..؟!
نعم .. هناك من يخضع بالقول من الرجال.. هناك رجل يتصل بصديق له على الهاتف فإذا وجده كلمه كلام رجل لرجل أما إذا ردت عليه امرأة أخذ بسماعة الهاتف..فإذا به يتأنث معها ويتخنث ويخضع لها بالقول غاية الخضوع كي يوقعها في شراكه وحباله .. وخفي عليه أن الله تعالى محيط بما يعمل عليم بما يصنع .
ومن المعاصي المترتبة على الاختلاط :
الخلوة
ما هي الخلوة المحرمة ؟
هي أن ينفرد رجل بامرأة أجنبية عنه في غيبة عن أعين الناس وهي من أفعال الجاهلية وكبائر الذنوب.
ما هو الدليل على تحريمها؟
قول النبي "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم " و قوله "ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" و هذا يعم جميع الرجال ولو كانوا صالحين أو مسنين وجميع النساء ولو كن صالحات أو عجائز ، وقوله "من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان" وقوله "لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم" أي لا تدخلوا على النساء اللاتي غاب أزواجهن لسفر وما إلى ذلك، فهذا الكلام موجه من النبي إلى الصحابة الكرام أطهر الناس بعد الأنبياء فما بالك بنا أصحاب النفوس الضعيفة .. أصحاب الذنوب والمعاصي .. أصحاب الشهوات .. نسأل الله أن يعصمنا من الزلل وأن يغفر لنا ذنوبنا .
وقد يسهل الدخول على المرأة والخلوة بها بسبب وجود القرابة أو بسبب زوجها كابن العم وابن الخال مثلا أو صديق الزوج ..ولذلك حذرنا النبي من الدخول على النساء لأنه من مداخل الشيطان وأسباب الفساد فقد قال النبي "إياكم و الدخول على النساء؛ فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت الحمو الموت" والحمو هو قريب الزوج الذي لا يحل للمرأة كأخيه وابن عمه فبين النبي أنه لو دخل أحد هؤلاء على المرأة فإن ذلك يفسد الحياة الزوجية كما يفسد الموت البدن؛ فلا تعرض المرأة نفسها للخلوة مع أحد وإن قل زمن هذه الخلوة؛ لعدم الأمن وخصوصا مع فساد الزمن، والمرأة فتنة .
فالحكمة من تحريم الخلوة هي سد الذريعة إلى الفاحشة أو الاقتراب منها، حتى يظل المرء واقفا على مسافة بعيدة قبل أن يفضي إلى حدود الجريمة الأصلية؛ قال تعالى ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ﴾ فلا يحل لشخص بعد هذه الأدلة أن يخلو بامرأة لا تحل له ...
فلا يحل لقريب الزوج كأخيه وابن عمه أن يأتي في غياب الزوج ويخلو بالزوجة...!!
ولا يحل لصديق الزوج أن يأتي إلى المنزل في غياب الزوج ويخلو بالزوجة ولا يحل له أن يخلو بها في حضور الزوج في البيت ويغلق عليهما باب...!!
ولا يحل لمدرس أن يخلو بفتاة يعلمها، ولو كان يعلمها القرآن، ولا أن يغلق عليهما باب كما يحدث في كثير جدا من بيوت المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله فهذا باب عظيم من ابواب البلاء...!!
وكذلك لا يحل لمحفظ قرآن أن يخلو بامرأة يعلمها القرآن وكذلك لا يحل لمعالج يعالج بالقرآن أن يخلو بامرأة يعالجها...!!
ولا يحل لطبيب أن يخلو بمريضة ولا بممرضة ونعوذ بالله من المهازل التي تحدث في المستشفيات والعيادات، وياليتهم يفرقون في نوبات العمل بين الرجال والنساء ويفصلون بين الرجال والنساء...!!
و قبيح أيما قبح أمر صيدلي أو بقال يستأجر فتاة للعمل معه حيث هناك مكان يخلو بها فيها...!!
وكذلك لا يحل لمدير أن يخلو بسكرتيرة ولا أن يغلق عليهما باب فالشيطان ثالث هؤلاء كما قد تقدم من كلام النبي .
ولا يحل كذلك لخاطب أن يخلو بمخطوبته فهو لا يزال رجلا أجنبيا عنها، وغريب أمر رجل قلت مروءته وانعدمت غيرته حيث يترك خاطب ابنته بالغرفة معها ويغلق عليهما الابواب فهل هذا من الغيرة بمكان أم إنه من الدياثة بمكان كبير..؟!
وكذلك لا يحل لرجل أن يخلو بالخادمة التي تخدم في بيته فليست هي من محارمه...!!
وكذلك لا يحل للزوجة أو الأبنة أن تفتح باب البيت لأخي زوجها أو صديقه أوصديق أخيها في غير وجود المحرم ولا أن تختلي باحد هؤلاء أو يغلق عليهما باب ...!!
ليحذر كل مسلم ومسلمة مما يعرض على شاشات التلفاز لما ترى المرأة وقد حضر صديق زوجها أو أخية إلى البيت وطرق الباب وقال فلان موجود ؟ فترد عليه قائلة لا .. تفضل فيدخل و يغلق عليهما الباب ويأكل ويشرب ثم يأتي الزوج فيجد زوجته مع ذلك الرجل في البيت وقد فعلت معه ذلك فيشكرها على إكرام ضيفه..!!
إنا لله وإنا إليه راجعون... هل هذا من دين الإسلام في شيء..؟ نعوذ بالله من الخذلان.
فهل يا ترى نجد قلوبا تعي هذه الكلمات..؟ و آذانا تصغي لتلك النداءات..؟ وكل هذه التعاليم والضوابط الربانية سهلة ميسورة لأن الذي أمر بها هو الله الملك سبحانه وتعالى وكما اتفقنا "الدين يسر" وأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
و أكبر معصية تترتب على جريمة الاختلاط:-
الزنا
فعياذا بالله من الزنا.. من أكبر الكبائر المهلكة.. تلك الفاحشة التي مقتها الله عز وجل ووعد من يفعلها ويقع فيها بالوعيد والعذاب الشديد.. عياذا بالله من الزنا.. فهو من أعظم الكبائرو المصائب التي تنكد على من يفعلها حياتهو تفسد عليه دنياه وأخراه وتجعله في نكد دائم وهم لا يفارق.. ولا يزال شبحها يطارده وضررها يلاحقه حتى عند وفاته وفي قبره ويوم يقوم الأشهاد.. تلك الفاحشة الكبرى التي تجلب لفاعلها العذاب في الدنيا والآخرة.. تلك الجريمة الكبرى التى تتسبب في زوال الصحة والعافية وحلول البلايا والاسقام وتتسبب كذلك في محو البركة ومحق الأرزاق.. تلك الجريمة النكراء التي تتسبب في قطع الأرحام واختلاط الأنساب وزوال الإيمان.. تلك الكبيرة الشنعاء التي تلحق بمن يفعلها العار والشنار وتوجب في الآخرة عذاب النار.. فكم من نفس قد أزهقت بسببها وكم من رحم قد قطعت وكم من امراة قد طلقت وكم من صداقات قد مزقت وكم من مولود قد ألحق بغير أبيه.. كم من وجه قد سلب بهاؤه وكم من عين قد سلبت ضياؤها وكم من قلب قد اضطرب وانكمش بسبب هذه الفاحشة المنكرة.
فيا الله.. نسألك الستر والعافية والنجاة من هذه الفاحشة.. نسألك يا ربنا العصمة منها لنا ولأولادنا ولأزواجنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا وآبائنا وأمهاتنا والمسلمين والمسلمات فالمعصوم من عصمت يا ربنا والمحفوظ من حفظت سبحانك.. نسألك يا ربنا أن تجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأن تأخذ بأيدينا إلى الطهر والعفاف و الهدى والتقى والإيمان.
هذا ومن المعلوم لدى عموم المسلمين والمسلمات لدى علمائهم وعامتهم أن الله عز وجل حرم هذه الفاحشة فقال سبحانه ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ﴾ وقال عز وجل عن المؤمنين ﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨)يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩)إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ وحرمها كذلك عز وجل في مواطن كثيرة من القرآن الكريم وكذلك فقد حرم الله تعالى كل السبل الموصلة إليها مثل عدم غض البصر عن المحرمات والاختلاط والخلوة بالأجنبيات والمصافحة واللمس والخضوع بالقول كما ذكر آنفا... فقوله عز وجل ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ﴾ معناه لا تفعلوا وتقتربوا من الزنا بهذه المحرمات المذكورة لأنها كلها تقرب من الزنا.. وصفحات الجرائد وواقع المسلمين وما نراه بأعيننا لأكبر دليل على ذلك .
وبعد كل هذا...
قد يقول قائل...
قد يقول قائل أنا نيتي صالحة وليس في نيتي شيء وأنا أصادق زميلاتي أو أقاربي أو جاراتي على أساس أنهن أخوات لي وكذلك قد تقول هذه المقولة أي فتاة أو امرأة ...!!
أقول لك أخي الحبيب أختي الفاضلة.. إن النية لا تصح إلا في الأعمال الصالحة وكما هو معروف عند المسلمين أن "النية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد"... فلو أن رجلا أراد أن يحج إلى بيت الله فهل هذه إرادة طيبة ونية صالحة..؟ بالطبع نعم فلما ذهب ليحج بالفعل سرق وحج من هذا المال فهل تقبل منه هذه العبادة.. ؟! بالطبع لا.. لأنه ارتكب عملا فاسدا وهو السرقة ومعلوم أن السرقة محرمة في دين الإسلام ونيته الصالحة التي لا شك في صحتها لم تغير من فساد هذا العمل فكذلك الاختلاط وما يلحق به من ذنوب من خلوة ونظر ومصافحة وخضوع بالقول وزنا،كلها أعمال فاسدة في الشرع محرمة على المسلمين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة كما تقدم والنية الصالحة لا تغير من فساد هذه الأعمال.
فتش عن الثغرة
قال الدكتور محمد إسماعيل المقدم .. حفظه الله:
إن جعبة الباحثين والدارسين لظاهرة الاختلاط حافلة بالمآسي المخزية، والفضائح المشينة، التي تمثل صفعة قوية في وجه كل من يجادل في الحق بعد ما تبين. وإن الإحصائيات الواقعية في كل البلاد التي شاع فيها الاختلاط ناطقة بل صارخة بخطر الاختلاط على الدنيا والدين، لخصها العلامة أحمد وفيق باشا العثماني الذي كان سريع الخاطر، حاضر الجواب، عندما سأله بعض عشرائة من رجال السياسة في أوروبا في مجلس بإحدى تلك العواصم قائلا: "لماذا تبقى نساء الشرق محتجبات في بيوتهن مدى حياتهن من غير أن يخالطن الرجال ويغشين مجامعهن؟" فأجابه في الحال قائلا: "لأنهن لا يرغبن أن يلدن من غير أزواجهن" وكان هذا الجواب كصب ماء بارد على رأس هذا السائل، فسكت على مضض كأنه ألقم الحجر.
ولما وقعت فتنة الاختلاط بالجامعةالمصرية؛ كان ما كان من حوادث يندى لها الجبين، ولما سئل طه حسين عن رأيه في هذا قال: "لابد من ضحايا" ! ولكنه لم يبين بماذا تكون التضحية؟ وفي سبيل ماذا؟.. لا بد من ضحايا..!!!
وأي ثمرة يمكن أن تكون أغلى من وأعز وأثمن من أعراض المسلمين؟!
فتبا لهؤلاء المستغربين وسحقا سحقا لعبيد المدنية الزائفة الذين أطلقوا لبناتهم ونسائهم العنان يسافرون دون محرم، ويخلون بالرجال الأجانب، مدعين أن الظروف قد تغيرت وأن ما اكتسبته المرأة من التعليم وما أخذته من الحرية؛ يجعلها موضع ثقة أبيها وزوجها؛ فما هذا إلا فكر خبيث دلف إلينا ليفسد حياتنا، وما هي إلا حجج واهية ينطق بها الشيطان على ألسنة هؤلاء الذين انعدمت عندهم غيرة الرجولة والشهامة فضلا عن كرامة المسلم ونخوته .
ومثل الذين يتهاونون في الخلوة والاختلاط الآثم بدعوى أنهم ربوا على الاستجابة لنداء الفضيلة ورعاية الخلق؛ مثل قوم وضعوا كمية من البارود بجانب نار متوقدة ثم ادعوا أن الإنفجار لا يكون لأن على البارود تحذيرا من الإشتعال والإحتراق...!! إن هذا خيال بعيد عن الواقع ومغالطة للنفس وطبيعة الحياة وأحداثها.
والآن نستطيع بكل قوة أن نجزم بحقيقة لا مراء فيها، وهي أنك إذا وقفت على جريمة فيها نهش العرض وذبح فيها العفاف وأهدر فيها الشرف؛ ثم فتشت عن الخيوط الأولى التي نسجت هذه الجريمة وسهلت سبيلها فإنك حتما ستجد أن هناك ثغرة حصلت في الأسلاك الشائكة التي وضعتها الشريعة الإسلامية بين الرجال والنساء، ومن خلال هذه الثغرة دخل الشيطان...!
وصدق الله العظيم إذ يقول ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا (٢٧)يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾
تمت الرسالة والحمد لله رب العالمين
وجزى الله خيرا من نشرها وأذاعها نصيحة للمسلمين ، وقد قال رسول الله "الدال على الخير كفاعله"