4ـ حياته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه :
لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش في برج عاجي بعيداً عن أصحابه ومجتمعه بل كان يعيش معهم يخالطهم ويعيش معهم في آمالهم وآلامهم حتى أن من يقدم من خارج المدينة وهو لا يعرفه لا يميزه بين أصحابه . كان يعيش معهم كأنه أحدهم . فكان يبرز للناس وكان يبيع ويشتري لنفسه ومن ذلك قصة الأعرابي الذي اشترى منه صلى الله عليه وسلم فرساً وذهب إلى البيت لينقده فلوسه فطمع الأعرابي وأنكر البيع فشهد بذلك خزيمة بن ثابت رضي الله عنه والقصة مشهورة عند النسائي وغيره وكذلك . شراؤه جمل جابر رضي الله عنه .
وكان صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه ويلاعب أطفالهم فعن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله أحسن الناس خلقاً وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال : أحسبه كان فطيماً قال : فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال : " أبا عمير ما فعل النغير ؟ " . وكان صحابته يرجعون إليه في كل شئ حتى في مخالفات أطفالهم فيتعامل معها صلى الله عليه وسلم بأسلوب تربوي عظيم يتناسب مع سن الصغير ومرحلة الطفولة . روى أبو داود عن أبي رافع بن عمرو الغفاري قال : كنت غلاماً أرمي نخل الأنصار فأُتي بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا غلام لِمَ ترمي النخل ؟ قال آكل ، قال : " فلا ترم النخل وكل مما يسقط في أسفلها " ثم مسح رأسه فقال : " اللهم أشبع بطنه " وفي رواية للترمذي قال : " أشبعك الله وأرواك " .
يصف الصحابة رضوان الله عليهم مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم لهم في جميع حياتهم حضرها وسفرها ، وتفقده لأحوالهم الخاصة والعامة فيقول أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه : ( إنا والله قد صحبْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر وكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا ويغزو معنا ويواسينا بالقليل والكثير ) رواه أحمد .وكان يعمل معهم في حفر الخندق ، وفي بناء المسجد وغيره .
لم ينشغل هذا القائد العظيم عن تفقد حال امرأة كانت تقم المسجد فيفتقدها فيسأل عنها فيقال أنها ماتت فيقول هلا آذنتموني فيقال ماتت بليل فيذهب إليها ويصلي عليها في قبرها . ما أعظم هذا القائد ! وما أحسن عشرته !
كان صلى الله عليه وسلم يؤاكل أصحابه فربما حضر معه الأعرابي حديث العهد بالإسلام أو الغلام أو الجارية ممن لا يعرف آداب الطعام والشراب فيأخذ بأيديهم ويعلمهم ويربيهم . روى الإمام أحمد عن حذيفة قال : ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُتي بطعام فجاء أعرابي كأنما يطرد فذهب يتناول فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده ، وجاءت جارية كأنها تطرد فأهوت فأخذ النبي بيدها فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الشيطان لما أعييتموه جاء بالأعرابي والجارية يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه ، بسم الله كلوا" ) .
وروى البخاري ومسلم عن عمر بن أبي سلمة قال : كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصفحة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا غلام سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك " فما زالت تلك طِعمتي بعد .
وربما أردف أحد أصحابه فعلمه وأرشده وربما أردف بعض الشباب واستغل ذلك بتعليمه وتربيته .
إن أتباع الرسول من العلماء والدعاة لا بد أن يعوا هذا الدرس ويخالطوا الناس ويفتحوا أبوابهم وصدورهم للأمة ولشبابها . ويحلوا مشاكلهم ويعلِّموا جاهلهم ويربوا صغيرهم . إن بقاء جفوة بين العلماء والناس خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وإن ازدياد بعد العلماء عن مخالطة الناس جدير بإيجاد حاجز عريض بين الأمة وعلمائها . العالم المؤثر هو ذلك الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ويحل مشاكلهم ويشعرهم بأنه معهم كما هو هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم .
إن فتح العلماء أبوابهم للناس جدير بإذن الله في حل كثير من الاشكالات والأفكار الخاطئة ، إن من أعظم الفتن في عصر مثل هذا العصر أن يبتعد العلماء المؤثرون عن واقع أمتهم . ويصعب أن تجدهم الأمة إذا احتاجتهم . فأين هذا من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟ ولمن يترك توجيه الأمة ــ إذا قصر العلماء في ذلك ؟! .
5ـ رحمته صلى الله عليه وسلم وشفقته :
قد رزق الله نبيه صلى الله عليه وسلم قلباً رقيقاً وحناناً دافقاً فهو صاحب القلب الحنون تكسوه الرحمة وتحركه العاطفة الإيمانية ، أما أهل القلوب القاسية فإنهم لا يعرفون الرحمة وليس للعاطفة في صدورهم مكان إنهم كالحجارة الصماء جفاف في العطاء وبخل بأرق المشاعر . قبََّل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أبناء فاطمة وكان عنده رجل من الأعراب فقال تقبلون أبناءكم ؟! إن عندي عشرة من الولد ما قبلت منهم واحداً فقال صلى الله عليه وسلم وما يدرني لعل الله قد نزع من قلبك الرحمة .
عن أنس رضي الله عنه عنه : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ابنه إبراهيم فقبَّله وشمه )) البخاري . وهذه الرحمة ليست لأبنائه فقط بل هي عامة لأبناء المسلمين . قالت أسماء بنت عميس زوجة جعفر رضي الله عنها : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بني جعفر فرأيته شمهم وذرفت عيناه فقلت يا رسول الله أبلغك عن جعفر شئ ؟ قال : " نعم قتل اليوم " فقمنا نبكي ، ورجع فقال : " اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد جاء ما يشغلهم " الترمذي وابن ماجه.
ولما كانت عيناه صلى الله عليه وسلم تفيض لموتهم سأله سعد بن عبادة رضي الله عنه : يا رسول الله ما هذا؟ فيقول صلى الله عليه وسلم : " هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء " البخاري .
وعندما ذرفت عيناه صلى الله عليه وسلم لوفاة ابنه إبراهيم قال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : وأنت يا رسول الله ؟ فقال: " يا ابن عوف ، إنها رحمة لمن اتبعها بأخرى " وقال : " إن العين تدمع، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " البخاري .
وقد بلغ من رأفته ورحمته أن يصعد الصبي على ظهره وهو ساجد يصلي بالناس فيطيل السجود مخافة أن يعجل الصبي عن عبد الله بن شداد عن أبيه رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في احدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها قال أبي : فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله الصلاة قال الناس يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك ؟ قال : " كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته " النسائي وكان صلى الله عليه وسلم يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها .
وبلغت رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته أنه يخفف الصلاة بسبب بكاء طفل مراعاة لحال أمه . عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأدخل في الصلاة وإني أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم لوجد أمه ببكائه " ابن ماجه.
هذا الخلق العظيم مع الصغار يدعونا إلى التأسي به صلى الله عليه وسلم و أن نسير على خطاه في وقت فقدنا فيه الإحساس بمحبة الصغار وإنزالهم منزلتهم فهم الرجال غداً وآباء المستقبل وفجر الأمة المنتظر ، تعاملنا مع الأطفال بشئ أقرب إلى التعالي والكبرياء حتى في المسجد ننهرهم ونؤخرهم ولا نعتبر أحاسيسهم ، إن الأطفال لهم أحاسيس ومشاعر ورغبات وأهواء لا بد من إشباعها لتنطبع قلوبهم بالمحبة والإجلال ، المصطفى صلى الله عليه وسلم ملك بأسلوبه الرائع قلوب الأطفال فأصبحت كلماته وتعليماته تنطبع في قلوبهم مباشرة ، إنه صلى الله عليه وسلم ملك مفاتيح قلوبهم بيده ولسانه . حتى أصبح الصبي يحبه ويجله ويقدره وهو صلى الله عليه وسلم ينزل الناشئة منزلة رفيعة . " يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ... " " يا غلام سم الله "
كان صلى الله عليه وسلم إذا مر بهم وهم يلعبون سلم عليهم ورب مازحهم ، وإذا مر بهم على بغلته أركبهم معه .
إن للأطفال مشقتهم وتعبهم وكثرة حركتهم إلا أن القدوة عليه السلام لا يغضب ولا ينهر الصغير ولا يعاتبه ، كان يأخذ بمجامع الرفق وزمام السكينة . عن عائشة رضي الله عنه قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبيان فيدعو لهم فأُتي بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله ) . إن الأطفال ليكونوا رجالاً بحاجة إلى يد حانية ترحم وتربي ولكي تكون التربية مؤثرة لا بد أن نشعر أبناءنا بالرجولة والاهتمام بهم وأن نتحمل أخطاءهم لأن هذا أقرب لتربيتهم وكسب قلوبهم . إن صغارنا يحتاجون منا أن ننزل من كبرياء شموخنا المزعوم وأن نبتعد عن الألفاظ البذيئة التي تهدم ولا تبني وإذا أدبنا يجب أن يكون ذلك التأديب مدروساً . الصغار لهم اهتماماتهم ولهم حياتهم فمن الخطأ أن نسعى إلى مصادرة ذلك أو نهمش ذلك الدور . الواجب أن ندرك أن هذا الشئ يعني الكثير للأطفال فلا بد إذً أن نلبي هذه الرغبة وأن نشبعها . فهل مازحنا صغارنا وهل سمعنا ضحكاتهم وجميل عباراتهم وبادلناهم شعوراً مماثلاً . يحسسهم بالحب والحنان والشفقة أم أشغلتنا أمور الحياة عنهم . فنبي هذه الأمة وقائدها كان يفعل ذلك . فكان يداعب الصغار ويمازحهم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُدلع لسانه للحسن بن علي ، فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش له )) الصحيحة 70 وعن أنس رضي الله عنه قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلاعب زينب بنت أم سلمة وهو يقول : " يا زُوينب ، يازوينب مراراً )) الصحيحة 2141 وعن محمود بن الربيع رضي الله عنه قال : (( عقلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي من دلو من بئر كانت في دارنا وأنا ابن خمس سنين )) مسلم .
نسوق هذه السيرة العطرة لعلنا نحيي بها قلوبنا ونقتفي أثرها ، فبيوتنا تُزهر بالصغار والأطفال الذين يحتاجون إلى حنان الأبوة وعاطفة الأمومة وإدخال السرور على قلوبهم الصغيرة . .. فينشأ الصغير سوي العاطفة سوي الخلق يقود أمة عند ما يصبح رجلاً ــ بإذن الله ــ صنعه الرجال والأمهات بعد توفيق الله تعالى .
ولقد عاش الخدم في بيت رسول الله عيشة السعداء فهاهو يقرر حقيقة هامة في هذا الجانب لينطلق الناس على ضوئها في التعامل مع الخدم ومن تحت أيديهم من العمالة يقول صلى الله عليه وسلم : " هم إخوانكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فأطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم " مسلم .
ثم نتأمل في خادم يروي عن مخدومه كلاماً عجيباً ويثني ثناء عطراً . عن أنس رضي الله عنه قال : " خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط ، وما قال لي لشئ صنعته لِمَ صنعته ؟ ولا لشئ تركته " مسلم .
عشر سنوات كاملة ليست أياماً ولا شهوراً إنه عمر طويل فيه تقلبات النفس واضطرابها ومع هذا لم ينهره ولم يزجره بل كان يكافئه ويطيب خاطره ويلبي حاجته وحاجة أهله ويدعو لهم . قال أنس رضي الله عنه قالت أمي : يا رسول الله خادمك ادع الله له فقال : " اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته " البخاري
إنه ليس من الشجاعة ولا من القوة ولا من الشهامة أن يظلم الإنسان من تحت يده من خدم أو عمال أو يتسلط عليهم بيده أو لسانه أو يهينهم تحت رحمة الحاجة التي جلبتهم من بلادهم . في الحكمة : إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك . إن هناك صوراً من الظلم والإهانة يعج بها المجتمع في تعامله مع الخدم والعمال صوراً بعيدة عن العدل والإنصاف فالإمام القدوة عليه الصلاة والسلام نهجه واضح في ذلك وتعليمه بين في هذا الأمر . رسول الله مع شجاعته لم يُهن ولم يضرب إلا في حق ، ولم يتسلط على الضعفاء الذين تحت يده من زوجة وخادم .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : (( ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ، ولا ضرب خادماً ولا زوجة )) مسلم .بل كان ينادي بالرفق والأناة والحُلُم :" إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله " متفق عليه .
هذا الإمام القائد وسع وقته وصدره جميع الأمة ولم يكن يترفع عن أي فرد في الأمة ، يتواضع لتلك المرأة المسكينة ويمنحها من وقته الملئ بالأعمال . فعن أنس رضي الله عنه قال : (( أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له : ( إن لي إليك حاجة فقال : " اجلسي في أي طريق المدينة شئت أجلس إليك " أبو داود . وكان من تواضعه الذي بلغ الغاية أنه كان يقول : " لو دعيت إلى ذراع أو كُراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت " البخاري .
هذا هو نبي الله خير من أقلته الغبراء وأظلته الخضراء ، الذي بلغ السؤدد والمكانة العالية كان دائم الإخبات والإنابة إلى ربه شديد الانكسار بين يديه :
يروح بأرواح المحامد حُسنُها **** فيرقى بها في ساميات المفاخر .
وإن فُض في الأكوان مسكُ ختامها **** تعطر منها كلُّ نجد وغـــائر .
فأين المتكبرون المتغطرسون ؟!! من هذه السيرة العطرة . ولهؤلاء في كل عصر وحين . يبقى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجزاً ورادعاً لكبرهم واستعلائهم . عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " مسلم .
6ـ مجلسه صلى الله عليه وسلم :
أكرم المجالس مجلس العلم والذكر فما بالك إذا توسط المجلس إمام الأمة وسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام . كان من صفاء مجلسه ونقاء سريرته . أن يرد المخطئ ويصوب الجاهل وينبه الغافل ولا يقبل في مجلسه إلا الخير . وكان صلى الله عليه وسلم مستمعاً منصتاً لمحدثه إلا أنه لا يقبل غيبة ولا يرضى بنميمة ولا بهتان فهو يرد عن أعراض الآخرين ، ولا يقبل في مجلسه ما يخالف الشرع . عن عتبان بن مالك رضي الله عنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فقال : " أين مالك بن الدخشم ؟" فقال رجل ذلك منافق لا يحب الله ولا رسوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تفعل ذلك . ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله؟! وإن الله قد حرم على النار من قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ! " متفق عليه .
وكن صلى الله عليه وسلم يحذر من شهادة الزور واقتطاع الحقوق . عن أبي بكر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟" قلنا بلى يا رسول الله : قال : " الإشراك بالله وعقوق الوالدين " وكان متكئاً فجلس فقال : " ألا وقول الزور " فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت " البخاري .
ومع محبته صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها إلا أنه أنكر عليها الغيبة وأوضح لها عِظَم خطرها . عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبُك من صفية كذا وكذا ــ تعني قصيرة ــ فقال : " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لغيرته " أبو داود . وقد بشر صلى الله عليه وسلم من يذب عن أعراض إخوانه فقال صلى الله عليه وسلم : " من ذب عن عرض أخيه الغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار " أحمد
أين نحن في مجالسنا من هذا المجلس المبارك الذي يعلم فيه الجاهل ويذكّر فيه الغافل ويسكت فيه المغتاب وتحفظ فيه الحقوق . إن كثيراً من المجالس التي يجلسها الإنسان تكون عليه ترة وحسرة يوم القيامة ، وتكون عليه وبالاً . فهل وقفنا مع أنفسنا ونحن نقضي الساعات الطوال والدوريات المستمرة فحاسبناها وأوقفناها عند حدود الله ؟! . هل تذكرنا ونحن نتلذذ في مجالسنا بالكلام في الآخرين المساءلة من الله عن هذه المجالس ؟ .
أن أولئك الأقوام الذين ليس لهم هم في مجالسهم إلا الغيبة والنميمة والوقوع في الأعراض . إن أولئك آثمون متعدون لحدود الله مخالفون لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إن التقاء الأقارب والأحباب والجيران والأصدقاء أمر طيب وصلة وبر واجتماع حسن لكن لا بد أن يكون لقاء مثمراً . من الطيب والمحمود أن يجتمع هؤلاء على ذكر حسن وعلى فائدة منتقاة وعلى خير وبر . إن لقاء الجيران من الطيب فيه أن يتدارسوا أمور حيهم وأبناء الحي وكيف يفاد أهل الحي ؟ وعلاج المشكلات الموجودة والسعي في تكميل الخدمات الناقصة لدى المسؤولين . بهذا يكون لقاء مثمراً وكذلك دوريات الأقارب أو الأصدقاء وكذا تجمعات نسوة الحي أو الجارات يجب أن يبتعد فيه عن ما يسخط الله ، وأن يسعى فيه لتحصيل الفوائد .
بهذه الأمور وأمثالها نستطيع أن نستثمر تجمعاتنا ودورياتنا ونضيق الخناق على مداخل الشيطان وأعوانه الذين يريدون الشر والإفساد
وفي الختام أسأل الله أن نكون متأسين بهدي نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام .