وينطلق المسلمون من أطراف الجزيرة قاصدين مكّة حاجّين مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويلتقي ركب منهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (( بالرَّوحاء )) وهو مكان قرب المدينة المنورة ، آمنوا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون أن يروه ، فيقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( مَن القوم )) ؟ قالوا : المسلمون ، فقالوا : مَنْ أنتَ ؟ قال : (( رسول الله )) ، فرفعت إليه امرأةٌ صبيّا فقالت : ألهذا حج ؟ قال ((نعم ولك أجر)) (3) فكان سؤالها وجوابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ دافعاً للمسلمين أن يعوِّدوا أبناءهم منذ الصغر مناسك الإسلام وشعائره حتى يتمثلوها في حياتهم ثوابتَ يعملون بها ، لا يحيدون عنها .
ويخطب فاطمةََ بنتَ قيسٍ رجلان هما أبو الجهم ، ومعاويةُ ، فتحتار أيُّهما تختار ؟ ولتقف على خبريهما تنطلق إلى الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ تستفتيه فيهما ، وتعرف أمرهما ، فهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسولُ الله ، ولن يخذلها . . . قالت : إن أبا الجهم ومعاوية خطباني ؟ ولا تقول أكثر من هذه الجملة ، ويعرف الأريبُ ، النبيهُ ، المعلّم ، الناصح ، ماتريد . فيقول : (( أما معاويةُ فصعلوك (4) لا مال له ، وأما أبو الجهْم فلا يضع العصا عن عاتقه )) (5) (( ضرّابٌ للنساء)) . . . هاتان إذاً أبرز صفتين في الرجلين ، إن شاءت اختارت أحدهما وإن شاءت رغبت عنهما ، ثم ينصحها أن تتزوج أسامة بن زيد رضي الله عنهما .
وتروي أم المؤمنين زينب رضي الله عنها أنَّ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل عليها فزعاً يقول: (( لا إله إلا الله . . . ويل للعرب من شرِّ قد اقترب ، فتح اليوم ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه )) وحلّقَ بإصبعيه الإبهام والتي تليها ، فقلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟! قال : (( نعم إذا كثر الخَبَثُ )) (6) .
فينبغي أن يكون الصالحون مصلحين ، أما إذا كان موقفهم سلباً ، ونشط المفسدون يهدمون الأمّة، وحقّ عليها العذاب فأوّل ما يُبدأ بهؤلاء الذين انزوَوا ، ولم يَدْعوا إلى الله تعالى وتركوا المجال للمفسدين ينخرون في المجتمع وينشرون فيه الفساد ، ونسُوا قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )) وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) (7) . . . نعم . . نهلك وفينا الصالحون إذا كثر فينا الخَبَثُ .
وكثيراً بل اكثر من الكثير أن ترى المرأة لا تفهم للحجاب معنى ، وإن كانت محجّبةً بل قلْ : تخمّر رأسها وتلبس قميصاً وبنطالاً ، وكأن إخفاء الشعر هو الحجاب !! أما الكحل ، وطلي الوجه بالألوان والأصباغ وتحميرُ الشفاه فلا علاقة له بالحجاب !! أما القميص والسراويل فهي ضيّقة جداً لا تظهر من جسد المراة سوى هضابها ووهادها ومرتفعاتها ومنخفضاتها ، وترسم للعين المتفجِّعة ما خَفِي رسماً واضحاً ! فأي حجاب هذا وأي ستر هذا الستر ؟
وغالب النساء ومعهم كثير من الرجال لا يرون مانعاً أن تنظر المرأة إلى الرجل في الأحوال العادية دون حرج ،لأنه الطالب وهي المطلوبة ، وكأن الرجل وحده مأمور بغض البصر! ونسوا أنَّ الله تعالى يأمر الجنسين أن يغضوا من أبصارهم قال تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ . . . ) (1) إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ــ كان مع زوجتيه أم سلمة وميمونة رضي الله تعالى عنهما فأقبل ابن أم مكتوم بعد أن أمرت النساء بالحجاب ، فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( احتجبا منه )) فقالتا : يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ، ولا يعرفنا ؟ فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( أفعمياوان أنتما ، ألستما تبصرانه !؟ )) (2) .