أولاً : مفهوم الأخوة الإيمانية :
1- الأخوة الإيمانية امتداد لمحبة الله وتوحيده :
ثبتت رابطة الاخوة بين المؤمنين بقوله تعالى ذكره ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) [ الحجرات : 10] ، فهي رابطة بعقد الله سبحانه وتعالى ، وإن أول ما يميز هذه الرابطة أنها في ذاته سبحانه وتعالى ، فمفهوم الأخوة الإسلامية هي امتداد لمحبة الله تعالى وتوحيده ، فالمحبة والموالاة للمؤمنين هي لازم لمحبة الله وموالاته ، فمن أحب الله وولاه لابدّ أن يحب من يحبه الله سبحانه وتعالى ومن يقرب من الرسل والصديقين والمؤمنين .
يقول الله سبحانه وتعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) [ التوبة : 71] هكذا بهذا العموم ، فالأخوة الإيمانية تفتح لكل موحد باب عظيم للأخوة في كل أنحاء الأرض ، وما أجمله من شعور ، أن نشعر بأن كل موحد على وجه الأرض هو أخ لنا ، له من الحقوق ما له وعليه من الواجبات ما عليه ، في أي بقعة كان ومن أي شعب أو لغة كان ما دام على عقده وميثاقه التوحيدي مع الله سبحانه وتعالى ،فالأخوة الإيمانية فوق كل الحواجز والعلائق الأرضية ، وفي هذا إلماحة إلى ضلال أولئك الذين يفرقون المسلمين والموحدين على أساس ولاءات عصبية ، وجنسيات وتابعيات مقيتة ، تفتت الأمة وتمزقها ، وتضع الحدود التي تفصل بين أبنائها .
ورحم الله القائل :
يا أخي المسلم في كل مكان وبلد أنت مني وأنا منك كروح في جسد
2- الأخوة الإيمانية أخوة في طريق تعمير الأرض وتحرير الإنسان :
مما يميز الأخوة الإيمانية كذلك أنها لقاء بين الموحدين على مهام عظيمة ، وأعمال كبيرة ، تسمو بالمسلم إلى المهمة الأصيلة في تعمير الأرض بالخير ، ونشر العدل في الأرض ، ومحاربة الطواغيت ؛ فهي إذاً أخوة في سبيل تحقيق مهام جِسام في حياة البشرية لا يقدر عليها المسلم بمفرده ، وإنما تتآزر جهود المؤمنين وطاقاتهم مجتمعة لتحقيق هذه المهام العِظام .
أخوة الإسلام أخوة لبناء دولة الإسلام ....وهو ما يطلق عليه أخوة المنهج .
وأخوة الإسلام أخوة في طريق إزالة الطواغيت ونشر العدل في الأرض ....وهو ما يطلق عليه أخوة السلاح .
وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصحابة الكرام من مهاجرين وأنصار في رباط أخوة إيمانية ، أبدعت نواة لدولة حضارية عمّرت الأرض بمنهج الله تعالى .
3- الأخوة الإيمانية أخوة فوق كل العصبيات الأرضية كمثل الجسد الواحد :
إن الاخوة الإيمانية أخوة إيديولوجية ، تنطلق من أسس عقدية ، فالمؤمنون والمؤمنات .. ربهم واحد ، ورسولهم واحد وقدوتهم واحدة ، وكتابهم واحد ، وقبلتهم واحدة ، ومنهجهم واحد ، ومعتقدهم واحد ، وقائدهم وأميرهم واحد .
فهم كالجسد الواحد الذي تسكنه روح واحدة ويديره عقل واحد وله تطلعات وأهداف واحدة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (َ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) ، فهي فوق أخوة النسب ، وهي فوق أخوة القبيلة ، وهي فوق أخوة الوطن ...فوق كل الأخوات الأرضية ...تسمو عليها وترتقي لتلتقي على نفحة الوحي السماوية .
ثانياً : فضل التآخي بالله والتحابب فيه :
وردت نصوص كثيرة في بيان فضل الأخوة في الله ، والتلاقي عليه ، والتحابب فيه ، ورتبت عليها الأجر الجزيل ، والثواب العظيم في الدنيا والآخرة ... وهذه طائفة منها :
1- الأخوة في الله نعمة الله وفضله :
يقول الله سبحانه وتعالى : ( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [ آل عمران : 103]
فجعل المولى عز وجل الأخوة منحة إلهية ، ونفحة ربانية يهبها الله للمخلصين الصادقين ، يمحى بها الأحقاد الجاهلية ويزيل بها العداوة والبغضاء فتتوحد القلوب ، وتتآلف النفوس على المنهج الواحد ، والعقيدة والواحدة .