الحمد لله الذي خلق من كل شيء زوجين وجعل الزواج سنة الله في خلقه وآية من آياته العظمى، والصلاة والسلام على نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم وصار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين أما بعد:
فما أجمل الزواج الإسلامي الذي يقوم على المودة والرحمة قال تعلى: (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)). [الروم: 21].
وما أسعد هذا العرس المبارك الذي جمع الله تعالى فيه الزوجين وألف بين قلبيهما وقرن بينهما بطريق شرعي حلال على كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (( فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا)) [النساء: 3].
وقال تعلى: (( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون)) [النحل: 72].
وقال تعالى: (( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم)) [النور: 32].
ونهى سبحانه عن الانقطاع عن الزواج للقادر عليه فقال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)) [المائدة: 87].
والزواج من هدي الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم.
قال تعالى: (( ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب)) [الرعد: 38].
ومن كره الزواج ورغب عنه فقد خالف السنة وفارق هدي النبي صلى الله عليه وسلمالذي قال: (( أما والله إني لأخشاكم وأتقاكم لله لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)) (متفق عليه).
وقال صلى الله عليه وسلم: (( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)) (متفق عليه).
الأسس الشرعية للزواج:
لكي تتحقق المودة والرحمة بين الزوجين لابد أن يقوم الزواج على حسن الاختيار ومن معايير حسن الاختيار في الإسلام ما يلي:
1- الاختيار على أساس الدين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فأظفر بذات الدين تربت يداك)) (متفق عليه).
كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أولياء المخطوبة إلى أن يبحثوا عن الزوج صاحب الدين والخلق الكريم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)) (الترمذي).
2- الاختيار على أساس الأصل والشرف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس)) [ابن ماجه].
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إياكم وخضراء الدمن)) قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: (( المرأة الحسنة في المنبت السوء)) (الدارقطني).
3- تفضيل ذوات الإبكار: حث الإسلام على اختيار المرأة البكر. قال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالإبكار، فإنهن أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وأقل خبَّباً (مكراً وخديعة) وأرضى باليسير)) [ابن ماجه].
4- تفضيل المرأة الولود: قال صلى الله عليه وسلم ((تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم)) [ابو داود].
5- النظر إلى المخطوبة: حث الإسلام على النظر إلى المرأة التي سوف يخطبها، ليتعرف على جمالها، فيقدم على الزواج منها، فعن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنظر إليها)) قال: لا، قال: ((أنظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)) [الترمذي].
حق الزوج على الزوجة:
أن تطيعه، وتحفظه في نفسها وماله، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه. قال صلى الله عليه وسلم: ((ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالح؛ إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله)) [ابن ماجه].
حق الزوجة على الزوج:
المعاشرة بالمعروف، والنفقة والكسوة، والعدل بين النساء إذا كن اكثر من واحدة. سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حق الزوجة فقال: ((أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت)) [أبو داود].
ليلة هانئة وعيشة راضية:
يحدثنا التاريخ أن شريحاً قابل الشعبي يومياً فسأله الشعبي عن حاله في بيته فقال له شريح: منذ عشرين عاماً لم أر ما يغضبني من أهلي، قال له وكيف ذلك قال شريح:
من أول ليلة دخلت على امرأتي ورأيت فيها حسناً فاتنا وجمالاً نادراً، قلت في نفسي اصلي ركعتين شكراً لله عز وجل.
فلما سلمت وجدت زوجتي تصلي بصلاتي وتسلم بسلامي.
فلما خلا البيت من الأصحاب والأصدقاء قمت إليها فمددت يدي نحوها فقالت: على رسلك يا أبا أمية كما أنت ثم قالت:
إن الحمد لله أحمده واستعينه وأصلي على محمد وآله وبعد. فإني امرأة غريبة، لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما تحب فآتيه، وبين لي ما تكره فأتركه، ثم قالت: فلقد كان في قومك من هي كفء لك، ولقد كان في قومي من هو كفء لي، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً، وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله به، فإمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولك.
من منا سمع مثل هذا الكلام ليلة عرسه؟
قال شريح: فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضوع، فقلت: أحمد الله واستعينه وأصلي وأسلم على النبي وآله وبعد فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك، فإني أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها، فقالت: كيف محبتك لزيارة أهلي؟
قلت: ما أحب أن يملن أصهاري.
فقالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له ومن تكره فأكره.
قلت: بنو فلان قوم صالحون وبنو فلان قوم سوء.
قال شرحيك فبت معها بأنعم ليلة.
فمكثت معي عشرين عاماً لم أعتب عليها في شيء إلا مرة وكنت لها ظالماً.
يا لـهـا مــن حـيـاة هـانـيـة وعـيـشـة راضـيــة
وصية أم لابنتها عند الزواج:
خلت الأم الصالحة العاقلة البليغة أمامة بنت الحارث خلت بابنتها في ليلة زفافها وأهدت إليها هذه الوصية الغالية: وانتبهن أيتها الأخوات الفضليات والأمهات الكريمات.
قالت الأم لابنتا: أي بنية إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لك ولكنها تذكرة للغافلة ومعونة للعاقلة.
أي بنية: لو أن امرأة استغنت عن الزوج، لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليهما، لكنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال، فخذي وصيتي فإن فيها تنبياً الغافل ومعون للعاقل.
أي بنية: إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلق=فت العيش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تأليفه، فأصبح بملكه عليه رقيباً ومليكاً، فكوني له أمة يكن لك عبداً.
واحفظي له خصالاً عشراً تكن لك ذخراً.
أما الأولى والثاني: فالخضوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا طيب ريح.
وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه. فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.
وأما السابعة والثامنة : فالاحتراس لماله والإرعاء على حشمه وعياله ، وملاك الأمر في المال حسن التدبير وفي العيال حسن التقدير .
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصي له أمراً، ولا تفشي له سراً فإنك إن خالفت أمره أو غرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره.
ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مغتماً، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً.
* هذه هي أخلاق المرأة المسلمة، وهذا فهمها، وهذه وصيتها، وتلك ثقافتها، فالله عليك هل سمعتم كلاماً وعقلاً وحكمة كهذه.
** هذه هي المرأة المسلمة، يوم أن تسربلت بأخلاق الإسلام، وتربعت على عرش حياتها تتمسك بحجابها بيمينها وتزلزل عروش الكفر والتغريب بشمالها، ووالله من كانت هذه أخلاقها فهي من أهل الجنة.
إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نساؤكم من أهل الجنة الودود الولود العؤود على زوجها (أي بالنفع والخير) التي إذا غضب زوجها جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول لا أذوق غمضاً (أي نوماً) حتى ترضى)) [النساء والطبراني].
الوصية للشباب عامة والأزواج خاصة:
أوصي الشباب بما أوصاهم به المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)).
وأبشرهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)) [الترمذي].
وأوصى الأزواج بنائهم خيراً كما أمرنا الله عز وجل بقوله: (( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)) [النساء: 19].
ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء خيراً)) والحديث رواه البخاري ومسلم.
فزوجك أمانة، أمنك الله إياها، وسوف يسألك عنها يوم القيامة، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته وأخيراً أوصي الأباء والأمهات بعدم المغالاة في المهور والإسراف في الجهاز والنفقات، وغيرها، فإنها تمحق بركة الزواج، وهذا هو الذي جعل أكثر الشباب عذباً وجعل أكثر البنات عوانس، والجريمة الأولياء الذين يتشددون في هذا الأمر، وهذا من أقوى أبواب الفساد في الأمة والعياذ بالله.
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة)) [وراث أحمد].
أسأل الله الهداية والرشاد للجميع وبارك الله للعروسين وبارك عليهما وجمع بينهما في الخير دائماً إنه ولي ذلك ومولاه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إعداد دار القاسم