لا غرابة أن يتسمر العربي أمام الشاشات. أوضاع مصر لا تعنيها وحدها. لهذا البلد موقع مميز في أمته وداخل مشاعرها. لا يتعلق الأمر فقط بحجمه السكاني. أو موقعه الجغرافي. أو جذوره الضاربة عميقاً في التاريخ. يتعلق قبل ذلك بدوره الكبير والطبيعي في أمن العالم العربي ومجريات حاضره وحسابات مستقبله. يستحيل الحديث عن وضع صحي في العالم العربي إذا كانت مصر مريضة. دورها حاجة عربية ملحة. لا يمكن شطبه. ولا الاستغناء عنه. وحتى حين يصاب بانحسار يشعر الجميع أن الانحسار غير طبيعي وموقت.
مصر موضوع عربي بقدر ما هي موضوع مصري. يشعر العربي انه معني باستقرارها. وبالنقاشات التي تدور فيها. وبالكتب التي تخرج من مطابعها. وبأسلوبها في البحث عن دورها. وباللغة التي تعتمدها في مخاطبة العرب وأهل الإقليم. وبعلاقاتها بالدول الكبرى. هذا على الأقل ما تؤكده المحطات التي عاشتها مصر في العقود الستة الماضية.
ماذا يريد العرب من مصر؟. انهم يريدون مصر. مصر مستقرة تعيش في ظل مؤسساتها وتضطلع بدورها في إقليم يتعرض فيه الدور العربي لتحديات غير مسبوقة. لا يستطيع العرب احتمال انزلاق مصر الى الفوضى وتحولها دولة مريضة. دفع العرب باهظاً ثمن العراق المريض.
لهذه الأسباب اتجهت عيون العرب الى مصر منذ بدء الاحتجاجات. يريدون أن يعرفوا أو يطمئنوا. صحيح أنه يعود للمصريين أن يقرروا ومن دون تدخلات مستقبل دولتهم وملامح النظام الذي يريدون العيش في ظله. لكن الصحيح أيضاً هو أن حصيلة الاحتجاجات تعني العرب لأنها تؤثر على استقرار مصر ودورها.
وليس سراً أن العرب الذين تابعوا ما شهده الشارع المصري خصوصاً في اليومين الماضيين شعروا بالقلق. أقلقهم التأخر في اتخاذ القرارات التي تؤكد الإصغاء الى الرسالة التي وجهها الشباب المصري عبر موجة الاحتجاجات. وأقلقتهم النداءات التي سمعوها عبر الفضائيات عن ممارسات قام بها «البلطجية» وتضمنت نوعا من الاستباحة للمؤسسات والمتاجر والبيوت. ولا بد من تسجيل أن فريقاً من المحتجين كان يحاول كبح هذه الممارسات التي تفاقمت بعد انسحاب رموز الدولة من الشارع.
ليس بسيطاً ما شهدته مصر في الأيام الأخيرة. يمكن القول إنه سيكون بالتأكيد حداً فاصلاً بين مرحلتين. يستحيل القفز فوق ما جرى وإعادة عقارب الساعة الى الوراء. القصة هنا مختلفة عما شهدته تونس والأسباب كثيرة. لعل التشابه يكمن في دور الشباب واندفاعه واستخدامه وسائل الاتصالات الحديثة. بعد هذه النقطة يمكن القول إن الوضع في مصر أكثر تعقيداً.
يمكن القول إن محاولة تجري للخروج من الأزمة. تعيين عمر سليمان نائباً لرئيس الجمهورية يبعث برسالة مفادها أن مرحلة توشك أن تنتهي. وأن الحل سيتكئ بالضرورة على المؤسسة العسكرية ورصيدها. رسالة تتعلق بالانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام. رسالة تتضمن قراراً بطي حديث التوريث. يمكن أيضاً إدراج اختيار أحمد شفيق رئيساً للحكومة في السياق نفسه.
واضح أن استعادة الاستقرار تستلزم اتخاذ قرارات صعبة أو مؤلمة تتخطى تبديل بعض الوجوه الى تبديل خيارات ونصوص. ثمة من سيدفع ثمن بعض الممارسات في المرحلة السابقة سواء في الحكومة أو الحزب الحاكم.
ليس سهلاً إخراج الشبان من الشارع خصوصاً بعدما شعروا بقوتهم. وليس سهلاً إقناعهم بالخروج من الشارع في مقابل خطوات تقل كثيراً عن مطالبهم التي بلغت حدها الأقصى والى درجة الرغبة في إحداث تغيير شامل. إن الوجهة التي ستسلكها الأحداث تتوقف على لقاء عاملين قرارات الرئيس حسني مبارك وحسابات الجيش الذي سيستفيد من شيوع مشاعر الخوف لتقديم نفسه مجدداً في صورة الضامن لمنع انزلاق البلاد الى الفوضى. إنها ساعة القرارات الصعبة ليس فقط بالنسبة الى الرئيس مبارك بل أيضاً بالنسبة الى الجيش والقوى السياسية فضلاً عن الشبان الذين اجتاحوا الشارع.