- عن أبي حذيفة عن عائشة رضي الله عنها قالت:
قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته .
(سنن أبي داود ج4:ص269 )
فهذه الكلمة التي قالتها عائشة رضي الله عنها وهي وصف صفية رضي الله عنها بالقصيرة , واعتبرتها عائشة رضي الله عنها عيباً فيها , هذه الكلمة يصورها النبي صلى الله عليه وسلم كأنها هي حبر ملون ووضعت في البحر الكبير الواسع فمزجت بماء البحر فتلون ماء البحر , وذلك من عظم هذه الكلمة.
فهل يعي الناس هذا الحديث وينتهوا عن التنابز بالألقاب بين بعضهم البعض.
- حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم بن أبي النجود عن ذاكون عن صالح عن عائشة رضي الله عنها قالت:
يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من الكلمة الخبيثة يقولها لأخيه .
(مصنف ابن أبي شيبة ج1:ص125)
- حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان عن الحارث قال :
كنت آخذ بيد إبراهيم فذكرت رجلا فاغتبته قال فقال لي ارجع فتوضأ كانوا يعدون هذا هجرا .
(مصنف ابن أبي شيبة ج1:ص125)
- حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن موسى بن أبي الفرات قال:
سأل رجلان عطاء فقال مر بنا رجل فقلنا المخنث قال قلتما له قبل أن صليتما أو بعد ما صليتما فقالا قبل أن نصلي فقال توضآ وعودا لصلاتكما فإنكما لم تكن لكما صلاة .
(مصنف ابن أبي شيبة ج1:ص125)
فهذه الأحاديث المتعددة للسلف الصالح إنما هي حث للمسلم بعدم الخوض في أعراض الناس عموماً فكيف تتكلم عن هذا وعن هذا وتخوض في عرض هذا وتصف هذا بما يكره ثم بعد ذلك تصلي بعد أن تكون أكلت من لحمه , فالأولى لك أن تذهب وتتمضمض وتتوضأ من هذا الأكل النتن ألا وهو أعراض الناس.
- حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن زيد بن صوحان قال:
قال عمر ما يمنعكم إذ رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس لا تغيروا عليه قالوا نتقي لسانه قال ذاك أدنى أن تكونوا شهداء.
(مصنف ابن أبي شيبة ج5:ص230)
أي من قتل وهو يذب و يدافع عن أعراض الناس التي تنتهك فهو شهيد وذلك بيان لحرمة الإنسان .
- حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس:
أن عمرو بن العاص مر على بغل ميت فقال لأصحابه أن يأكل أحدكم من هذا حتى يملأ بطنه خير من أن يأكل لحم أخيه المسلم.
(مصنف ابن أبي شيبة ج5:ص230)
أي لأن تأكل من لحم بغل ميت خير وأفضل من أكل لحم أخيك بغيبته.
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل فوقع فيه رجل من بعده فقال النبي صلى الله عليه وسلم تخلل فقال ومما أتخلل ما أكلت لحما قال إنك أكلت لحم أخيك.
(حديث غريب رواه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني)
يقول الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ{12}الحجرات.
- حدثنا وكيع عن بن أبي ليلى عن الحكم عن بن لأبي الدرداء:
أن رجلا وقع في رجل فرد عنه آخر فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ذب عن عرض أخيه كان له حجابا من النار.
(مصنف ابن أبي شيبة ج5:ص230)
فإذا كنت في مجلس ما وتكلم من تكلم عن فلان وعن علان- الذي لم يكن موجوداً في هذا المجلس- بما يكرهه فكنت أنت حائط الصد والدفاع عنه في هذا المجلس فكذلك ينتقل معك هذا الحائط فيكون حجاباً لك من النار يوم القيامة.
- قال الغزالي :
حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه ولو بلغه.
وقال بن الأثير في النهاية :
الغيبة أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء وان كان فيه .
وقال النووي في الأذكار:
ذكر المرء بما يكرهه سواء كان ذلك في بدن الشخص أو دينه أو دنياه أو نفسه أو خلقه أو خلقه أو ماله أو والده أو ولده أو زوجه أو خادمه أو ثوبه أو حركته أو وطلاقته أو عبوسته أو غير ذلك مما يتعلق به سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز.
قال النووي:
وممن يستعمل التعريض في ذلك كثير من الفقهاء في التصانيف وغيرها كقولهم (قال بعض من يدعى العلم أو بعض من ينسب إلى الصلاح أو نحو ذلك مما يفهم السامع المراد به ومنه قولهم عند ذكره : الله يعافينا - الله يتوب علينا - نسأل الله السلامة - ونحو ذلك ) فكل ذلك من الغيبة وتمسك من قال أنها لا يشترط فيها غيبة الشخص بالحديث المشهور الذي أخرجه مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة رفعه أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكرهه قال أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته وله شاهد مرسل عن المطلب بن عبد الله عند مالك فلم يقيد ذلك بغيبة الشخص فدل على أن لا فرق بين أن يقول ذلك في غيبته أو في حضوره والأرجح اختصاصها بالغيبة مراعاة لاشتقاقها وبذلك جزم أهل اللغة قال بن التين الغيبة ذكر المرء بما يكرهه بظهر الغيب
(فتح الباري ج10:ص469)
- ويبين هذا الحديث الشريف حرمة المسلم وتجنب أذاه حتى ولو من الرائحة الكريهة :
فعن أبي ثعلبة رضي الله عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فوجدوا في جنانها بصلا وثوما فأكلوا منه وهم جياع فلما راح الناس إلى المسجد إذا ريح المسجد بصل وثوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربنا .
( رواه الطبراني بإسناد حسن)
فأسقط النبي صلى الله عليه وسلم أداء فريضة الصلاة جماعة لمن أكل بصلاً أو ثوماً حتى لا يتأذى جماعة المصلين بالمسجد من رائحة فمه الكريهة فالمسلم له حرمته .
- أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم قال حدثنا حرملة بن يحيى قال :
حدثنا بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة أن أبا النجيب مولى عبد الله بن سعد حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثه أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل وقيل يا رسول الله وأشد ذلك كله الثوم أفنحرمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوه ومن أكله منكم فلا يقرب هذا المسجد حتى تذهب ريحه.
(صحيح ابن حبان ج5:ص439)