بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة الخداع
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فما من شك أن الفتاة المسلمة تتعرض منذ عقود لعملية خداع مستمر، تهدف إلى أن تتنكر للقيم والمبادئ الإسلامية، وأن تتقبل أسلوب الحياة الغربية حُلوِها ومُرِّها، بل وتعتقد أن ذلك هو طريقها للحرية والتقدم، ونيل الحقوق، والمشاركة في نهضة الأمة.
وقد فُتنت كثير من فتياتنا بهذا الخداع، وأُشربت قلوبهن خيوط المؤامرة، فأصبحت أرضًا خصبة لتلقِّي كل ألوان الخداع والمكر، بل وأخذت تجادل عن ذلك الباطل بكل ما أوتيت من قوة.
خدعوها فقالوا: إن البيت هو سجن يحيط بالمرأة، وعلى المرأة العصرية – إن أرادت الحرية – أن تحطم هذا السجن وتتحرر منه، وتنفك من قيوده، لتستقبل شمس الحرية!!
وصدقت المسكينة هذا الخداع.
خدعوها فقالوا: إن المرأة لابد أن تكشف وجهها حتى تشارك في الحياة العملية، وتكون لها شخصيتها المستقلة في المجتمع.
خدعوها فقالوا: لا ُبَّد أن تنزل المرأة إلى الشارع, وأن تُشارك الرجل في ميدان عمله، وتكون بجانبه في المكتب والمصنع والمعمل والمتجر، إذ إن المساواة مع الرجل لن تتحقق إلا بهذه المشاركة.
فصدَّقت هذا الخداع.
خدعوها فقالوا: إن المرأة القابعة في بيتها المتفرغة لزوجها وتربية أبنائها هي امرأة ناقصة رضيت بأن تكون خادمة للرجل وأداة للإنجاب.
فصدَّقت هذا الخداع.
خدعوها فقالوا: إن الفتاة العصرية لا بُدَّ أن تتعرَّى وتتكشف وتظهر زينتها ومفاتنها؛ حتى تواكب عصرها، وتصبح فتاة بمعنى الكلمة.
فصدَّقت هذا الخداع.
خدعوها فقالوا: إن الفتاة إذا أرادت أن تتزوج، فينبغي لها أن تتعرَّى، حتى تعجب الخُطَّاب.
فصدَّقت هذا الخداع.
خدعوها فقالوا: إن الفتيات المحجبات حجابًا شرعيًا إنما فعلن ذلك لإخفاء عيوبهن ودمامتهن وقبح صورهن!!
فصدَّقت هذا الخداع.
لقد دمَّر هؤلاء في وجدان الفتيات حياة الحياء والحشمة والالتزام بالعفاف والفضيلة، وجعلوهن يتطلَّعن إلى حياة العُري والاختلاط والخلاعة والشهوات.
لقد حطَّم هؤلاء الحواجز بين الرجل والمرأة، فبعد أن كانت المرأة بعيدة المنال، ورقمًا صعبًا لا يستطيع الرجل إحرازه إلا في حدود ما شرعة الله تعالى، أصبحت فيما بعد أقرب إلى الرجل من شراك نعله!
إلا أن هؤلاء كانوا في غاية المكر والدَّهاء، فلم يُصرِّحوا في بداية الأمر بمهاجمة الحجاب والدعوة إلى التَّعرِّي الفاضح، بل غلَّفوا تلك الدعوة بالنصائح الماكرة، والمقاصد النبيلة في ظاهرها، الخبيثة في مضمونها وباطنها، حتى تجد لها قبولاً في المجتمع. فكانت مجلات الأزياء والموضة تتحدث في بداية الأمر عن العلاقات الزوجية: "كيف تحافظين على محبة زوجك؟
وهل يكره الإسلام أن تتحبب المرأة إلى زوجها، وتتجمل له وتتزيَّن؟
نحن فقط نقِّدم النصيحة مُصوَّرةً؛ لأننا في زمن الصحافة المُصوَّرة التي توضح كل شيء بالرسم!!
وحين تستقر هذه الخطوة، نتقدم خطوة أخرى إلى الأمام، تمهيدًا لتحرير المرأة من قيد آخر من قيود الدين والأخلاق والتقاليد!
لقد كان الزوج في المرحلة الأولى هو المحلل.
وانتهت مهمته، فلنكن الآن صُرَحَاء!
كيف تجذبين انتباه الرجل؟!
نعم! وماذا فيها؟!
ألا تتزيَّن ليقع في شباكها ابنُ الحلال؟
فإن لم يقع ابنُ الحلال فمزيدًا من التزيُّن.
هذا فستان يكشف مفاتن الصدر, وهذا يكشف مفاتن الظهر, وهذا يكشف مفاتن الساقين.
وتتطور الموضة العالمية وتتطور، حتى تكشف مفاتن الجسم كله بجميع أجزائه"( ).
ثم بعد ذلك بدأت الدعوة الصريحة لنبذ الدين والأخلاق والعادات الكريمة، فكان من وحي شياطينهم:
"حذارِ أيتها الفتاة أن تنهزمي في المعركة، فالمجتمع كله ينظر إليك، ويرقب نتيجة المعركة.
* حذارِ أن تغُضِّي بصرك! فغضُّ البصر معناه: عدم الثقة بالنفس، وهو من مخلَّفات القرون الوسطي المظلمة، التي كانت تنظر إلى المرأة، على أنها دون الرجل، فتغضَّ بصرها.
أمَّا أنت يا حاملة الرَّاية، فارفعي رأسك عاليًا؛ لتُثبتي أنك مساوية للرجل في كل شيء، وأنك نِدٌّ له في كل شيء. شيئان ينبغي أن تحرر منهما الفتاة الجامعية: غضُّ البصر والحياء( )!!
وفتاة الجامعة ينبغي كذلك أن تكون رشيقة خفيفة الحركة! فإليك الأزياء, انتقي منها ما يناسبك, وما يظهر رشاقتك, وأظهري من زينتك بقدر طاقتك!
لا حرج عليك, ماذا تخشين؟!
أتخشين الدين؟ والأخلاق؟ والتقاليد؟
تعالي معًا نُحطِّم الدين والأخلاق والتقاليد التي تريد أن تكبِّلك في حركتك، فلا تكوني رشيقة كما ينبغي لك!
وينبغي كذلك أن تكوني جذَّابة!
فهكذا المرأة المتحررة, من صفاتها أن تكون جذَّابة في مشيتها, في حركتها, في حديثها!
ألا ترغبين أن ينجذب إليك فتى الأحلام, شريك المستقبل؟!
إن لم ينجذب هذا، فلينجذب غيره, المهم أن يكون هناك دائمًا من يتطلَّع إليك, ويُعجب بك, ويرغب فيك.
وبدأت الفتاة تتخلع في مشيتها وتتكسَّر, وتتخلع في حديثها وتتكسَّر, وأصبح هذا عنوان المرأة الحديثة والمرأة المتحررة التي تملأ الشارع، فيعجَّ الشارع بالفتنة الهائجة التي لا تهدأ ولا تستقر, وهو المطلوب.
أما البيت, فآخر ما تُفكِّر فيه الفتاة الجامعية.
لقد نُعت لها بكل نعتٍ مُقَزّز مُنَفّر, حتى أصبح البقاء فيه هو المعرَّة التي لا تُطيق فتاة جامعية أن تلصق بها.
البيت هو السجن, هو الضيق, هو الظلام, هو الرجعية, هو عصر الحريم, هو التقاليد البالية, هو القرون الوسطى المظلمة, هو دكتاتورية الرجل, هو شلُّ المجتمع عن الحركة, ودفعه إلى الوراء!"( ).
هذا هو مسلسل الخداع، وهذه بعض خيوط المؤامرة على المرأة المسلمة, فهل تعي المرأة حجم الخطر الذي يتهددها، وحجم الضياع الذي ينتظرها إن هي سارت في ركاب هذا المُخطط وكانت من الداعمين له؟.. أم أن فتاة بلاد الحرمين ستكون حصنًا منيعًا تفشل أمامه كل المُخططات، وتتبدَّد لقوَّته وصلابته كل المُؤامرات؟! هذا هو المأمول والمُنتظر.
* * *