بسم الله الرحمن الرحيم (.) الحمد لله رب العالمين (.) الرحمن الرحيم (.) مالك يوم الدين ، والصلاة والسلام على نبي الله وصفيه وخليله سيد الاولين والاخرين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلي اله...ى من اتبع هداه واقتفا أثره الى يوم الدين وبعد ..
شهر رمضان .. بينات من الهدى والفرقان - النفحة الثانية(2 من 15)
نفحات الرحمن في قوله (شَهرُ رمضانَ الّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقرآنُ هُدىً لِلنّاسِ وبَيِّناتٍ منَ الهُدى وَالْفُرقَان) - الجزء الثاني
أي احبابي .. وقفنا في النفحة الاولى عند لطائف قوله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) ونكمل معكم لطائف الاية الكريمة ، نسأل الله صفاء الفهم ونور العلم .. امين
وقوله تعالى: (هُدًى لِلنَّاسِ) هو خبر المبتدأ، فكأنه يقول سبحانه: (شهر رمضان هدىً للناس)، وهنا خاصية عظيمة من خواص هذا الشهر العظيم، وهي أنه هدى، والحق سبحانه إذا أطلق الأمر دلّ ذلك على عمومه وشموله، فالهدى اسم يدل على حصول الصواب والاستقامة ووضوح الرؤية، فكان رمضان بذلك شهر الهداية الشاملة..
والعجيب أن الحق دائماً ينسب الهدى للصالحين من عباده على وجه الخصوص، لأن الهدى نابع من النور، فكيف يهتدي من لا نور له؟! ولكن نجد أن الحق سبحانه في هذه الآية قد عمّم هذا الهدى ليشمل جميع الناس مسلمهم وكافرهم، صالحهم وطالحهم، وهذا لا يكون إلاّ في شهر رمضان..
فشهر رمضان هو شهر من الشهور، وزمان من الأزمنة، إن حلّ فإنه يحلّ على العالم بأسره، وإنه لمّا كان لهذا الشهر فضائله المستودعة فيه وخيراته الكامنة في ذاته كشهر عظيم مبارك، فإنّ بركته تشمل الناس كلّهم، كما الغيث إذا أصاب الأرض فإنه يشمل التقي والزنديق..
ومن هنا كان هذا الشهر شهر الخير على الكلّ، ولكن من يعمل فيه ويخلص يجني ثماره وينعم بخيراته، أمّا من شاهد هذا الغيث واكتفى بالنظر إليه من بعيد فليس له إلاّ النظر، فكلّ امرئٍ يأخذ من هذا الشهر على قدر عمله وإخلاصه وجهده، ولهذا فقد كان رسول الله يجتهد في هذا الشهر ما لا يجتهد في غيره، وهذا ليس إلاّ لما بينّاه من الأمر..
إنّ الناس على اختلاف معتقداتهم ليصيبهم الخير في هذا الشهر، وهذا ما استفدناه من قوله تعالى (هُدًى لِلنَّاسِ)؛ لأنّ الهدى كما قلنا اسم شامل لأمور عدّة، فمن الهدى هدى القلب، ومن الهدى هدى العقل، ومن الهدى هدى البصر، وهكذا..
ولاحظ في هذه الآية الكريمة أنه سبحانه لم يفصل بين كلمة (قرآن) وكلمة (هدى)، وكأنه سبحانه يشير إلى أنّ هذا القرآن (يَهْدِي
لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، لهذا فكان قرآن رمضان له خصوصية كما لقرآن الفجر خصوصية، فإنّ الهدى وإن كان عامّا في رمضان للكلّ، فإنّه
يصبح خاصاً لأهل القرآن الذين يحرصون على تلاوة القرآن في هذا الشهر المبارك، فإنّ الحق سبحانه يزيدهم هدىً على هداهم، بل وينالون خصوصية القرآن التي استودعها الله في هذا الشهر الفضيل..
وبعد أن تحدّث الحق سبحانه عن الفضل العام في هذا الشهر، فإنه يأتي إلى التخصيص، فيقول سبحانه: (وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).. فرمضان هو هدىً للناس ولكنه بينات من ذلك الهدى لأهل رمضان..
والحق الآن يخصص ذلك الهدى بعد أن عمّمه، فكأنه يقول سبحانه: إن ذلك الهدى العام الذي جعلته لجميع الناس ببركة هذا الشهر، فإنني أجعله بينات لأهل الصيام.. وذلك أنّ الكثير من الناس لا يعلمون أن الخير الذي يصيبهم في هذا الشهر هو من بركة هذا الشهر، فقد عمي عليهم الأمر مع أنهم قد أصابهم حظّ منه.. أمّا أهل الطاعات في هذا الشهر الكريم فقد جعل الله لهم تبياناً ليعلموا فضل الله عليهم..
وهذه البيّنات هي من أمرين: الهدى والفرقان، والهدى هنا هو النور الذي يملأ قلوبهم وصدورهم، والفرقان هو العمل بذلك النور الذي هداهم به..
والهدى هو نتاج الصوم في شهر رمضان، والفرقان هو نتاج تلاوة القرآن فيه.. فإنّ القرآن قد نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثمّ بدأ يتنزّل بالوحي منجّماً في أحداث وغير ذلك، يقول تعالى: (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلا)، فنور القرآن مجمل، ونور الفرقان مفصّل.. ونور القرآن ينير ذاتك، ونور الفرقان ينير طريقك.. فالفرقان هو آيات القرآن إذا تدبرتها وعملتَ بها..
فإنّ المسلم لمّا صام رمضان متعاهداً تلاوة القرآن أورثه ذلك خيراً عظيماً، ولانعكس فضل هذا العمل على حياته وسلوكه، فصار طريقه مُناراً، وأمره مُسترشَداً، ولذلك فإنّ رسول الله قد لخّص الأمر بقوله: (لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلّها رمضان)..
أرجو المسامحة على الإطالة، وما بقي في فضائل رمضان يحتاج إلى أيام ولن نحصي نواله، والله الهداي إلى الصواب، وهو المتفضل بالخير المصباب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .وصل الله علي سيدنا محمد واله وصحبه في كل لمحة ونفس عدد ما واسعه علم الله الرحمن الرحيم.