بسم الله الرحمن الرحيم (.) الحمد لله رب العالمين (.) الرحمن الرحيم (.) مالك يوم الدين
شهر رمضان .. بينات من الهدى والفرقان - النفحة الاولى (1 من 15)
...نفحات الرحمن في قوله (شَهرُ رمضانَ الّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقرآنُ هُدىً لِلنّاسِ وبَيِّناتٍ منَ الهُدى وَالْفُرقَان) - الجزء الأول
نفحات الرحمن في قوله (شَهرُ رمضانَ الّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقرآنُ هُدىً لِلنّاسِ وبَيِّناتٍ منَ الهُدى وَالْفُرقَان) - الجزء الأول
الله .. الله .. الله .. الله .. الله .. الله .. الله .. بسم الله الرحمن الرحيم (.) الحمد لله رب العالمين (.) الرحمن الرحيم (.) مالك يوم الدين بدأ الحق في هذه الآية بذكر هذا الشهر العظيم المبارك، وقدّمه في القول تشريفا، والحق سبحانه هو المُقدّم وهو المؤخر، فإن قدّم ذكر الشيء في معرض التكريم فهو تقديم مكانة، فكانت إشارة إلى علو مكانة هذا الشهر العظيم بين الأشهر.. ولم يذكر الحق سبحانه شهراً في القرآن باسمه إلاّ شهر رمضان، فإفراده بالذكر على الخصوص هو تخصيص لهذا الشهر بأنوار التفريد التي يشهدها المفرّدون لأنه شهر الله سبحانه وما يكون به هو لله وحده (إلاّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).. كذلك فإنه سبحانه لم يبدأ الآية باسم الشهر مباشرة كأن يقول (رمضان الذي أُنزل فيه القرآن) بل أضافه لكلمة (شهر) دلالة على شرفه بين الأشهر كما قلنا حتى أنه يفضل الأشهر الحرم في الصوم، لقوله : (أفضل الصيام بعد رمضان: شهر الله المحرم)، فضلاً على أنه قد كُتب فيه الصيام وفرض لقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ولا يخفى فضل الفرض على النفل، يقول جلّ وعلا في الحديث القدسي: (ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضتُ عليه).. فلمّا أشار إلى فضل هذا الشهر وخصوصيته بين الأشهر، وصله بخاصية أخرى بديعة فقال: (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ).. وأحبّ أن أنوّه هنا إلى أمر هام، فإنّ الكثيرين يعتقدون بأنّ شهر رمضان لم يفضل إلاّ بنزول القرآن فيه، ولكن هذه الآية تنفي ذلك الاعتقاد، فإنّ جملة (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ) هي جملة صلة أتت في محلّ الصفة، والصفة تابعة للموصوف لا مقيّدة له، فكانت بذلك خصوصية رمضان هي خصوصية ذاتية فيه، وكان شرفه هو بتشريف الله العظيم له من قبل أن ينزل القرآن فيه، ولكن لمّا أراد الحق سبحانه أن ينزل القرآن العظيم، فإنه سبحانه جلّ جلاله قد اختار لكلامه أفضل الخلق: محمداً ، واختار له أشرف البقاع: مكة شرفها الله، واختار له أفضل الملائكة: جبريل ، واختار له أفضل الأزمان: شهر رمضان المبارك، فرمضان هو شهر القرآن، فهنيئاً لنا ولكم بالقرآن في شهر رمضان.. ولمّا كانت جملة الصلة: (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ) هي في محل نعتٍ لهذا الشهر الكريم كانت لازمة له، فإن الصفة تلزم الموصوف، لذا فإنّ تنزّل القرآن يكون مصاحباً لهذا الشهر لا ينقطع عنه.. ومع أنّ الفعل ظاهره في الزمن الماضي ولكنه مستمر باستمرار القرآن، وماضيه في تنزّله إلى السماء الدنيا، واستمراريته في تنزّله إلى سماء الأفئدة، ولكنّ هذا التنزّل يكون على القلوب بأنوار المعاني، يقول تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (.) عَلَى قَلْبِكَ).. فمن هذه الآية نفهم أنّ أنوار التنزيل على القلوب الصافية لا تنقطع في هذا الشهر الكريم، ويشعر بذلك العوام فضلاً عن الخواص، فإنّ لتلاوة القرآن في هذا الشهر ذوقاً مختلفاً عن بقية الأشهر والأزمان، وكأنّ أنوار الآيات هي جزء من أنوار هذا الشهر الكريم، وكأنّ معانيها قد امتزجت به؛ لدرجة أنك تمرّ على بعض الآيات فتشعر أنك لأول مرة تقرؤها.. ثم نأتي إلى الفعل (أُنزِلَ)، ونلاحظ أن الحق سبحانه قد استخدم صيغة المبني للمجهول، فغاب الفاعل من الجملة، وهو الفاعل سبحانه، وهو الذي نزّل القرآن لقوله: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ)، وغيّب نفسه في الآية جلّ جلاله تشريفاً لهذا الشهر، فإنه لو قال: (شهر رمضان الذي أنزل الله فيه القرآن) لكان ظهور اسمه فصلاً بين أنوار شهر رمضان ونزول أسرار القرآن، وخفاء اسمه سبحانه هو ظهور تجليات الألوهية الخفية عن الخلق في هذا الشهر العظيم، وسنتحدث عن ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.. وقوله (فيه) دلّ على أنّ شهر رمضان هو وعاء، وكلّ ما كان لله فهو وعاء لأنوار الله، فذاك قلب المؤمن هو وعاء سرّ الحضرة العليّة ، وذلك أنّ قلب المؤمن هو له سبحانه، لا يعرف سواه، فكان بذلك وعاءً لأسرار الحق؛ لذا فإنّ شهر رمضان المبارك لمّا كان لله خالصاً لأنّ الصوم لله وهو يجزي به، استحقّ أن يكون وعاءً لأنوار وأسرار القرآن العظيم.. وهكذا أنت أيها المؤمن إن أخلصتَ لله في هذا الشهر، وأفردته سبحانه بالعبودية، وجعلتَ قلبك لله وحده نلتَ شرف هذا التنزّل القرآني على قلبك الإنساني، والله تعالى أعلم وأحكم .. يتبع ان شاء الله مع (نفحات الرحمن في قوله (شَهرُ رمضانَ الّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقرآنُ هُدىً لِلنّاسِ وبَيِّناتٍ منَ الهُدى وَالْفُرقَان) - الجزء الثاني) .. ملاحظة هامة : نشر المواضيع الموجودة حاليا والمواضيع المقبلة وخصوصا في رمضان للمجموعات الاخرى والحائط الخاص للاعضاء الكرام مسموح به وهو من علامات الخير للناشر ، فمن علامات الخير نقل الخير للغير ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً).. أكرمكم الله وصل الله علي مولانا محمد واله الطاهرين وصحابته الميامين والتابعين باحسان الي يوم الدين دائما ابدا يارب العالمين